الدافع الأمني كقاطرة لتقدّم إسرائيل الشامل

احتفلت الدولة العبرية في الأسبوع الفائت بالذكرى السنوية السابعة والستين لإنشائها في ظل مشاعر متضاربة من الفخر بما أنجزته والاختلاف على ما ينتظرها. فإسرائيل التي كثيراً ما حاولت في الماضي أن ترسم نفسها على أنها صبي يافع صارت تتعامل على أنها كيان راسخ بعد أن صارت قوة عظمى إقليمية. ومن الجائز أن صاروخاً أطلق من غزة في نهاية يوم الاحتفالات أعاد تذكير الإسرائيليين بواقع يعيشونه. كما أن غارة أو غارات شنها سلاح الجو الإسرائيلي على مواقع داخل الأراضي السورية أظهرت أن ما يبدو من هدوء قد ينقلب بين عشية وضحاها.
ومع ذلك شكّلت المناسبة فرصة لكثير من الإسرائيليين للتساجل فيما بينهم ومراجعة ما تحقق حتى الآن. وفيما تفاخر البعض بعمق وسعة الإنجازات التي حققوها تساءل آخرون عن الأفق الذي يتّجهون إليه في ظل انعدام أفق سياسي. ولا ريب في أن الخلاف في جوهره، كان ولا يزال، يدور حول السؤال: هل بالوسع تحقيق سلام وتعايش مع الفلسطينيين والعرب؟ وكانت الإجابات على الدوام متناقضة بين مَن لا يؤمن بذلك وبين من يشترط الكثير من أجل تحقيق ذلك. ولكن يبدو، في ظل الانتخابات الأخيرة ومسيرة السياسة الإسرائيلية في العقدين الأخيرين، أن الميل الغالب في المجتمع الإسرائيلي هو عدم الإيمان بإمكانية تحقيق السلام مع العرب.
لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو ازدياد القناعة بأن الإنجازات التي تتحقق في إسرائيل هي بأشكال مختلفة ثمرة الصراع مع العرب. فالدافع الأمني والعسكري شكل على الدوام قاطرة هامة لتقدم الاقتصاد والتكنولوجيا الإسرائيلية. كما أن الدافع الأمني وفّر لإسرائيل التي كانت في نظر العرب، عصابات صهيونية، فرصة كبيرة للتوحّد سواء بفعل خوف حقيقي أو مصطنع كثيراً ما أطلق عليه صفة «الخطر الوجودي».
إن تقرير السعادة الدولية الذي نشر مؤخراً والذي صنّف إسرائيل على قائمة الدول في الشرق الأوسط التي ينعم مواطنوها بالسعادة واحتلت المكان 11 دولياً فسبقت أميركا وألمانيا يمكنه أن يضع علامات استفهام حول الكثير من تقديراتنا للواقع. ومن المؤكد أن نتائج ذلك التقرير، وبغض النظر عن مدى دقتها، تشهد على واقع يدل بصراحة على أنه فيما تزداد كآبتنا تزداد سعادتهم. ويمكن الذهاب أبعد من ذلك للقول إن جانباً هاماً من أسباب سعادتهم يقوم أصلاً على عوامل كآبتنا.
فالإسرائيلي يرى اليوم أن الدول العربية تتفكك وأن العداء بين عربي وعربي صارت أشدّ من عداء العرب أجمعين لإسرائيل. كما يرى أن الصراعات بين العرب صارت ليس فقط تبدّد قوتهم وتستنزف حاضرهم وإنما تدمّر ما تبقى من ماضيهم واغلق الأبواب أمام النظر إلى أي مستقبل.
ثمّة متطرّف يميني إسرائيلي يكتب في «إسرائيل اليوم» أنه لم يسبق له أن شكر جدّه الذي هاجر إلى فلسطين في العام 1924 قبل أن تضطر الظروف مئات الألوف من اليهود بعد الحرب العالمية للجوء إليها. وهو بأشكال مختلفة يقول إن الآباء حققوا وجودهم على هذه الأرض «بحق القوة» رغم ادعائهم «بقوة الحق» المنطلق من الادعاء التاريخي.
كما أن المعلق العسكري للقناة العاشرة، ألون بن دافيد يحاول رصد أسباب «لماذا يطيب العيش في إسرائيل»، موضحاً أن التحدّي الأمني كان دافعاً حقيقياً للتطوّر وأنه يقف خلف عناصر التميّز لدى الشبان اليهود في إسرائيل الذين يتعلّمون أثناء الجندية ما هو أفضل مما تعلّمه أفضل الجامعات. ويذهب بوعز بيسموط، في «إسرائيل اليوم» إلى التأكيد على أن إسرائيل في الذكرى السابعة والستين لإنشائها يُنظر إليها كمعجزة وأنها «دولة مع تاج».
وينبع رضى الإسرائيليين عن واقعهم ليس فقط جراء مقارنة أنفسهم بمحيطهم العربي وإنما كذلك بملاحظة مقدار التقدم الذي يطرأ على مكانتهم بين دول العالم. ويشير أحدهم إلى أن إسرائيل انتقلت في الثلاثين سنة الأخيرة من معدل دخل قومي للفرد يُقدَّر بثلاثة آلاف دولار إلى معدل دخل يصل إلى 35 ألف دولار سنوياً. ومن دولة تعاني من مشكلات عديدة إلى احتلال المركز 19 بين دول العالم لجهة الرفاه الاجتماعي.
ويعزو المعلق الاقتصادي في «يديعوت» سيفر بلوتسكر كل ما سبق إلى ما يصفه بـ «سواء العقل». وهو يرى أن العقل كان عند الإسرائيليين بديلاً للبطن. وإسرائيل في نظره على ما هي عليه «بفضل سواء العقل، التفكّر والتفكير المنطقي لسكانها وزعمائها. في معظم الوقت وفي معظم الحالات، ولكن ليس في جميعها وليس دوماً: عندما تخرج دولة اسرائيل عن طريق سواء العقل والتفكر، فإنها تتدهور الى ازمات تودي بها الى حافة الهاوية». ويخلص إلى أنه ليس «لدينا سوى قوة عقلنا. اذا ما نكلنا به، اذا ما اهتز سواء العقل، سيهتز كل اساس وجودنا».
ولكن تسفي بارئيل في «هآرتس» يرى رغم ذلك أن إسرائيل «دولة متذمّرة، غاضبة، خائفة، منقسمة ومليئة بالغضب تحتفل اليوم بعيد استقلالها. وهي دولة من دون حدود، رجلها عالقة في حلق شعب آخر تحتفل بنجاحها لبلوغ سنتها الـ 67». ويعدّد بارئيل شكوك إسرائيل تجاه نفسها حين ترى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو إنكار لحقها في الوجود ويشير للتناقض البنيوي في طبيعة إسرائيل ويهوديتها ومحاربتها لخمس سكانها وهم من العرب.
عموماً، ستظل أعوام الدولة العبرية تقاس ضمن هذه الشكوك، طالما بقي الوضع على هذا الحال يثبت أنه ليس بالوسع تحقيق سلام، وإلى أن يغدو الدافع الأمني قاطرة تجرّ إسرائيل إلى الوراء.

(السفير_ تقديم وترجمة حلمي موسى)

السابق
ما نفع الاتفاق على جمهورية بلا رئيس وماذا ينتظر عون وجعجع لاتخاذ موقف؟
التالي
ما بين المفاوضات والمثالثة والجنون