الغرب أنهى تقسيمه الجديد للمنطقة

ايران والعرب
لقد إستطاع الغرب الأمريكي أن يحكم سيطرته على ما تبقى من الأقليات في الشرق ويبدو أنّه قد وضع خارطته للتقسيم الجديد..

يبدو أن الغرب الأمريكي إقترب من إتمام صورة الشرق الأوسط الجديد الذي يتناسب ومصالحه وعلى ما يبدو شارف على الإنتهاء من وضع خارطته ورسم حدود دوله وحدد ماهية حكوماتها وطبيعة البيئة التي ستحيا بها شعوبها في جغرافيا تعرف قديماً وحديثاً وتصنف على أنها شرق الأقليات العتيد.

شرق الأقليات أبدي وقد يكون أزليا إذ لا أذكر أن نشأت وإستمرت لزمن طويل فيه أكثرية إطلاقاً، ولا هي إستطاعت تذويب أو محو أقلية فيها من الوجود، فهذا الأوسط يتوسط العالم وفيه من كل الأجناس والألسن والعقائد والأمم وكلها تفيض عليه بأشكالها المنوعة المتعددة من شمال الكرة الأرضية وجنوبها ومن شرقها إلى غربها والسبب مركزيته العالمية التي لا وجود لها في بلدان الغرب الأوروبية والأمريكية ولا في القارة الإفريقية وشبه القارة الأسترالية ولا حتى في الدول الشرق الأقصى.

هذه المركزية تلغي الخصوصية وتجعل الكل يسأمها حد الثورة عليها والتحرر منها، فكانت سهلة على عقولهم فكرة الحرب على بعضهم، لقد أمسى الغباء يتلخص في التمذهب خلف أصل النوع وضرورة تطبيقه طبيعياً فالبقاء لمن هم أرقى وأشرف وأطهر وهم فيض. فهذا يدعي المجد للبيزطينيين ملائكة الشرق وذاك يرى الحضارة في الروم القادمين مع الحملات الدينية من الغرب وتلك الملة تدعي العزة للعرب والكرد لهم جدهم صلاح الدين والأتراك ورثة العثمانيين واليهود من قبلهم لهم ميعادهم ولهم الحق بالعبور والشرق أرضهم.

ستة آلاف سنة كانت كفيلة بإثبات بطلان تجربة كل محاولات التقوقع في التعددية الحلولية ومنها القومية التي حاولت أن تصهر التعددية التي أمرها إلى الله ففشلت، والعلمانية مستحيل تطبيقها في بيئة العام فيها يطغى على الخاص ويُفرض عليه والأمر ينسحب على الماركسية والشيوعية والإشتراكية فالرد سيأتي سريعاً على أن نهايتها كما الإتحاد السوفياتي، تبقى أن حركة الإكتساح الدينية والتي يسعى فيها كل مذهب إلى سحق المذاهب الأخرى بالإكراه والإكراه بطبيعة الحال لا يصمد أمام سر الحياة لديها.

لقد إستطاع الغرب الأمريكي أن يحكم سيطرته على ما تبقى من الأقليات في الشرق تماماً كما فعل في السابق أي بالضد، هو إستبد بالحرية وتسلط بالديمقراطية وعادى بالتحالف وباعد بالتقرب وهشم باللمس فكان أن جعل من إيران قوة إقليمية وسهل قيامتها تماماً كما فعل في يوم مع غريمتها وبدلاً من سعيها لتحقيق مصالحها زادها منها حتى فاقت توقعاتها وبدلاً من الإكتفاء برفع الحظر عنها فاضت أسواقها وشرع الإستيراد من إنتاجها ومن إنتاج ما تأمن لها من سطوتها وإحتلالاتها.

لقد وقعت إيران في زيف نجاحاتها وغرتها زوراً مفاتن قوتها لقد غاب عنها أنها كلها مصطنعة الغاية منها الإضرار بمصالحها والإكثار من أعدائها فتجذبت وجنحت صوب ديكتاتورية مؤقتة، أما هامش نجاتها فمناط بوعي قادتها وقدرتها على التخفيف من مكر محركها ومر أفعالها.

الغرب لم يتغير والشرق التعددي لن يتغير ولعنته أن كل أمة فيه ما فتأت تلعن أختها وتحاول إكتساحها وإظهارها على أنها باطل وأنها الحق وأنها الباقية إلى ما شاء الله، وهي لذلك ما برحت تجهد بوضعها في منزلة ثانوية وما انفكت تمثلها في ذاتها بالإقناع وإذا فشل الإقناع فبالإكراه. والإكراه لا يدوم، لأن الحرية أقوى وأدوم.
ظاهرة الأقليات أمر دهري في هذا الشرق الأوسطي وهي كما أسلفنا لم تنشأ في يوم أكثرية إطلاقاً ولكن المؤكد أن هنالك دائماً من يستطيع الإفادة من الواقع القائم فيصهر ويمتص أويذبل ويذيب فئة أويسعى إلى إزالتها فينصر إحداها على الأخرى ولكنه اليوم كما بالأمس ومثله في الغد سيبقى وعاء مجموعة رواسب تاريخية لكيانات فعلت في وقتها ومازالت تعاند كل محاولات إفنائها، وعليه وإلى الآن لم يرد إلينا أن إحداها إستطاعت أن تفني أخرى وإن بغت عليها إلا أنه ورد إلينا وبالتواتر أن منها من أفنت وبملىء إرادتها نفسها.

السابق
«العهد» لحسم اللقب على حساب «النجمة» في صيدا غداً
التالي
عن أزمة مصر وتوقعات تصاعدها بسبب ضعف الأطراف كلها