حرب الغنائم.. وعود ووعود

حتى في نهاية هذا الأسبوع لم ينم سياسيونا بهدوء. ليس جراء نقل الصواريخ من روسيا لإيران، ولا بسبب الخطر الذي يمثله حزب الله. ولا حتى بسبب أن هذه الدولة تدار بشكل فضائحي منذ شهور طويلة ـ من دون حكومة، ولا ميزانية ولا كنيست. فهناك ما هو أكثر جدية يقلق سياسيينا حاليا، وهو مكانتهم في حكومة نتنياهو المقبلة. والوقت يمر، ولا شيء يحدث والضائقة كــــبيرة. فأي حقائب سيــــنالون، وأي لجان سيشعلون، وما هي مهامهم. وحتى نهاية هذا الأسـبوع، لا أحد يضمن أن ما قيل له، ولا حتى ما وعد به، هو ما سيتحقق.
خذوا مثلا، نفتالي بينت، الرجل والوعد. وحسب ما رواه بنفسه، فإنه أثناء الحملة الانتخابية وعده نتنياهو بوزارة الدفاع. وقيل أنه إذا لم يتحقق ذلك فسينال وزارة الخارجية. ولكن هذا كان قبل أن ينام بينت على الجدار لتمكين نتنياهو من أن يسحب منه مقاعده. وهاكم بقي لبينت ثماني مقاعد فقط والآن يرفض رئيس الحكومة تنفيذ وعده، وبحق: وزارة الدفاع لهذا الحزب الضعيف؟ أين يحدث هذا. قال نتنياهو لبينت: أين أنت من هذا المنصب. هذا منصب يستحق 15 مقعدا، وبالتأكيد ليس في وضع يملك فيه 30 مقعدا وأنت تملك ثمانية فقط. ويرد بينت: حسنا، وماذا مع ليبرمان، لماذا ينال وزارة الخارجية مع عدد مقاعد أقل مني؟
والغريب أن بينت متفاجئ. أولا، كان عليه أن يقر بالدونية التي يوجد فيها أصلا. فقد سبق أن شهد بنفسه أنه اجتاز دورة إرهاب عند سارة نتنياهو. والوضع على هذا القاطع لم يتغير كما يبدو: رجال الليكود الذين حضروا الحفل في بيت رئيس الحكومة بعد الانتخابات رووا أن السيدة نتنياهو في كلامها مع ضيوفها لم تدخر في انتقاداتها (البعض استخدم تعبير «تحقيرها») لزعيم البيت اليهودي. وعموما، من أكثر من بينت يفترض أن يعرف تعامل نتنياهو مع وعوده، وخصوصا، مدى احتقاره للضعفاء.
وبينت حاليا ضعيف. وهو ضعيف لدرجة تركه كي ينضج. وحتى إذا دخل الحكومة قريبا، فذلك لن يتم كما يبدو بالشروط التي حلم بها. وهذا ما يعيشه بينت منذ ثلاثة أسابيع. ينتظر. وإذا كانت لنتنياهو خبرة في شيء فهو الانتظار وترك الآخرين ينتظرون. وهناك كثير من الناس ينتظرون حاليا ـ درعي ينتظر، ليبرمان ينتظر، بينت ينتظر، وزراء الليكود ينتظرون، هرتسوغ ينتظر، والرئيس ينتظر بل أن الجمهور الإسرائيلي ينتظر.
والتعبير الذي يحب نتنياهو استخدامه حينما يريد أن يبعد شيئا عن كاهله هو «فورس ماجور». إنها القوة العليا التي تلزمه بإبقاء حقيبة الدفاع في الليكود، وهي القوة العليا التي تضطره لنقل دائرة التخطيط من درعي إلى كحلون، وهي «فورس ماجور» لأخذ حقيبة المواصلات من إسرائيل كاتس واعطائها لدرعي.
