لائحة اغتيالات يتصدّرها برّي والمشنوق وستريدا: هل نصَدّقها؟

نَظرياً، يَجمع أمرٌ واحد بين كلّ الأهداف الآنفة التي ينوي الإرهاب استهدافَها، وهو وجود سعي لتحَدّي «استقرار الحدّ الأدنى» القائم في لبنان بدعم دوليّ على ما يُقال، ولكنّ تفاصيل هذه المعلومات تقدّم ملاحظة أساسية أخرى، وهي أنّ الإرهاب لديه أجندات تخريب في لبنان، وليس أجندة واحدة.

وهذا ما يؤشّر إليه تنوّع أهدافها التي لا صِلة مشترَكة بينها. وغالب الظنّ أنّ كلّاً من هذه الأطراف تحدّد هدفَها في لبنان وفق أجندتِها ضمن حروبها البينية، وأيضاً ضمن أولوياتها المتباينة.

من ناحية أخرى، فإنّ النبعَ الدولي الذي يُغذّي لبنان بمعلومات عن نيّات الإرهابيين ضدّه، ليس واحداً أيضاً، بل هو منابع، وإنّه ذو أجندات وأولويات مختلفة بخصوص حربِها مع الإرهاب. فمَن يصدّق لبنان؟ وكيف «يغربل» التحذيرات الدولية له في شأن الاغتيالات والتفجيرات المُحتمَلة؟

الفكرة الأساس التي تطرَح نفسَها في هذا المجال انطلاقاً من تجارب سابقة، هي أنّ الدوليين يتعقّبون الإرهاب في لبنان، وفق منظور أنّ خلاياه النائمة موجودة فيه استعداداً للعودة إلى دوَلِهم بغية ضربِها. وهم يحاولون استباقَ ضرباتهم باستئصالهم في مخابئهم عندنا.

وهذا ما يفسّر ملاحظةَ لماذا الروس مثلاً يضخّون معلومات عن الخلايا الشيشانية ويَسألون عنها، فيما يرَكّز الأميركيون على «خراسان» بصفتِها الإرهاب المقبل، والأوروبّيون يتعقبون «القاعدة» و»داعش» وحتى «النصرة»، والمصريّون يبحثون عن «اجانيد بيت المقدس».

واقع وجود نوع من «الخصخصة» في تعَقّب الدوليين للارهابيين في لبنان، يُثير شكوكاً حيال أنّ كلّ دولة منهم تتقصّد لفتَ نظرِ المستويَين السياسي والأمني في لبنان إلى الجماعة الإرهابية التي تظنّها تُهدّد أمنَ بلدها؛ وهذا ما يلحَظه متابعون لنوعية الاتّصالات التي تُجريها كلّ دولة من هذه الدوَل حول الإرهاب مع الدولة اللبنانية.

مصدر مواكب لهذا الملف يقدّم لـ«الجمهورية» عَيّنات من المتابعات الدولية لخلايا الارهاب في لبنان، خصوصاً في مخيّم عين الحلوة الذي لا تزال توازناته الداخلية ووضعه الخارج عن السيطرة المباشرة للدولة، يقدّمه في نظر الدوليين ملجَأً لنشطاء إرهابيين خطِرين. واستدراكاً يوضِح هذا المصدر في المحصّلة أنّها متابعات لها أهدافُها ذات الصِلة بأمن دوَلهم بالدرجة الأولى، وطبعاً بأمن لبنان في إطار آخر.

وقائع المتابعات الدولية

«أبو محمد الشيشاني» إسمٌ يُثير هواجس لدى الاستخبارات الروسية. وفي الأساس هو مطلوب بالنسبة إليها لمجرّد أنّ اسمَه يشتمل على كنيةِ الشيشاني، نسبة الشيشان في جمهوريات الاتّحاد السوفياتي السابق، الذين اخترقَتهم «القاعدة».

أعداد كبيرة من التكفيريين الشيشان المنتمين الى تنظيم «الإمارة الاسلامية في القوقاز» هجرَت «القاعدة» أخيراً وبايَعَت «داعش». وخلال السنوات الثلاث الاخيرة هاجرَ نحو 300 عنصر منهم مِن مناطقِهم القوقازية، والتحقَ بعضُهم بـ«داعش» في سوريا، بعدما هجروا الظواهري وبايَعوا البغدادي، وبعضُهم التحقَ بتنظيم «أحرار الشام» الذي يضمّ وجوداً نوعيّاً لعناصر (القاعدة – الظواهري) كما ظهرَ في خلال معارك إدلب الأخيرة.

وبعضهم الثالث احتفظ باستقلالية شيشانية جهادية انتظاريّة في المهجر المشرقي، ريثما يعودون الى قتال الروس ضمن ظروف افضل. ويقال إنّ هؤلاء الأخيرين فضّلوا لبنان ملجأً لهم.

الاستخبارات الروسية تبحث عن تشَظّيات الجسد التكفيري الشيشاني الموجود في المشرق العربي، وذلك بأسلوب الباحث عن إبرة في كومة قشّ. أخيراً ظنَّت الاستخبارات الروسية أنّها عثرَت على رأس خيط موجود في لبنان اسمُه أبو محمّد الشيشاني.

