مأساة الرمادي: «داعش» يهجّر 90 ألفاً

نازحة وطفلها في ضواحي بغداد، أمس (أ ف ب)

مأساة انسانية جديدة من سلسلة المآسي التي أوقع تنظيم «داعش» العراق والعراقيين فيها، انفجرت على أبواب العاصمة بغداد، أمس، حيث أعاد هجومه المتواصل على الرمادي صور التشرد ومخيمات اللجوء إلى الواجهة، مهددا حياة نحو 100 ألف عراقي على أبواب موجات الحر وشهر رمضان.

وتسبب هجوم «داعش» على عاصمة محافظة الأنبار، التي وصلتها تعزيزات كبيرة من وحدات «الحشد الشعبي»، بأكبر موجة نزوح داخل العراق منذ حزيران الماضي، عندما هجّر التنظيم أبناء الموصل وسهل نينوى وديالى بعد فرض سيطرته على جزء كبير من هذه المناطق. لينضموا بذلك الى نحو 2.7 مليون عراقي اضطروا الى النزوح منذ كانون الثاني العام 2014، بحسب الأمم المتحدة.

وانفجرت مأساة الرمادي بعد يومين على توقع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارتن ديمبسي سقوط المدينة، مفاضلا بينها وبين مصفاة النفط في بيجي، معتبرا أن لها «أهمية استراتيجية أكبر من الأنبار»، بالنظر إلى البنية التحتية النفطية الحيوية الموجودة فيها، في ظل انتقادات عراقية لعدم تجاوب طائرات «التحالف الدولي» في معركة الأنبار، بينما أعلن «التحالف» أمس، في بيان عن «تحرير» مصفاة بيجي بالكامل.

وعلى الرغم من المخاوف الأمنية التي لاحقت النازحين حتى أبواب بغداد، وتخوف المسؤولين الأمنيين العراقيين من اندساس عناصر التنظيم بين جموعهم – ما أدى إلى فرض شرط وجود كفيل لكل عائلة تريد دخول المحافظة – إلا أن مجلس النواب العراقي أوصى برفع هذا الشرط حرصا على تخفيف أزمة الاكتظاظ والانتظار التي يعاني منها النازحون.
وأكد الناطق الرسمي باسم مجلس محافظة الانبار عيد عماش الكربولي، أمس، أن الحكومة العراقية رفعت نظام الكفالة، معلنا عن السماح بدخول جميع الأسر إلى محافظة بغداد دون حاجة لكفيل، حيث كان يحتم وجود ضامن من بين المقيمين في المحافظة التي تتوجه إليها العائلة النازحة مخافة التسبب لاحقا في أعمال تخل بالأمن.
وفي واحدة من أكبر موجات النزوح بالبلاد، اضطرت مئات العائلات إلى قطع عشرات الكيلومترات سيرا على الأقدام حاملين أمتعتهم، وتجمعت آلاف الأسر العالقة عند جسر البزيبز، وهو جسر عائم يربط محافظتي الأنبار وبغداد، حيث اكتظت الطريق المؤدية إلى العاصمة، التي عمل أبناؤها على توزيع المياه والطعام والأغطية على العائلات النازحة.
وتوجهت حافلات وشاحنات تابعة لمحافظة بغداد لنقل أعداد أكبر من الأسر، كما أوصى مجلس النواب الحكومة بتخصيص مبالغ مالية عاجلة، وتشكيل خلية أزمة لإغاثة النازحين.

وأشار الكربولي إلى أن محافظة بغداد أنشأت مخيما في حي الجامعة لإيواء عدد من الأسر النازحة، بينما أكدت الأمم المتحدة أن عدد النازحين من الأنبار بلغ 90 ألفا، وقال مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع لها إن المدنيين يفرون من مدينة الرمادي، ومناطق البوفراج والبوعيثة والبوذياب المحيطة بها، وينتقلون إلى الخالدية وعامرية الفلوجة وبغداد، وأن العديد منهم ينزحون «على الاقدام».

