يوميات معتقل 14: إلى اليوم ألبس الثياب على طريقة السجن

اعتقال
بعد عام كامل وأكثر من قضائي الأيام مرتدياً بنطالا ضيقا بسحاب مفتوح، وبفردة حذاء واحدة داخل المعتقل، جاء الصليب الأحمر الدولي ووزع علينا ملابس رياضية وحذاء، إلاّ أنّها كانت ضيقة أيضاً، لذلك ما زلت حتى اليوم أفضل الألبسة «نمرة زيادة

لعام كامل أو أكثر بقي زرّ بنطالي بعيداً عن عروته بحوالي 10سنتيمترات. ربما كان ذلك البنطال الكاكي الذي حصلت عليه قد إستعملته مجنّدة نحيفة في الجيش الإسرائيلي، وهكذا أمضيت كلّ هذه الفترة بسحّاب مفتوح لا أستطيع اغلاق ولو الجزء السفلي منه!

أصبحت شعيرات جزئي الأسفل بارزة بشكل واضح، بعد أن إرتخى مغيّط لباسي الداخلي الوحيد، إذ كان طول ذلك البنطال يتجاوز الركبتين بقليل. فردة الحذاء الوحيدة العتيقة كانت القطعة الأهمّ، حيث أنّها تحمي رأسي من الحجارة المسننة في أرض الخيمة أثناء النوم.

عندما أحرقوا ثيابنا وأحذيتنا عند وصولنا الى الجورة في العفولة وبعد عملية الرش بالمبيدات الحشرية، كان على كلّ واحد منّا أن يركض وبسرعة إلى أكوام من الألبسة المرمية في إحدى الزوايا لـ”يخطف” من كل كوم قطعة، ومن ثم يركض عارياً إلى مكانه ليرتديها. لا مكان للإحتجاج أو الإعتراض على قياس قطعة ثياب أو حذاء!

في الأيّام الأولى كنت أحرص على تغطية ذلك الجزء من جسدي بيسراي إلى أن تعودت على ذلك العري وأصبحت لا أبالي.

في أحد المواقع العسكرية عام 1981 أنّبني قائدي بسبب عدم خلع بنطلوني العسكري لغسله، قال لي حينها: ” لو قمت بعصره في فم حيّة سامة لماتت”… أجزم بأن ما احتوت ثياب المعتقل تلك كانت لتقتل تمساحاًهائلاً.

كانت قيادة المعسكر تفرج أسبوعياً عن بعض الأسرى. هدف الإفراج كان، على ما أعتقد، نوعاً من تنفيس الإحتقان وللحفاظ على أكبر قدر من الهدوء داخل المعتقل. كان المعتقلون المفرج عنهم يتركون أحذيتهم وقمصانهم لأصدقائهم الذين سرعان ما يحوّلون تلك الأشياء إلى سلعة للبيع، بالعملة الوحيدة المتوفرة: سجائر من ماركة (سيلون) الرديئة.

بعد تلك المدّة الطويلة التي أمضيتها (نصف عاري) وجدت بنطلوناً مناسباً عند أحد أقربائي المقيم في معسكر رقم 8، تركه له أحد الأسرى المفرج عنهم خلال إحدى عمليات الافراج الأسبوعية.

كان ذلك البنطلون فضفاضاً، فلجأت إلى خيط متين ليقوم مقام الحزام، لعدة شهور رافقني ذلك البنطلون مع فردة حذاء أخرى وجدتها عند نسيبي ذاته.

عندما تأكّد حصول عملية التبادل الشهيرة في 24/ 11/ 1983 أعطى الصليب الأحمر الدولي لكل أسير حذاءً ولباساً رياضياً، للمصادفة أيضاً كان اللباس الرياضي الذي استلمته صغير وضيّق، قمت بتبديله مع صديق المعتقل (رامح رمضان) المعروف بقصر قامته، رامح استضافني في منزله في برجا خلال حرب تمّوز 2006.

ما زلت إلى اليوم أفضل الألبسة «نمرة زيادة»

السابق
الأسد: السعودیة ستدمر نفسها باستخدام الخطاب التقسیمي
التالي
تعميم داخلي لحزب الله: قاطعوا العمرة والحج بالسعودية؟