توقف «عاصفة الحزم»: لا غالب ولا مغلوب؟

عاصفة الحزم
بالمعنى السياسي حققت "عاصفة الحزم" الخطوة الاستراتيجية الأهم، اي استصدار قرار من مجلس الامن الدولي بناء على مشروع قرار تقدمت به دول مجلس التعاون الخليجي تقوم أسسه على المبادرة الخليجية للحل في اليمن. فهذا القرار ما كان ليصدر لولا "عاصفة الحزم" ورسم قرار مجلس الأمن الرقم 2216 اطاراً للحل، اهم بنوده هو انسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها وتسليم سلاحهم للشرعية، وبدء الحوار حول المشهد المستقبلي لليمن ومنع توريد السلاح لهم.

ليس من سبب عسكري أجبر التحالف العشري الذي تقوده السعودية لوقف “عاصفة الحزم”. لم تسقط صواريخ تحالف الحوثيين وعلي عبدالله صالح في الاراضي السعودية مثلا. عاصفة الحزم بمعناها العسكري والتقني قامت الى حدّ بعيد بتوجيه ضربات موجعة جداً للمكون العسكري لتحالف صالح – الحوثي. أكثر من 220 طلعة جوية خلال اقل من اربعة اسابيع نفذت اهدافها من دون ان تسقط ايّ طائرة وفي ظل تفوق عسكري سعودي واضح منع اي تهديد او عملية ردّ على اراضي المملكة.

إذاً لماذا توقفت العملية بشكل مفاجىء؟

الاعلان السعودي عن توقف العاصفة جاء في ظل مبادرة سياسية وافقت عليها الاطراف الدولية والاقليمية والمحلية، بعد سلسلة خطوات استراتيجية انهت عملية ضمّ اليمن الى المحور الايراني او محور الممانعة. فلم تكن لتنطلق “عاصفة الحزم” لو لم يمسك تحالف الحوثي – صالح بالسلطة، ويتمدد نحو صنعاء… ولو لم يخرج مسؤولون ايرانيون ليعلنوا انضمام صنعاء الى قافلة العواصم العربية التي اصبحت تحت سيطرتهم وفي قبضتهم… ولو لم يبدأ الحوثيون بإدارة الحوار الداخلي استنادا الى موازين القوة العسكرية، اي في ظل سيطرتهم وتحت ظلال سيوفهم.

بالمعنى السياسي حققت “عاصفة الحزم” الخطوة الاستراتيجية الأهم، اي استصدار قرار من مجلس الامن الدولي بناء على مشروع قرار تقدمت به دول مجلس التعاون الخليجي تقوم أسسه على المبادرة الخليجية للحل في اليمن. فهذا القرار ما كان ليصدر لولا “عاصفة الحزم” ورسم قرار مجلس الأمن الرقم 2216 اطاراً للحل، اهم بنوده هو انسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها وتسليم سلاحهم للشرعية، وبدء الحوار حول المشهد المستقبلي لليمن ومنع توريد السلاح لهم. حققت دول الخليج اقرارا دوليا بدورها المرجعي في الحلّ السياسي وبموافقة روسية. وما صدور اول اعلان عن اتفاق لوقف اطلاق النار من قبل مساعد وزير الخارجية الايراني قبل ساعات من الاعلان الرسمي عن وقف عاصفة الحزم الا اقرار ايراني بإعادة إنتاج المشهد السياسي اليميني على اساس قرار مجلس الأمن.

المبادرة الخليجية محورية بالنسبة الى اليمن بقرار دولي وغطاء عربي واسلامي، وهذا أنهى بشكل واضح مرحلة اعادة انتاج المشهد السياسي في اليمن بقواعد محور الممانعة. وأنهى مساراً كان قطع اشواطا، عبرت عنه سلوكيات ايران الايديولوجية، او بتعبير ادق الهوس الايديولوجي في بعض دوائر القرار الايراني، الذي تعامل مع اليمن على أنها ارض بلا شعب. أي أن إيران يمكنها تشكيل فصيل عسكري داخل اليمن ودعمه عسكريا وسياسيا وبعناوين مذهبية وايديولوجية من اجل السيطرة على السلطة والدولة. هذا المشروع سقط في اليمن، لكن لم ينتصر المشروع المقابل بعد، أي مشروع إعادة انتاج العملية السياسية التي لا تستبعد ايّ فصيل، اي المبادرة الخليجية.

“إعادة الأمل” هي المرحلة الثانية التي تلت عاصفة الحزم، وهي اختبار للتسوية السياسية. صحيح أن اطار الحل الذي رسمته المبادرة الخليجية، بإقرار مجلس الامن وضمن البند السابع، هو الذي يحدد الاسس الاستراتيجية لمسار الحلّ. لكن خارطة الطريق ليست واضحة بعد. روسيا التي دخلت الى الملف اليمني من بوابتها وليس من بوابة ايران دعا رئيسها الملك السعودي إلى زيارة روسيا، بعد تمريره قرار مجلس الامن بناء على مشروع القرار الخليجي. الحسابات الروسية في اليمن اقرب الى الخيار الخليجي وليس الايراني، وهي من قدم الضمانات الى السعودية. ضمانات أدت الى وقف عمليات عاصفة الحزم وإطلاق “إعادة الأمل”.

العمليات العسكرية والقرار الدولي أظهرا يوضوح ان الموقف السعودي كان موقفا محصّناً عسكريا واستراتيجيا، عشية اعلان وقف عاصفة الحزم. والمعطيات العسكرية أظهرت تفوقا للتحالف العشري. وإعلان وقف عاصفة الحزم في ظل هذا التفوق لم ولن يمنع استخدام القوة العسكرية التي تشكل عنصرا اساسيا في “اعادة الامل”. فالقرار السعودي اعطى فرصة للحل السياسي من دون ان يتخلى عن الخيار العسكري في حال لم تلتزم الاطراف بالتسوية السياسية المحددة قواعدها في قرار مجلس الامن.

وبحسب المعلومات فإن الضغوط الاميركية لعبت دوراً اساسيا في وقف عاصفة الحزم. إذ أن الرئيس الاميركي لا يزال مقتنعاً بأن ايران دولة يجب استيعابها وعدم اقصائها كشريك مستقبلي في توازنات المنطقة العربية. وهو موقف اميركي يحكم خلفيات الاتفاق بشأن ملفها النووي، اي استراتيجية الدخول الدولي في سياسة ايران من دون المسّ بأيديولوجية النظام. بما يشبه التجربة الصينية في المحافظة على النظام الشيوعي وانخراطه الايجابي في النظام العالمي. ولأن الرئيس الأميركي لا يريد للأزمة اليمنية أن تنعكس سلبا على جهوده في إخراج الاتفاق النووي مع ايران في حزيران المقبل، فقد لعبت السياسة الاميركية دورا في لجم عاصفة الحزم، مع تقليم أظفار ايران من اليمن عبر التأكيد على مرجعية دول مجلس التعاون الخليجي من دون استبعاد ايران بل تحجيم دورها.

الأزمة اليمنية لم تنته بعد لكن اليمن لم يعد في محور الممانعة وصنعاء خرجت من قبضة إيران رغم وجود الحوثيين فيها إلى اليوم. وهذه وقائع استراتيجية عبّر عنها قرار مجلس الأمن الذي سيحتاج تنفيذه إلى وقت مساره إعادة الجميع في اليمن كلٌ الى حجمه الطبيعي لا المصطنع.

السابق
لوريتا لينش اول سوداء تتولى وزارة العدل الاميركية
التالي
بري يُطفئ محرّكاته وتلويح بأزمة رواتب