عن أخطاء العرب بحق الشيعة العرب

لا شك ان بين السجالات الكثيرة التي فتحتها عاصفة الحزم، بوصفها رداً على اعلى درجات التجرؤ الايراني على الامن القومي العربي في اليمن، هو دور الشيعة العرب وولاءاتهم في مجتمعاتهم وفي دولهم. مقالات كثيرة كتبت في هذا السياق، آخرها مقالة الزميل الاستاذ دَاوُدَ الشريان في صحيفة الحياة.

يسأل الشريان،  ماذا قدّم حزب الله للعرب الشيعة؟ ويعرض جملة ارتكابات وفظاعات ارتكبها حزب الله بحقهم، وهي ارتكابات وفظاعات كان الشيعة اللبنانيون اول من تصدوا لها بصدور عارية، ورفعوا الصوت بوجهها وحذروا منها في السياسة والإعلام.

الحقيقة ان سؤال الزميل العزيز سؤال محق. لكنه يبقى ناقصاً ما لم يُسأل، بالحرارة نفسها، ماذا فعل العرب للشيعة العرب؟

في سياق تعداده للارتكابات هذه، يعرج الشريان على حرب تموز ٢٠٠٦ وما تركته من اثر في علاقة حزب الله باللبنانيين والعرب. لكن الانصاف، يقتضي التذكير ان من بين ابرز الأصوات التي ارتفعت في مواجهة جنون هذه المغامرة كان المفتي الجعفري في صور وجبل عامل السيد علي الامين، وهو قامة علمائية لبنانية أصيلة، بكرت منذ ثمانينيات القرن الماضي في الاصطدام بمنظومة ولاية الفقيه، عبر الموقف الفقهي والموقف السياسي، لا سيما حين كانت ميليشيات ايران تذبح الشيعة في الجنوب والضاحية في سياق الصراع السوري الايراني على الامساك بإدارة المواجهة مع اسرائيل.

والحقيقة ان تجربة السيد الامين (ومجموعة كبيرة من اللبنانيين الشيعة)، وما لاقاه تجاه موقفه وحراكه من علاقة غرضية، قشورية، إعلامية (عند الحاجة فقط) لا تشجع الآخرين الا على الالتصاق بالمحور الايراني، لغياب اي رعاية لمشروع شيعي عربي جاد يدخل ضمن استراتيجية دفاع العرب عن هويتهم ومصالحهم ومستقبلهم. والسيد من قلة بقيت على العهد بعد ان ضرب الجميع، لبنانيون وعرب، عرض الحائط بموقف نخبة كبيرة من اللبنانيين الشيعة، ممن لا جدال في صفاتهم التمثيلية، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ضمن ما عرف باللقاء الشيعي يومذاك. يومها ذهب العرب باتجاه فبركة تحالف رباعي بين القاتل والقتيل من دون إقامة أدنى وزن لمن تقدموا على أقرانهم في إعلان الانتصار لفكرة الدولة والوطن في لبنان. وإذ أُلح على سؤال ماذا فعل العرب، فلأننا في لبنان نعيش الترجمة العملية لتسليم الشيعة ومصالحهم لحزب الله بدءاً من تأشيرات الحج الى بيت الله الحرام وصولاً الى مداهنة ما يسمى المقاومة والرهان المازوشي على اعتدال الرئيس نبيه بري، الذي يقف اعتداله عند حدود موقفه النظري واللفظي من كل الأمور فيما تشكل حركته السياسية العميقة غطاءً عملياً لكل خيارات حزب الله، منذ ان أعلنت حركة امل الهزيمة العسكرية امام حزب الله.

المفجع اكثر من لبنان كان العراق حيث قادت المملكة العربية السعودية موقفاً عربياً انكفائياً ومقاطعاً، شكل احد اكبر الأخطاء الاستراتيجية التي سمحت لإيران باحتلال العراق وشيعته وحرمانهم بالتالي من بناء دولة حقيقية بدل نادي المليشيات الشيعية الايرانية الولاء الذي هو عراق اليوم. والمؤسف ان هذا الانكفاء مستمر حتى بعد كل الذي حصل.

غريب مثلا الا يستثمر احد من العرب، حتى من باب الانتهازية السياسية، في المواقف الشيعية التي أطلقها قبل نحو عام ونصف الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر تضامنا مع مطالب متظاهري الأنبار ثم أكد عليها في مقابلة مع صحيفة الحياة السعودية!  بل ان الرجل طلب موعداً، عبر الصحيفة السعودية، من دون ان يلقى اي استجابة لطلبه.

وهنا ملاحظة لا يمكن اسقاطها في قراءة تفاصيل الحقبة الماضية. هل غلبت الحسابات “الجيو-مذهبية” على حسابات الامن القومي العربي؟ بكلام أوضح هل خشي الاستابلشمنت السني صعود حالة شيعية للمرة الاولى في تاريخ المنطقة موالية لاميركا؟ هل شعر هذا الاستابلشمنت ان معادلة شيعية عربية موالية لواشنطن، هي مشروع مضاربة على الوكالة السنية الحصرية في هذا المجال!؟ هل أراد الاستابلشمنت، وأحب للشيعة ان يبقوا في زاوية الاتهام لهم بالعمالة لإيران كبديل عن الشراكة معهم في اوطانهم ودولهم!؟

هذه أسئلة ما عاد ممكناً اسقاطها او السكوت عنها اذا كان يراد لنا ان نحلم باستراتيجية مواجهة متماسكة مع ايران، واستراتيجية استعادة عروبة حديثة تعددية ومتنوعة تجمعها المصلحة المشتركة في أمن واستقرار وازدهار الدولة العربية. كل دولة عربية.

وفي سياق متصل، من غير المسموح، من وجهة نظر حاجات الامن القومي والاجتماعي العربي وموجبات الاستقرار في دوله، ان لا يكون في المشهد البحريني حضور عربي شيعي. لا يمكن لعاقل ان يصدق ان شيعة البحرين جالية ايرانية، او ان اخطاء لم ترتكب أدت الى مفاقمة الاحتقان المذهبي ودفعه الى مستوياته القصوى. هذه مسؤولية شيعية بالتأكيد، لكنها في الوقت نفسه مسؤولية عربية استراتيجية، لا ينفع حيالها الاكتفاء بالقعود والشكوى وقلة المبادرة.

اعود الى لبنان. النخب الشيعية العربية، واللبنانية على وجه التحديد، جزء رئيسي  ممن يتصدر المواجهة مع المشروع الايراني وهي تلعب في مواجهة الاحتلال الايراني ما لعبته النخب المسيحية في مواجهة الاحتلال العثماني، باعتبارها شرطا مؤسساً لهوية عربية تتجاوز معطى الخلافة وسقوطها عام ١٩٢٤. الشيعة العرب اليوم حجر الزاوية في الارتقاء بالصراع فوق التخندق المذهبي، وممر إلزامي لدول ومجتمعات مستقرة في بلاد العرب.

السابق
سيارة ميشال سماحة التي تتسع لمحور كامل
التالي
محنة الخليج مع المهدي المنتظر