وتمّت مفاتحة المعنيين اللبنانيين في شأنه، وتبيّنَ أنّه موجود فِعلاً في مخيّم عين الحلوة. ولكنّ البحث عنه، أظهرَ أنّ جنسيته فلسطينية وليست شيشانية، وأنّ لقبَ «الشيشاني»إلى اسمِه لأنّه قاتلَ منذ سنوات في الشيشان الى جانب «القاعدة».

وأكّدت المعلومات أنّ «ابو محمد الشيشاني» الموجود في مخيّم عين الحلوة، لا يشَكّل حالةً كبيرة، وأنّ مجموعته تتكوّن من عشرة عناصر فقط، وتحرّكاتُهم مضبوطة ضمن توازنات تفاهمات أطياف المخيّم السياسية مع الدولة اللبنانية لمنعِ تحَوّل المخيّم مأوى للإرهابيين الفارّين من أصقاع الارض.

ثَمَّة مجموعة أخرى تبحث عنها الولايات المتحدة الاميركية في لبنان، وهي مجموعة «خراسان» التي تصفُها المخابرات الأميركية بأنّها الأخطر من بين كلّ أذرُع «القاعدة» على الأمن القومي الاميركي. والسبب انّها تضمّ خبرات قادرة على اختراق الإجراءات الإلكترونية الجديدة المستخدمة في مطارات الدوَل الغربية لإحباط أيّ هجمات إرهابية محتملة.

هناك إصرار لدى أطراف «عين الحلوة» على أنّ مخيّمهم خالٍ من «خراسان». ولكن لا يمكن أخذ هذا التطمين على محمَل الثقة الكاملة، خصوصاً في ظلّ معلومات موثوقة أكّدَت لمرجَع لبناني كبير قبل أشهر أنّ «خراسان» تخَطّط لاغتياله بواسطة مجموعة منها موجودة غالب الظن داخل مخيم عين الحلوة.

هناك في الواقع فكرةٌ عن مواصفات «خراسان» لكن لا تقدير واضحاً عن أجندتها داخل «القاعدة» وعن خريطة انتشارها أو عديدها. ويبدو أنّ إبهامَها هو أكثر ما يُقلِق الأميركيين منها.

فقبل نحو شهر تقريباً زار لبنان نائب عراقيّ مِن كتلة اياد علاوي، وأفشى لمرجعٍ لبنانيّ معلومة نَقلها عن لسان مسؤول أمني اميركي كبير موجود في العراق تفيد أنّ «خراسان» هي وريث «داعش»، بمعنى أنّها تستعدّ لأن تصبح الجيلَ الثالث من «القاعدة» بعدما انهار تقريباً الجيل الأوّل المتمثل ببن لادن – الظواهري، وبعدما تعاظمَت الضربات لجيلِها الثاني الحالي المتمثل بالبغدادي.

قبل أيام كان ملفِتاً بالنسبة إلى الذين اطّلعوا على هذه المعلومة كلام منسوب للظواهري قال فيه إنّه في صدد حلّ تنظيم «القاعدة». وكان ملفِتاً أيضاً بَدء مسار العدّ العكسي لـ«داعش» في العراق بعد سقوط مواقعِها في صلاح الدين وتكريت، وكِلا هذين الحدثين يعطيان مادّة تؤشّر لإمكان وجود أصل للمعلومة التي نَقلها النائب العراقي عن المسؤول الاميركي.

«داعش» عائلية

في المرتبة الثالثة من الاهتمام الدولي بالبحث عن فلول إرهابية في لبنان، تأتي «داعش». ولكنّ سياق الجهد التعَقّبي أثبَتَ أنّ مخيّم عين الحلوة يحتوي مجرّد «عيّنة» منها، تتألف من أشخاص من آل مبارك يفيد تقرير أمني عنهم أنّ فعاليّاتهم عقائدية وليست أمنية، بمعنى أنّهم يمثلون داخلَ المخيّم تعبيراً عن مناخ «داعش» الفكري، وهو موجود على أساس عائلي، أكثر ممّا هم مجموعة أمنية تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية».

ثمّة وجهة نظر يَنقلها متابعون لهذا الملف عن مصادر الامن الاميركي، عن سُبل مواجهة الارهاب وحقيقة وجوده في دوَل المشرق ومنها لبنان، وهي تفيد بأنّ قتالَ الجماعات الإرهابية في دوَل المشرق يجب أن يتمّ بأسلوب لا يسمح لمجموعاتها بالهجرة من منطقة الى أخرى، لأنّ الإرهاب يَعيش ويطول عمره بالانسحابات التكتيكية والتجَمُّع في أرضٍ أخرى، ويموت إذا كانت المعركة ضدّه تلحَظ حصارَه ولو فوق بقعةٍ كبيرة، ولكن ليس فيها منافذ.

مشكلةُ لبنان مع الإرهاب اليوم في جزء مهِمّ منها، تكمُن في أنّه تحَوَّل ساحة انسحابات لنُشَطاء من «داعش» و»النصرة» و»خراسان» المبهَمة، حيث يقصدونها إثر كلّ هزيمة يتعرّضون لها في هذه المنطقة أو تلك من دوَل المشرق.

(الجمهورية)

السابق
أضعف الإيمان (إعلام «حزب الله» بين قطيش والذايدي)
التالي
الهرمنيوطيقا في الضاحية الجنوبية