سارة وعلاء: قصة الموت عشقاً في مخيم اليرموك!

في جزيرة “بوطان” جنوب شرق تركيا، يعيش حبيبان أنجبهما القدر وتغزلت بهما قصص الحب الكردية ذات زمن، “ممو زين” أحد أشهر روايات الأدب الكردي في العصور، الحبيبان اللذان ماتا في حبهما، نتيجة ظلم من حولهما، وتقول القصة إن الحبيبة “زين” أوصت أن يتم دفنها بجانب حبيبها “ممو”، وحتى الآن لازال ذلك القبر شاهداً على قصة حب مات أصحابها لكن حبهما باقٍ إلى اليوم.
اليوم نعيش هذه القصة لحبيبن أنجبهما المخيم والنزوح وقتلتهما الحرب، تلك الحرب نفسها التي دمرت السوريين، فكيف ستكون حال من قتلت الحرب حبهما، وكيف ستكون على قلب لاجئة من فلسطين من صفد مع حبيبها القادم من حيفا!

سارة وعلاء، حبيبان منذ تطلع الشمس إلى أن ينام القمر، ولدت قصة حبهما منذ براءة الطفولة، وعاشا كأي مراهقين، في علاقتهما الكثير من الغيرة والحب والفرح والبراءة، وكانت سارة في الصف السابع بينما علاء في الصف التاسع، وبدأت حركات المراهقة بينهما، من فرح إلى حزن إلى شجار إلى انتظار للحبيب عند شباك المحبوبة إلى وردة حمراء تكون آخر اليوم بيد الحبيبة، حتى بات كل من في المخيم يعرف بقصة الحبيبن الصغيرين.

كبر الحبيبان وكبر معهما حبهما، ونضجت أحلامهما أكثر فأكثر، تارة تبتسم لهما الأيام وتارة تعبس الظروف في وجههما، حتى دخلا إلى الجامعة، علاء كان في قسم الهندسة في الجامعة الأوروبية بينما التحقت سارة بقسم اللغة الانكليزية.

في هذه الأثناء بدأت الحرب تطل بمأساويتها على سوريا ونال المخيم ما نال بقية المناطق في سوريا من حصار وموت وجوع، وتدهورت الحالة الأمنية فيه كثيراً حتى بات الشباب في خطر المشي بين الحواجز داخل دمشق، إلى أن اضطر علاء أن يترك جامعته لعدم تمكنه من سداد قسطها واضطرت سارة إلى أن تسافر إلى أهلها في دبي بعد ضغوط شديدة تعرضت لها من أبيها إذ كانت الوحيدة التي رفضت السفر لأنها آثرت البقاء في المخيم لأنها تريد أن تبقى بجانب أختها المتزوجة، إلى أن جاء اليوم الذي اشتد فيه حصار المخيم في أواخر 2012 وسافرت سارة إلى أبيها في دبي، ووعدت علاء بأنها ستمكث هناك أياماً قليلة ثم ستعود، ومن دبي مضت إلى بلغاريا حيث تقيم أمها لتقضي معها بعض الأيام، تزامن ذلك مع اشتداد الحصار على المخيم واستشهاد الأخ الأصغر لعلاء، فبدأ علاء يعاني من أزمة نفسية نتيجة بُعْدِ سارة واستشهاد أخيه، ونشأت عنده ردة فعل فبقي في المخيم ليتابع مسيرة أخيه.

تأزمت حالة سارة وهي ترى حبيبها تنهار قواه أمامها، فحاولت فعل أي شيء من أجله ونجحت بإقناع والدها بأن تتم خطبتهما على سكايب، وبالفعل تم ذلك، ورغم بساطة هذه الخطوة إلا أنها أسعدت قلبهما أيما إسعاد، لكنها من جهة أخرى كانت حجة لأن ترى سارة خطيبها وتعود إلى سوريا.