فليس بينت وحده تلقى وعودا. فإسرائيل كاتس أيضا لديه وعدمن نتنياهو قبل الانتخابات بنيل واحد من المناصب الثلاثة الأرفع. وإذا صح ذلك، فإن الأمر الوحيد الذي يمكن لكاتس أن يفعله هو تبادل الوعد مع بينت. وإذا بحثوا عن أعضاء جدد في اللعبة، يمكنهم أخذ كحلون. فهو لا يزال يحتفظ بوعد من قبل عامين بأن ينال إدارة أراضي إسرائيل.

الثمن فقط
والإشاعات التي تصل من محيط رئيس الحكومة تقول إن نتنياهو يريد إنهاء تشكيل الائتلاف حتى نهاية الموعد الأول من دون أن يطلب تمديد 14 يوما الذي يمنحه القانون. هذا على ما يبدو لن يتم. وفرصة حل كل المشكلات، بما فيها توزيع الحقائب لليكود، حتى يوم الثلاثاء، عشية يوم الذكرى، هي صفر. والغاية الأكثر واقعية هي التوصل حتى يوم الأربعاء المقبل مع حكومة 53 مقعدا كاملا، من دون بينت وليبرمان كخيار وحيد.
وأيضا ليس مؤكدا أن نتنياهو يرغب في إنهاء تشكيل ائتلافه في الأسبوع المقبل. لا أحد يعرف، ربما أن الوقت يعمل لمصلحته. وأن أمورا ستنضج، وسينزل رجال عن أشجار تسلقوها، وحينها، كما كان يقول رئيس حكومة آخر يحب تأجيل الأمور إلى اللحظة الأخيرة- في لحظة واحدة تزهر شجرة الكرز. فأمام نتنياهو ثلاث حكومات محتملة: حكومة ضيقة من 61 مقعدا من دون ليبرمان، حكومة 67 مقعدا وحكومة وحدة. وليبرمان ليس مشكلة بسيطة. ونتنياهو يريده في الحكومة لكن من دون وزارة الخارجية. فهذه الوزارة تسبب له صداعا غير قليل: بينت يتذمر ـ لماذا ليبرمان نعم وهو لا، في الليكود على الأقل أربعة يؤمنون أن هذه الحقيبة من حقهم.
وإذا نضج خيار الوحدة، فإن هذه الحقيبة محفوظة لهرتسوغ وانظر من يستطيع سحبها من أيادي ليبرمان. عموما، ليس مؤكدا أن نتنياهو يريد أن تكون وزارة الخارجية في حكومة يمين ـ حريديم بيد من لم يزر طوال سنوات توليه المنصب لا مصر ولا الأردن، وهو شخصية غير مرحب بها في أوروبا.
ويتذمرون في الليكود من مطلب ليبرمان، فهو ليس أول وزير ينزل عن رفعته. هكذا في السياسة. عيزر وايزمان اضطر للاكتفاء بحقيبة دولة بعدما كان وزيرا للدفاع، شاؤول موفاز واسحق مردخاي نالا كل منهما وزارة المواصلات بعد أن كانا وزيرين للدفاع، بل أن نتنياهو صار وزيرا للمالية بعدما كان رئيسا للحكومة. ووزارة الخارجية ليست مسجلة على اسم ليبرمان في الطابو. فزت بستة مقاعد، تعود عليها. وهم يقولون أنه ليست أمام ليبرمان أيضا خيارات كثيرة. هو لن يصمد في المعارضة. إذن قد يقرر اعتزال السياسة. وإن لم يفعل ذلك سيقبل ما يعرض عليه.
الوحيد المحافظ على مزاج جيد هو كحلون. وقد جلس هذا الأسبوع على انفراد أربع ساعات مع رئيس الحكومة. أين يحدث ذلك. حتى سارة لا تنال هكذا وقت نوعي. المواضيع على طاولة النقاش كثيرة، والأجواء ممتازة. ولم لا؟ فهذه هي الجبهة التي ينبغي على نتنياهو الحفاظ عليها راضية، وعندما يريد شيئا فإنه يعرف بالضبط كيف يكون سخيا مثلما يعرف في حالات أخرى كيف يكون متوحشا. وكما يبدو سينال كحلون وزارة المالية، ووزارة السكان، وحماية البيئة وأراضي إسرائيل والمجلس الوزاري للإسكان ودرة التاج، إدارة التخطيط في وزارة الداخلية.