وبحسب بيان، صدر عن المنظمة الدولية فإن برنامج الاغذية العالمي وزع حصصا غذائية لنحو 41 ألف و500 شخص في الرمادي، وثمانية آلاف و750 شخصا نزحوا إلى بغداد، كما وزعت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مساعدات إغاثية لنحو ألف عائلة في عامرية الفلوجة.
وبلغت أعداد النازحين في العراق منذ كانون الثاني العام 2014، 2.7 مليون عراقي على الأقل، بينهم 400 ألف من الأنبار، بحسب الأمم المتحدة.

بدورها خصصت وزارة الهجرة العراقية ستة مخيمات طوارئ لإيواء النازحين، وقال بيان للوزارة إن المخيمات انشئت بالتعاون مع المنظمات الإنسانية في مناطق أبو غريب والرضوانية وحي الجامعة وصدر اليوسفية والدورة وعند جسر بزيبز، كما أعلن ديوان الوقف السني عن إغلاق عشرة مساجد كبرى وتمهيدها لاستقبال الأسر النازحة.
ميدانيا، ذكر مسؤولون عراقيون أن القوات العراقية تستعد لشن هجوم مضاد لوقف تقدم «داعش» على المشارف الشرقية للرمادي بعد إرسال تعزيزات عسكرية من بغداد، كما استعادت القوات العراقية السيطرة على كامل مصفاة بيجي النفطية بحسب ما ذكر بيان صدر عن «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن.

وقالت القيادة المشتركة للتحالف في بيان إن «قوات الامن العراقية … سيطرت بالكامل على مصفاة بيجي بعدما نجحت في تطهير المنشأة الضخمة ممن تبقى من مقاتلي داعش». وكانت المصفاة في السابق تنتج نحو 300 الف برميل من المشتقات النفطية يوميا، ما كان يلبي زهاء نصف حاجة البلاد.

في الأنبار، قال عضو مجلس المحافظة أركان خلف الطرموز إن القوات العراقية حققت تقدما في المواجهات مع عناصر تنظيم داعش في مناطق شرق مدينة الرمادي، كما ذكر مصدر أمني أنه تم استعادة منطقة البوفراج من التنظيم.
وذكر مصدر أمني في المحافظة أن 14 فوجا من قوات «الحشد الشعبي» وصل إلى قاعدة الحبانية لتحرير الرمادي، مؤكداً أن «تحريك قوات الحشد الشعبي إلى الانبار جاء بأمر من القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي بعد عقد اجتماع عاجل مع العمليات المشتركة»، لافتا إلى أن «مسلحي العشائر رحبوا بهذه القوى وتجري حاليا عملية تنسيق المواقف من أجل بدء العملية العسكرية».

وكان زعيم منظمة «بدر» هادي العامري قد أكد، أمس الأول، أن قوات «الحشد الشعبي» وصلت إلى المحافظة، وهي تستعد للمشاركة في المعارك بانتظار قرار رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي يعد القائد العام للقوات المسلحة.
وقال الطرموز إن قوات مشتركة من الجيش والشرطة المحلية والاتحادية ومن الفرقة الذهبية (تتبع وزارة الداخلية) وبمساندة مقاتلي العشائر شنت هجوما على مواقع التنظيم في منطقة الصوفية وحصيبة الشرقية.
ولفت الطرموز إلى أن «التعزيزات الكبيرة التي وصلت الى الرمادي قادمة من بغداد كانت فعالة جدا وأعطت دافعا معنويا لجميع القطعات العسكرية ان تجابه تنظيم داعش وتمنع تقدمه باتجاه مركز الرمادي»، مطالبا «بإشراك جميع الفصائل المسلحة للقتال في الرمادي لتحريرها من تنظيم داعش»، مشددا على «إشراك مقاتلي الحشد الشعبي المتواجدين في قاعدة الحبانية الجوية».

إلى ذلك أعلن نقيب من قيادة الفرقة الأولى التابعة للجيش أن «قوات الجيش يساندها قوة من الحشد الشعبي شنوا هجوما على قضاء الكرمة» في الأنبار، مؤكداً أنها حققت تقدما ولكن بشكل بطيء بسبب «كثافة العبوات الناسفة في الطرق والمنازل، بالإضافة إلى نشر القناصين على الأماكن المرتفعة».

(أ ف ب، رويترز، « بي بي سي»، «الأناضول»)

السابق
السيد نصرالله يفقد حجّته
التالي
هذه هي خلفيات تصعيد «حزب الله» ضد السعودية