عزّة الدوري ورستم غزالي

أيّام قليلة فصلت بين مقتل عزّة الدوري، نائب صدّام حسين في الرئاسة وقيادة مجلس الثورة العراقيّين، وموت/مقتل رستم غزالي رئيس شعبة الأمن السياسيّ في الجيش السوريّ.

القواسم المشتركة بين الإثنين كثيرة: فهما قياديّان في نظامين بعثيّين، تولّيا فيهما مهمّات كثيرة وأساسيّة، كما رحلا بعد أن فقدا موقعيهما في السلطة: نظام الدوري انهار بالكامل، ونظام غزالي يوالي انهياره.

 

والاثنان جاء موتهما مشوباً بالغموض: فثمّة من لا يزال يقول إنّ الدوري لم يُقتل، أمّا غزالي فلا زالت التكهّنات تحيط بأسباب موته/قتله. وإلى ذلك، فهما أنفقا شطراً من حياتهما يكافحان منافسين من أهل البيت: يونس الأحمد الذي لم يقرّ للدوري بتسلّم الأمانة العامّة لقيادة البعث القطريّة، فأنشأ قيادة وأمانة عامّة موازيتين، ورئيس شعبة الاستخبارات العامّة في الجيش السوريّ رفيق شحادة الذي يُرجّح استخدامه كمخلب قطّ ضدّ غزالي.

قبل ذلك كلّه هناك قاسم مشترك أهمّ، مفاده أنّ الاثنين لم يملكا، ولم يُنسب إليهما، أيّ رصيد شخصيّ يبرّر الموقعين اللذين احتلاّهما. فغزالي ضابط عاديّ لمع اسمه في لبنان، لكنْ ما إن مات حتّى صمت أصدقاؤه عن ذكر صفة حميدة واحدة له. واليوم ما إن يُراجع أرشيف غزالي حتّى تتدفّق عناوين تمتدّ من فضيحة “بنك المدينة” ولا تنتهي عند الاتّهام باغتيال رفيق الحريري.
أمّا الدوري، فممّا يُعرف به أنّ فشله المدرسيّ جعل منه بائع بوظة (لُبان)، وقد انتقاه صدّام حسين نائباً له بعد أن صفّى أو أبعد كافّة القادة البعثيّين الذين يخاف طموحهم.
لكنْ هنا تحديداً يبرز فارق بين الاثنين. فالدوري، في أغلب الظنّ، قاتل بيديه حتّى قضى، تاركاً تقوّلات كثيرة عن إنشائه تنظيمات إسلاميّة متطرّفة ومقاتلة، وعن صلة له بنشأة “داعش” نفسها.

 

أمّا غزالي فـ”قتاله” ضدّ الثورة السوريّة ظلّ ملوّثاً، فضلاً عن توجيه عمليّات القتل نفسها، بعالم المسلسلات التلفزيونيّة: السيجار، شراء الأراضي، الملابس الفاخرة، القصر الذي أحرقه على ما نقلت الكاميرا.
وقد يكون من أسباب ذلك أنّ التكوين النضاليّ للبعث العراقيّ أشدّ صلابة وأقلّ فساداً من التكوين النضاليّ للبعث السوريّ. وربّما وُجد سبب آخر مؤدّاه أنّ غزالي، ابن بلدة قرقفا في ريف درعا، موظّف سنّيّ كبير في سلطة علويّة، فيما الدوري، ابن عشيرة المواشط في مدينة الدور، وذو النزعة الصوفيّة، أكثر سنّيّة ممّا كانته سلطة صدّام السنّيّة.
وعلى العموم، يستحقّ الإثنان أن يرحلا على النحو الذي رحلا فيه، علماً بأنّ قاتليهما قد لا يفضلونهما في شيء. لكنّ سيرتهما تبقى مفيدة في التعرّف إلى مواصفات الكادر القياديّ في أنظمة البعث، وإلى صعوده ومن ثمّ اندثاره. أمّا الباحث عن دلالات حياتهما وموتهما على “الوحدة والحرّيّة والاشتراكيّة” فليبحث ما طال به العمر.

(ناو)

السابق
خادم الحرمين لـ”عاصفة الحزم”: أزلتم التهديد على أمن المملكة والدول المجاورة
التالي
توقيف فرن عن العمل وتوجيه إنذارات في دوريس في بعلبك