إيران من الداخل

انتهت «عاصفة الحزم» بعدما حققت أهدافها وانتصرت للشرعية وأعادت الهيبة للإنسان العربي والمواطن الخليجي، من المعروف أن الأنظمة الخليجية مقارنة بغيرها من الدول تسعى دائماً إلى وحدة الصف العربي والتآلف الإقليمي والتعاون مع المجتمع الدولي؛ لتحقيق السلام والأمن العالميين، ولكن مثل هذا التعامل يفسر من بعضهم بأن دول الخليج دول ضعيفة، وهذا التأويل هو القشة التي قصمت ظهر البعير الفارسي، بل إن العجرفة الإيرانية دفعت دول مجلس التعاون إلى ركوب الأسِنَّة، فحينما يتمادى نظام الملالي في تهديده للأمن القومي الخليجي والعربي، ويندفع في استباحة كرامة المواطن العربي في العراق وسورية واليمن، هنا وَجَبَ على دول الخليج العربي بقيادة المملكة التصدي لهذا الخطر وهذه العدوانية.

ولكن السؤال القائم الآن: هل انتهت الحرب؟

أقول هنا: انتهت الحرب العسكرية محققة أهدافها، وستظل الحرب الإعلامية قائمة والتي لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية، بل يجب أن تتبنى دول الخليج بمؤسساتها الرسمية والأهلية مشروعاً ثقافياً وإعلامياً؛ لنقل المعركة الناعمة إلى الداخل الإيراني؛ لأن التأثير الفكري والثقافي أكثر خطراً في النظام الإيراني؛ بسبب المكونات الاجتماعية المكونة للمجتمع الإيراني، والتي تتكون من أقليات وطوائف وعرقيات متعددة،

قد لا تكون جميعها منصهرة في النسق الوطني الإيراني، بل إن بعضها تطالب بحقوقها والتي قد تصل إلى المطالبة بالانفصال، ولكننا -للأسف- لا نعمل بشكل منهجي لمعرفة التفاصيل والتوجهات لتلك الأقليات العرقية هناك؛ فمعظم ما يُصاغ لمواجهة الخطاب الإيراني الرسمي لا يتعدى أن يكون خطابات سياسية مكررة.

ومن الملاحظ في ضعف مشروعنا الثقافي والإعلامي تجاه إيران هو قلة المتخصصين في الشأن الإيراني، وإن وجد فهناك مركز لا أكثر، إلا أن ما أقصده أن تكون هناك كوادر إعلامية وثقافية وأكاديمية من دول الخليج، تعمل في مراكز بحثية متخصصة بهذا الشأن، وأن يكون الاهتمام بها مستمراً، وليس بحسب الظرف السياسي الآني، وقد يكون من المستحسن أن تستقطب هذه المراكز بعض الكفاءات الإيرانية، التي قد تكون لها مواقف غير إيجابية من الظلم الإيراني.

وقد لاحظت أخيراً في إعلامنا الخليجي في قضية الأحواز، وهذا -باعتقادي- مهم جداً، أولاً بسبب عدالة قضيتهم واعتبارنا عمقهم الاستراتيجي، وإيران كما نراقب في عملية اختراقها لمجتمعاتنا تركز على بعض الجماعات ذات المذهبية المحددة، وقد نجحت في ذلك للأسف، من هذا المنطلق على دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً تبنِّي مؤتمرات عن بعض الأقليات العرقية الإيرانية في جميع دول العالم، والعمل بشكل منظم؛

من أجل خلق تأثير في صناع القرار الدوليين؛ لتفهم تلك المطالب، ويمكن كذلك إثارة الأخطاء والتفرقة والاضطهاد من النظام الإيراني أمام المنظمات الحقوقية الدولية ومجلس الأمن، عبر مندوبي دول مجلس التعاون الخليجي في هذه المنظمات الدولية؛ لتبني مثل هذه الإستراتيجية، وهي خلق حال من الارتباك وزعزعة الثقة في الداخل الإيراني، وكم مرت من الفرص أمامنا ولم نستغلها بشكل عملي! فكلنا يتذكر المظاهرات التي خرج بها الإصلاحيون في المدن الإيرانية في عام 2009، مثلاً مشروعنا المصاحب لتلك الفترة لم يتعدَّ نقل أخبار تلك المظاهرات فقط، ولكن من دون معلومات دقيقة عن أسبابها الحقيقة، وكيف انتهت؟ وكيف استطاع النظام قمعها بتلك الوحشية وسكوت العالم عن تلك الممارسات؟

في المقابل فمن يتتبع المشروع الإيراني في منطقتنا العربية، ولاسيما في مرحلة ما يعرف بالربيع العربي، يجد الفارق بين توجهاتهم وسياستنا، فلديهم مراكز ثقافية وإعلامية ودينية نشطة في كل القارات، ومنها العربية، ويدفع عليها الملايين ومرتبطة بأعلى سلطة بالدولة الإيرانية.

وللدلالة على عدم وضوح الرؤية في مجابهة المشروع التوسعي الإيراني لدى دول مجلس التعاون الخليجي، ما نشرته بعض الصحف المحلية السعودية هذا الأسبوع بإغلاق الدراسة بكلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود بالرياض بتخصص اللغة الفارسية مع لغات أخرى في العام المقبل، هذا باعتقادي يبين التخبط في التخطيط لمشروع ثقافي إعلامي خليجي فعَّال تجاه إيران.

(الحياة)

السابق
مات متأثراً بجراحنا
التالي
سلمى حايك تودّع لبنان وتترك رسالة انسانية