ويقرون في شاس أن درعي تلقى رسالة منديوان رئيس الحكومة، فحواها تقريبا هكذا: صحيح أننا تعهدنا بوزارة داخلية كاملة، ولا ننكر وعدنا، ولكن هذا يخلق تعقيدات ليست بسيطة، ولذلك نقترح عليك اختيار أي حقيبة أخرى ترغب بها: الاقتصاد، المواصلات، وأي شيء. وبكلمات أخرى: قل لنا كم يكلفنا ذلك.

ويمكن الافتراض أنه قيل بين هذا الكلام تعبير «فورس ماجور». ولكن درعي رد بشكل غريزي ورفض. بعد ذلك، ربما بسبب «فورس ماجور»، قال: دعونا أولا ننهي باقي الأمور وبعد ذلك نرى. في ديوان رئاسة الحكومة استنتجوا أن درعي تنازل وسارعوا لنشر ذلك كأمر واقع، أو كما يسمى: اتفاق على المبدأ، ولم يبق سوى الثمن. درعي فهم خطأه وأرسل من يقول أنه لم يتنازل، والآن تبدأ القصة من جديد.
ولكن مصدرا سياسيا رفيع المستوى روى هذا الأسبوع أن درعي شرع بالاتصال بعدد من رؤساء السلطات المحلية يستشيرهم بشأن حقيبة المواصلات. وهذا يشير إلى أن الأهمية التي يوليها درعي للحقيبة التي سيتولاها تكمن في القوة السياسية التي تمنحها له. وبوسع وزير المواصلات استثمار ملايين كثيرة في مدينة يريد خدمتها، بما في ذلك علاوات جذابة. يمكن القول أن بوسع وزير المواصلات أن يحسم ما إذا كان رئيس بلدية سيفوز مرة أخرى أم لا بفضل الامتيازات التي يمنحها لرئيس البلدية وسكانها. وثمن كل هذا سيناله الوزير في الانتخابات التمهيدية. وكاتس نموذج جيد لذلك: فوضعه كوزير مواصلات وقوة رؤساء البلديات كان لها تأثير حاسم على مكانه العالي في الانتخابات التمهيدية.
في الليكود كان من قال هذا الأسبوع أن نتنياهو بتسليمه وزارة المواصلات لدرعي يصطاد عصفورين بحجر واحد: يستجيب لطلب كحلون، ويصادر قوة كاتس. وقالوا أن كاتس راكم قوة أكثر من اللازم. بعد كحلون وساعر حان دوره.
ورغم الاستيضاحات الهاتفية، يميل درعي لرفض وزارة المواصلات. يمكن أن حاخامات أوضحوا له المعضلات التي سيواجهها حينما يصل للموضوع المتفجر حول المواصلات العامة يوم السبت.
ورقة التين
الصمت كبير في الليكود لدرجة أنه يصم الآذان. ولا أحد فعلا ينوي إصدار أصوات مرارة فيما يبني نتنياهو حكومته. المرة الأخيرة التي تحدث فيها نتنياهو مع وزرائه كانت في بداية المفاوضات الائتلافية، لسماع رأيهم في الحقائب التي يريدونها وفي الأساس لإبقائهم على نار هادئة. وسيكون لليكود 8-12 وزيرا، حسب تشكيلة الحكومة وعدد وزرائها. والحقائب التي تبدو شاغرة هي العدل، الداخلية (إذا قبل درعي بالمواصلات)، الأمن الداخلي، التعليم والاقتصاد. وهذه الحقائب سيضطر نتنياهو لتقسيمها بين الليكود والبيت اليهودي.
في الليكود قالوا هذا الاسبوع أن نتنياهو ربما سيمنح كاتس الوزارة الاقتصادية الموسعة، وسيرسل جلعاد أردان، الراغب في الانضمام للمجلس الوزاري الأمني المصغر، إلى وزارة الأمن الداخلي مع التوسيعات المطلوبة جراء مكانه العالي في قائمة الليكود.