وبعد صد ورد وقبول ورفض نجحت سارة بإقناع أهلها أن تذهب لزيارة علاء، وفعلاً في تشرين الثاني 2013 عادت سارة إلى دمشق، وقد يخيل لأي منا أن تذهب حالاً إلى خطيبها، إلا أن الحصار كان حاجزاً من أن يرى أحدهما الآخر، فذهبت إلى صديقتها في حي التضامن إلى حين يفتح الطريق إلى مخيم اليرموك، ومضى أول يوم وثاني يوم وأول أسبوع وثاني أسبوع ولم تتمكن سارة من الدخول إلى المخيم، حتى جاء يوم 28/1/2014 وهو يوم عيد ميلادها، حيث وعدها علاء بأن يذهب لرؤيتها ويصطحبها معه إلى المخيم، وكانت سارة على الوعد والانتظار، حتى حانت الساعة التاسعة مساء.

تقول سيلينا ابنة خالة علاء وصديقة سارة في حديث خاص: “بينما نحن جالسون في الفندق في دمشق، وإذ بهاتفي يرن، وما إن رفعت السماعة حتى سمعت صوت أخت علاء تصرخ وتقول علاء استشهد علاء استشهد.. وتجمدتُ في مكاني، ماذا أقول لذاك القلب الذي طال انتظاره؟! وكيف أخبر صديقتي أن حبيبها الذي حاربت الدنيا من أجله قد استشهد يوم ميلادها، كيف ستتحمل أنها بقيت شهرين منذ وصلت إلى دمشق في انتظاره ولن تراه إلا جثة هامدة أمامها؟!”.

كان علاء قد أصيب بشظايا قذيفة خرجت من ثكنة القاعة مستهدفة إياهم أثناء خروجهم في تظاهرة لفك الحصار عن المخيم، فأصابت شظاياها علاء في رئته، واستشهد الشاب نتيجة نقص العناية الطبية في المخيم.

تلقت سارة الخبر بانهيار حاد وكادت تهرع إلى حاجز ” شارع نسرين” لتقتل من عليه من العسكريين، إلى أن تمكن الطبيب من إعطائها إبرة مهدئ، لكن أي إبر تهدئ نار الغضب المستعرة داخلها؟! صارت المسكينة تلبس ثيابه وتنام بها لتشعر أنه بجانبها.

مضت أيام عليها “سلمت أمرها لله محتسبة عنده أجرها”، ورفضت سارة العودة إلى أهلها وآثرت البقاء بجانب أهل علاء في المخيم، ثم بدأت تتوسل إلى المسؤول عن المخيم بأن يقوم بإدخالها إليه علّها تجد الراحة النفسية بالقرب من أهل علاء، حتى تمكنت من الدخول، كانت تعشق كافة تفاصيله، تحبه بجنون، تحفظ لون جواربه وأين يضع ملابسه، حتى بادرت إلى عمل غريب فقامت بشراء القبر الذي بجانب قبر علاء وأوصت إن ماتت أو استشهدت بأن تدفن فيه!

بعد أيام وفي يوم 19/3/2015 ذهبت سارة لإحضار المساعدات التي دخلت بها الأونروا إلى المخيم، لحظات وقام القناص بالضرب على المتجمعين فوقعت سارة شهيدة إثر رصاصة اخترقت رأسها، وتمت الوصية بأن تدفن سارة بجانب حبيبها، لتعود بنا الذاكرة إلى قصص الحب الغابرة التي مضى زمنها وبقيت ذكرى من عاشها حيّة في رؤسنا.

سارة التي لطالما تمنت أن تحكى قصتها أمام جميع الناس كروميو وجوليت كأكثر اثنين ناضلا من أجل بعضهما وحبهما، لم تكن تتخيل أن تكون نهايتها بهذه المأساوية.

(موقع القوات اللبنانية)

السابق
ميريام فارس ترد على «الحاقدين»
التالي
بالفيديو: نادر صعب غيّر شكل الموقوف خالد حبلص..