عادل ومحمد عاشا لحظات رعب طويلة بين النيران: لم ينقذهما أحد!

قبل أن يحمل طفله بين يديه رحل محمد، وقبل أن يُزفّ إلى حبيبته رافقه عادل، ذهبا في رحلة طويلة والعودة منها مستحيلة، وما يُحزن أنهما لم يقطعا تذكرة سفرهما إلى العالم الآخر ولم يطلبا ذلك، بل كان إهمال المسؤول عنهما في المهمة التي كُلِّفا بها هو السبب.
في سرداب من الظلمة والنار ضاعا، ركضا، على الجدران ضربا، صرخا هل من يسمعنا لكن لا آذان صاغية ممن يفترض ان يؤمن اجراءات السلامة لمن يجاذف بحياته من أجل الآخرين.
عريفان من فوج الاطفاء قدّما حياتهما من أجل السيطرة على نيران كادت تلتهم المبنى الذي يقع فيه المستودع، لكن هل تضحيتهما في محلها في دولة لا تقدّر جهود شباب يضعون أرواحهم على كفّ يدهم ويخوضون معركة وسط النيران لإنقاذ الناس وممتلكاتهم؟
تلبية الواجب
محمد المولى (31 عاماً) وعادل سعادة اندفعا حين طلبهما الواجب، حملا خرطوم الماء سلاحهما وانطلقا، لم يعلما انهما سينتيهان في المستودع وتنفذ قاروة الاكسجين التي يحملانها من دون ان يفتقدهما المسؤول عن المهمة، حاولا إنقاذ نفسيهما والوصول الى المخرج، لكن سقط عادل داخل مكتب، وعلى بعد حوالي ثمانية امتار منه سقط محمد.
ثلاثة أمتار كانت تفصل عادل عن باب الحياة، لكن الظلمة حالت دون رؤيته، اختنق، خلع قناع الاوكسجين عن وجهه ووقع أرضًا لكنه لم يحترق، فقد خجلت النيران ان تلامس جسده، وكذلك محمد الذي غطته أغلفة رسائل وجدت في المكان، غطته لتعرّي دولة لا تعطي “مجاهديها” حقّهم لا مادياً ولا معنوياً.
محمد الذي لم تفارق الضحكة وجهه في الأيام الاخيرة بحسب ما قال شقيقه يحي لـ”النهار”، كان ينتظر مولوده الذي بشّر بقدومه قبل يوم من استشهاده، وأضاف “كانت لهفته كبيرة لرؤيته، لكن للاسف رحل قبل أن يحقّق حلمه”. والدته لا تصدق ان فلذة كبدها بقي مفقوداً من الساعة الحادية عشر مساء الى الساعة الثامنة صباحاً، العائلة تحمّل المسؤولية الى المسؤول عن المهمة الذي لم يفتقد ابنها واضعة علامات استفهام عن المدّة الطويلة لإخراجه من بين براثن النيران.
رحلة البحث
زميله الذي عمل على رفعه من المكان قال لـ”النهار” : قدمت الى موقع الحريق عند الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، انا وزميل آخر لاستلام المهمة عن المولى وسعادة، حين وصلت أُخبرت ان لا احد يعلم ان كانا لا يزالان في المستودع أم غادرا المكان، كون قارورة الاوكسجين التي يتنفسان منها تنفذ بعد نحو 20 دقيقة، وهما دخلا الى المستودع قبل ساعة، اتصلت بالمولى فلم يجب، حينها تأكدنا انهما في الداخل وبدأنا رحلة البحث عنهما التي استغرقت ساعات كون المستودع على شكل حرف U مظلم يلفّه دخان ونار”.
“مهمة اطفاء الحريق كانت لمركز الباشورة حيث يخدم سعادة، لكن بسبب كبره تمّ الدعم من اطفائية الملعب البلدي في الطريق الجديدة حيث يخدم المولى”، بحسب زميلهما، والذي لفت إلى ان محمد “نزل الى المستودع للاطفاء مرتين، وعاد الى المركز لتعبئة المياه وأصرّ على العودة لإكمال مهمّته”. واستطرد قائلاً: “الحريق كان على يمين المستودع الذي يمكن الدخول اليه من باب آخر من جهة الشمال. سعادة والمولى دخلا من الباب الذي على الشمال كي يصلا الى آخر الممشى حينها يلتفّان الى جهة الشمال ليصلا الى مكان الحريق للسيطرة عليه، بالتأكيد وصلا الى آخر الممشى لكن ماذا حصل معهما؟ هل انتهت قارورة الأكسيجين ولم يستطيعا الاكمال ام هل أضاعا الطريق بعد ان ابتعدا عن خرطوم الماء في سبيل الاستدلال على المكان؟ هنا السؤال”.
وُجد سعادة ممدّداً على الارض بلا قناع، على فمه رغوة، مصاباً ببعض الحروق في رجله وتحت إبطه بتأثير الحرارة، كما ان اصابع يديه كسرت بسبب الطرْق على الجدران، اما المولى فلم يكن ممدّداً بل كان رأسه الى الامام ورجلاه ملتويتين، من دون طاسة على رأسه، كان وجهه منتفخاً مع بعض الدماء  بسبب القناع الذي لم يخلعه”. ويكمل زميله تفاصيل المأساة: “اذا استطعنا غسل سعادة قبل دفنه فإن المولى دفن في ملابسه، فحتى جراباته لم نستطع خلعها”.

على من تقع المسؤولية؟
لا مصباح يستدلان به إلى الطريق ولا جهاز لاسلكي لإخبار المسؤول عما يواجهانه، يعلّق زميلهما: “لا توجد معدات متطورة او حتى أبسط معدات السلامة نفتقد إليها، ومع ذلك يمكن القول ان المسؤولية تقع على الضابط الذي يوزّع المهمات والضابط الذي يقود العملية على الارض، لاسيما ان من يقوم بالاطفاء عريفان خبرتهما ليست كبيرة واندفاعهما كبير، اذ من الواجب ان يقود الرتيب العرفاء في الحريق وان يكون هو رأس الحربة في إخماده وان يبقى اطفائي على باب المستودع يسجّل من دخل ومن خرج والمدة التي استغرقها”.

في آخر يوم له على قيد الحياة لعب محمد كرة القدم مع زملائه في الخدمة، حيث علّق أحدهم “على الرغم من انه ليس لاعبًا جيدًا ، لكن في تلك المباراة كان منطلقاً جداً، يوزع “الطابة” بشكل جيد على اعضاء فريقه، وأنا كنت أطلق النكات متندراً على اندفاعته وهو يضحك”. صمت لبرهة قبل ان يضيف بحرقة “اعتدت ان أوصيه بشراء شبكة “لوتو” وكان في كل مرة يقول لي: اذا ربحت اريد عشرة في المئة من المبلغ، لكن في ذلك اليوم اعطاني الشبكة من دون ان يكرر العبارة المعتادة، تعجّبت وسألته الا تريد عشرة في المئة ان ربحت، ضحك ومشى”.
محمد وعادل لكما المجد في الأرض وفي السماء!

(النهار)

 

السابق
هل لا زال بامكان ايران انقاذ نظام الاسد؟
التالي
هل تتحوّل معركة القلمون استنزافاً؟