السيّد الأمين: الإسلام لا يتعارض مع الـدولة الوطنية

"مقابل مشاريع التجزئة لا بدّ من الحفاظ على الأوطان" هذا ما يقوله سماحة السيّد محمد حسن الأمين مؤصلا لفكرة الوطن والمواطنة في هذا اللقاء.

تتعرّض الحركات الوطنية في العالم العربي لهجومات مركّزة من الحركات الاسلامية الأصولية التي تؤمن بمفهوم “الأمة” كمشروع وهدف لتحقيق الخلافة الإسلاميّة المنشودة، ومنها من يؤمن بمشاريع مذهبيّة عابرة للأوطان أو لبسط نفوذ وسيطرة تحت أي مسمى آخر يحقق تلك الهيمنة، فتوصف الأحزاب الحركات الوطنية في العالم العربي بأنها حركات علمانية محاربة للإسلام، فتشّوه سمعة رجالات الأحزاب الوطنيّة، ويكفر بعضهم ويغتال بعضهم الآخر كما حدث في سوريا وتونس والعراق، وكما حدث سابقا في لبنان منتصف الثمانينات من القرن الفائت.

لسماحة العلامة المفكر السيد محمد حسن الأمين رأي منحاز لفكرة المواطنة، فيقول أن “الإسلام دين شامل وهو موجه للبشرية كلها وليس لجنس دون آخر أو قومية دون أخرى. والإسلام يقرر وفق الآية القرآنية الكريمة: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. بما يعني أن الإسلام لايهدف إلى إزالة الفوارق الإثنية والقوميّة، وغيرها من الفوارق التي تتميز بها الشعوب الأخرى، ومن ذلك تعدّد اللغات بين الشعوب، الأمر الذي يعني أن كل أمة أو شعب أو مجموعة لها خصائصها المميِّز، ويمكنها أن تقيم لها وطناً وأن يكون لهذا الوطن استقلاله حتى لو كانت مجموعة الأمم هذه ذات دين واحد، كالمسلمين مثلاً، وبهذا المعنى فإن الوطنية هي جزء أساسي من هوية الكائن الإنساني، وكلّ محاولة لإلغاء هذه الخصوصيات بالقوة والإكراه تتنافى مع هذه الفروق الطبيعيّة التي أشار إليها القرآن في “الشعوب والقبائل”، وعليه فإننا نتوجّه لبعض التيارات الإسلامية الداعية إلى إلغاء الأوطن المتفرقة للمسلمين لكي يكونوا وطناً واحداً أي كياناً سياسياً واحداً، بأن هذا ليس من أهداف الإسلام، ولكنه إذا تحقق بسبب ظروف مؤاتية فإنه لا يتنافى مع غايات الإسلام العليا، أما إذا لم يمكن ذلك، فإن الإسلام يقرّ بصيغ الاستقلال السياسي للأوطان المتعددة، وعلى المسلمين أن يحترم بعضهم البعض الآخر وأن يحترموا استقلالهم ولا يرغبوهم على الاندماج سياسياً بواسطة القهر والغلبة”.
وعن ضرورة قيام الأوطان التي تتمتع بنظم حديثة يشرح السيّد الأمين: “الصّيغ السائدة، لدى الجماعات الإنسانية في عصرنا هي وجود أوطان متفرّقة تجمع بينها النظم الدولية والتحالفات والاحترام المتبادل للخصوصيات، والمسلمون هم جزء من هذه الجماعة البشرية، والتزامهم بهذه القوانين الدولية لا يمنع، اشتراكهم بالعقيدة الدينية الواحدة والثقافة المشتركة بين شعوبهم”.
ويؤكّد السيّد الأمين أن للأوطان حرمة مقدّسة فيقول:”نحن نرى حرمة الاعتداء على وحدة كل وطن من هذه الأوطان وإن كنّا نشجّع أن تسود فكرة الوحدة الإسلامية في ظروف يكون قد تطوّر الوعي الإسلامي السياسي للدرجة التي تصبح الوحدة الإسلامية فيه ضرورة حيويّة اقتصادياً واجتماعياً لهذه الدول المسلمة، ونحن هنا ندين كل أشكال الحروب التي تقع داخل هذه الأوطان، أو بينها وبين غيرها، ونقدّر أن أي حرب داخل إطار المسلمين لا يمكن أن تعبّر عن إرادة المسلمين يقدر ما هي سبب من أسباب تدخّل القوى الدولية والإقليمية دفاعاً عن مصالحها سيطرتها على الكثير من ثروات المسلمين ومواقعهم الاستراتيجية”.
وينهي السيد الأمين مبيّنا أن شعار”الـوحدة الإسلاميّة” كواجب ديني أمرنا الله به لا يعني الوحدة الإندماجية فيقول: أن “الوحدة الاندماجية غير مطلوبة دائماً، وأن ثمة أشكالاً من الوحدات الاقتصادية السياسية مع الاحتفاظ بخصوصيات الشعوب المتعددة وهذه هي الأقرب للتحقق من الوحدات الاندماجية. وهي فعلاً تحافظ على الهوية الوطنية، واستقلال هذه الهوية، وهذا ما نلاحظ أن ما سمّي بالنهضة القومية في منتصف القرن الماضي قد تجاوزته واتجهت نحو مشروع الوحدة الكاملة والتي فشل نموذجها المعروف بالوحدة بين مصر وسوريا في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، وفي كل حال من الأحوال فنحن العرب اليوم لسنا أمام تحدّيات الوحدة الشاملة ولا نطمح إليها إن كانت قومية أو إسلامية، لا لأننا لا نريدها، بل لأن الخطر الداهم الذي يجب أن نواجهه هو مشاريع التجزئة داخل دولنا الوطنية، حيث نرى هذه المخاطر جليّة في الحروب التي نشهدها في بعض الدول العربية في الوقت الراهن، للمحافظة على وحدة الوطن الإقليم، وهو التحدي المباشر الذي يجب أن نواجهه، والذي يدفعنا لإعادة النظر في أدبياتنا تجاه احترام استقلال دولنا ووحدتها، حتى لا تقع فريسة المزيد من التجزئة في داخل كل وطن”.

السابق
«تغريدة» تتحدى قرار منعها وتولد مجددا بمدونة مستقلة
التالي
واشنطن تعرب عن قلقها من الحكم بالسجن على الرئيس المصري السابق محمد مرسي