شهادة فليحان الشاهدة على فجر العدالة

8 يوما، ظل الشهيد باسل فليحان معلقا بين الحياة والموت. نيران حقد 14 شباط طال 65% من جسده. مكث في أكثر مستشفيات باريس شهرة لمعالجة الحروق، من دون أن يكون هناك أمل في الشفاء. على الرغم من علمه والرئيس الشهيد رفيق الحريري باحتمال وقوع عملية اغتيال تستهدف الرئيس الحريري، إلا أن باسل أصرّ على أن يكون الى جانبه، ولم يأخذا المعلومات التي تحذر من الاغتيال على محمل الجدّ.

عشر سنوات مرّت على استشهاده. رينا وريان كبرا والزوجة يسمى دورها يتعاظم، فالحاجة الى الوالد تزداد يوما بعد يوم، وكذلك الحاجة الى باسل فليحان الوزير، فالنمو الإقتصادي يكاد يصبح معدوما والأوضاع المعيشية ترخي بثقلها على اللبنانيين. لكن، وعلى الجانب الآخر، تتابع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أعمالها، وكلما تقدّمت التحقيقات والإستجوابات يزداد الأمل بانبلاج فجر الحقيقة.

رغم سنّه اليافعة، كان باسل فليحان نموذجاً فريدا لتعزيز قدرات وزارة الإقتصاد. وكان فائق الذكاء، متفانياً في عمله وركز على زيادة مدخول الدولة عبر تعزيز نظام الجباية والضرائب العادلة، فقد نال بذلك ثقة الرئيس رفيق الحريري.

كان باسل عميد الإصلاحات في وزارة المال في عهد الرئيس فؤاد السنيورة، فقد شارك الرئيس الحريري في إيجاد الحلول الإقتصادية وأدت به رؤيته العميقة الى إدخال وزارة المال مرحلة إصلاحية تغييرية، حتى أصبحت الوزارة فعالة في تحصيل الإيرادات ودراسة النفقات. وبعد تسلّمه وزارة الإقتصاد قام بتحضير مشروع قانون سلامة الغذاء، والجميع يعرفه حتى اليوم بإسم «مشروع باسل فليحان».

نصح باسل جميع أصدقائه السياسيين بتغيير سياراتهم حرصاً على سلامتهم، وكان يعتقد أن وجوده في موكب الرئيس الحريري سيكون أكثر أمناً. لم يكن باسل يحب الظهور بل كان يعمل بصمت، وكان الرئيس الحريري كلَّفه البحث مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في الأمور المالية والإقتصادية واستطاع أن يقدم خطته التي فاقت في واقعها وعمقها الدراسات التي قام بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي معا، فأعادا النظر بخطتهما تبعاً لتوصياته.

خوفا على عائلته الصغيرة، طلب باسل من زوجته البقاء بعيداً عن لبنان لأسباب أمنية، فمحاولة إغتيال الوزير السابق مروان حمادة كانت بمثابة رسالة للرئيس رفيق الحريري.

وقبل دخوله قاعة مجلس النواب في 14 شباط 2005، إتصل باسل بزوجته وعايدها بعيد الحب.. لما سمعت بخبر الإغتيال، توقعت أن يتصل بها بنفسه ليبلغها بما حصل. يسمى لا تذكر تفاصيل ذلك اليوم.. كأنها فقدت وعيها فراحت تسأل نفسها «باسل وين؟».

عن هذه اللحظات تحكي الزوجة.. «كنت أتسوق حينما اتصلت بي صديقتي، وكان باسل مضطرا لأن يحضر الجلسة، ثم اتصلت بي والدتي لتخبرني بأن الجميع يتحدث عن تفجير مقرّب من الرئيس الحريري، وكنت متأكدة أنه سيتصل بي، كما يفعل عادة، ففي داخلي كنت مقتنعة بأنه سيتصل.. اتصلت.. فكان الخط خارج الخدمة، فقدت قدرتي على التحكم بنفسي.. لا أريد أن أعود الى البيت، في الوقت عينه ولداي في المدرسة..«.

لا تذكر يسمى كيف قادت سيارتها، فالمشاهد غير واضحة في ذاكرتها. راحت تسأل نفسها «أين هو باسل؟ أين سأجده؟ كيف هي حاله؟ وكنتُ لم أره منذ الأحد صباحا وكنا على اتفاق بأنه سيعود بعد اسبوعين أو ثلاثة للإحتفال بعيد ميلادي.» وتابعت «قالوا لي هو بخير في المستشفى..

كنت أشعر بأنه لو كان بخير لكان اتصل بي.. كل همّي أين سأجده.. قرروا إرساله الى باريس. حينما لاقيته هناك، لم أبكِ وقررتُ أن أرفع معنوياته، فرأيته يهز قدمه وكنت أكيدة بأنه يسمعني».

تعيش يسمى دور الوالدة والوالد معا، خصوصا في القرارات وتقول «المهم اختيار الظرف المناسب لاتخاذ القرار المعين، وقد اعتادوا على الحوار والمشاركة، فنحن نجتمع على طاولة العشاء يوميا ونتخذ القرارات معا».

ذكريات عديدة عالقة في ذهن يسمى لكن باسل «من الألف الى الياء يلازم ذهني، فنحن نتكامل وهذا نادر في هذه الأيام، أحدنا يكمل الآخر، وقد أمضيتُ معه أجمل 13 سنة في حياتي، كان والدا عظيما، وقد قررت أن أنقل الى رينا وريان حسّ الفكاهة الذي كان يتمتع به باسل وهما يعترفان بأنهما ورثا حسّ الفكاهة مني ومن باسل، واليوم أنا أعيش حياة التكامل تلك مع رينا وريان، لكن حضور الوالد طبعا لا يمكن تعويضه».

وعن المحكمة الدولية، تعترف يسمى بأن «أحدا لا يعرف ماذا سيجري، لكن المحكمة تقوم بدورها، وعملها موضوعي ويحمل على الثقة، والاستماع الى الشهادات هو أكثر ما لفتني، خصوصا بعد المراحل التقنية التي تم عرضها بتفاصيلها». وتتمنى يسمى أن «تسنح الظروف قريبا لترك جنيف والعودة الى لبنان».

(المستقبل)

 

السابق
الأزمة الانسانية تتفاقم في اليمن .. و 100 غارة على مواقع الانقلابيين الحوثيين
التالي
هل سيودع العالم لعبة «باربي»قريباً؟