وقد سألت: ماذا عن أييلت شاكيد، هل ينوي نتنياهو منع توزيرها؟
ضحك محادثي. وقال: يوم أن تنال أييلت شاكيد وزارة الأمن الداخلي، ستكون بانتظار نتنياهو حقائبه أمام بيت رئيس الحكومة. وهذا أيضا «فورس ماجور» آخر: فنتنياهو سوف يكون ملزما بمنح وزارة الأمن الداخلي لأحد وزراء الليكود الكبار.
ورغم ذلــــك، لم يكفوا في الليكود عن تخــــيل بقاء وزارة الخارجية بأيديهم. ويؤمنون هـــناك أن المشكلة ستحـــل، إذا لم يخضع نتنــــياهو لليبرمان. حينــــها أيضا يتنازل بينـــت عن وزارة الخارجية، ويتولاها أحــد كبار قادة الليكود.
ومع ذلك ليست مستبعدة حكومة الوحدة. في حزب العمل، ربما عدا إيتان كابل، لم ينهض أي مسؤول ليقول: هذا لن يحدث أبدا. هرتسوغ صامت. يمكن تفهم وضعه: هو يعرف أن الإطاحة به عن رئاسة الحزب وهو خارج الحكومة مسألة وقت فقط. ثمانية شهور أو سنة. شيلي يحيموفيتش وعمير بيرتس لا ينويان النوم أثناء الحراسة. الأمر الوحيد القادر على إنقاذه من المقصلة التي تنتظر كل زعيم لحزب يخسر في الانتخابات، هو دخول الحكومة.
وهذا الاسبوع نشرت أنباء عن لقاء سري قيل أنه عقد بين نتنياهو وهرتسوغ، وتم إنكاره بكلمات قاطعة: لم يحدث أبدا. خلف الكواليس يتحدثون عن اتصالات بين وسطاء وكلوا أنفسهم عن نتنياهو مع من وكلوا أنفسهم عن هرتسوغ. وقال هرتسوغ هذا الأسبوع أن هذا كلام فارغ، ولا أحد في حزب العمل ينتظر رنين الهاتف. الاتصال الوحيد له مع نتنياهو كان في مراسم «لكل رجل اسم» في الكنيست يوم الخميس حينما تصافحا.
وأنا لا أوصي بالانفعال لا مما ينشر ولا من الاشاعات. فالحلبة مليئة بالألاعيب والمعلومات المضللة المعدة لإرباك كل المفاوضين. من جهة أخرى، لا أحد يمكنه الالتزام بأن لا ننهض ذات صباح على حكومة وحدة. صحيح أنه ليس من طبيعة هرتسوغ فرض وقائع على الأرض. وهو بالتأكيد يرغب أولا بالتشاور والتعاون والنوم على الموضوع، الأمر الذي يمكن أن يميت القصة قبل أن ترى النور، ومع ذلك فإن الفصل الأخير في هذه الملحمة لم يكتب بعد. وينبغي أن نقول أنه بعد معركة انتخابية كالتي وقعت، مع وعود وأيمان وتصريحات بأن لا تقوم حكومة وحدة، من دون الحديث عن التشويهات والاتهامات القاسية بين المعسكرات، فإن مجرد وجود احتمال الوحدة على جدول الأعمال، أمر يثير الأفكار. إن قيام حكومة يقيم فيها نتنياهو وهرتسوغ، أرييه وشيلي، ليست أقل عجبا. كما قد لن يخطر بالبال أن معسكر الوسط-يسار سيسمح مرة أخرى لحكومة ليكود-يمين-حريديم من دون أن يشكل ورقة التين لها.
ربما على حق من يقولون أن الشعب قال كلمته. الآن حان الوقت لحكومة كهذه أن تظهر ما تعرف فعله.

سيما كدمون
«يديعوت» 17ـ 4 ـ 2015

السابق
شاكر برجاوي المطلوب للقضاء في الصفوف الأمامية لخطاب نصرالله
التالي
جورج الراسي يرد على كل الاتهامات: تزوّجت سابقاً ولم أخطف إبني