عالم سرّي من المقامرة في لبنان

مقامرة الكلاب

قد تكون المصارعة واحدة من أقدم وسائل الدفاع عن النفس التي عرفها الانسان لحمايته من الاعداء ومن الحيوانات المفترسة، اضافة الى الكفاح بغية البقاء والاستمرار.
من مصارعة الثيران في إسبانيا، ومصارعة الديوك في مصر، الى مصارعة الكلاب التي بدأت في اوروبا وروسيا والمكسيك… كلها عادات تجاوزت القوانين ورسخت بطريقة او باخرى الاعمال الوحشية التي تتعارض مع حقوق الحيوان.
اين لبنان من هذه الهواية الخطرة اليوم؟ وهل تكون حادثة الطفل مايكل كاسوحا في زحلة مدخلاً للحد من هذه الاعمال المخالفة للقوانين؟ وكيف يتم ضبطها؟ وهل من رقابة على المزارع التي تدرب هذه الحيوانات للمصارعة والمراهنة عليها؟

بدأت مصارعة الحيوانات كهواية وأصبحت مهنة واحترافاً، ويمكن تلخيص أهداف ممارستها في ثلاثة أمور رئيسة هي: الحصول على الشهرة نتيجة الفوز وإحراز البطولات، تحصيل الأموال من وراء بيع هذه الحيوانات والتجارة بها أو المراهنة عليها واستخدامها للانجاب والتكاثر، بالإضافة إلى التسلية وقضاء أوقات الفراغ في هواية عنيفة تحبذها فئات معينة من المجتمع لا سيما الشباب.
في لبنان عرف هذا النوع من المقامرة رواجاً كبيراً خلال السنوات الماضية، غير ان الاتجاه السائد حالياً يميل اكثر الى المراهنة على الكلاب، نظراً إلى الارقام القياسية التي تسجلها المراهنات مقارنة بمصارعات الديوك التي لا تتخطى مئات الدولارات، ومصارعات الثيران التي تكاد تندثر.

يحرص الكثير من الناس على اقتناء الكلاب واستخدامها لأغراض مختلفة، إما للحراسة والصيد أو لأغراض أخرى تدفع أصحابها لاقتنائها إذ يألفون وجودها بينهم، لكن في لبنان اليوم باتت قضية اقتناء الكلاب تخرج عن المألوف.
هذه الكلاب التي عرفت منذ القدم بأنها الصاحب الوفي للإنسان، اصبحت تستخدم من قبل البعض بأسلوب يخالف الأعراف الدينية والإنسانية، في مصارعات قتالية يجريها أصحاب هذه الكلاب لأهداف تخرج عن اطار الهواية، لتصبح مصدر دخل يعتمدون عليه من خلال المراهنات التي تحصل على هذا النوع من المصارعات.

في هذا الصدد، تشير سيفين فاخوري، عضو مؤسس في “جمعية بيتا” لـ “الأخبار” إلى ان “هذه الآفة في لبنان باتت منظمة من قبل اشخاص يتمتعون بدعم كبير، لذلك تصل الرهانات لا سيما على مصارعات الكلاب الى عشرات آلاف الدولارات، كما وتتم بسرية تامة بعيدة عن العيون”.
وفي السياق عينه، توضح ثريا معوض رئيسة جمعية اباف ان “في لبنان شاعت مصارعات الحيوانات كالديوك والثيران والكلاب، لكن الاكثر انتشاراً هي مصارعات الكلاب. ان الاشخاص الذين ينتمون الى الطبقة الوسطى والذين يُخضعون كلابهم لمصارعات يبغون ربح بعض مئات الدولارات، لكن عندما يتعلق الامر بذوي نفوذ معين، تتخطى المراهنات عشرات آلاف الدولارات وتصل أحيانا الى 70 ألف دولار او اكثر”.

وتتابع: “الاكثر خطورة هو عندما يقوم بعض اصحاب المزارع ببيع الكلاب المدربة لخوض المصارعات الشرسة الى دول الخارج لا سيما السعودية والامارات بطرق غير شرعية وعبر تزوير الاوراق الثبوتية لهذه الكلاب، وقد يصل سعر الكلب الى 50 الف دولار، او يقومون باستخدام هذه الكلاب للتكاثر ويبيعونها بأسعار خيالية”.
وتكشف معوض انه منذ حوالى السنتين، كان هذا النوع من المصارعات يجرى علناً، في منطقة قريبة من ساحل بلدة الضبية، وكان يتم تبليغ السلطات المعنية، غير ان منظمي المصارعات كانوا يخلون المكان قبل وصول الاجهزة المختصة. اما اليوم، فباتت هذه الاعمال تتم في اماكن خاصة بعيدة عن الأعين.

من جهة اخرى، تقول معوض إن “الآثار المترتبة على لبنان بسبب اللاجئين السوريين على الصعيد البيئي والحيواني خطيرة جداً. اذ يسعى هؤلاء الى قطع اذني وذنب الكلاب واطعامها اياها لتصبح شرسة، بغية مشاركتها في المصارعات، ما يدرّ عليهم مبالغ كبيرة من المال. الى ذلك يقوم عدد كبير من اللاجئين بإقامة مصارعات للديوك، كما ويذبحون الديك الخاسر مع كل سلالته”.

لتدريب الكلاب والاعتناء بها طرق متعارف عليها، خاصة ان كانت تستخدم للحراسة أو للتدريب على الطاعة أو تقفي الأثر، إذ يستلزم ذلك كله دراسة معلوماتية أساسية للعناية بصحة الكلب ووقايته من الأمراض وعلاجه، لكن استخدام الكلاب للمصارعة يستلزم تدريباً من نوع خاص.
في هذا الاطار، يشرح مايك الياس، مدرب كلاب: “ان لا وجود للمراهنات على الكلاب في لبنان، كما وليست كل الكلاب مؤهلة للمصارعة، فهذه النشاطات في لبنان تمثل هواية اكثر من الاحتراف”.
ويضيف: “ان البتبول هي كلاب عرفت بشراستها وقوة فكها لا سيما تجاه الكلاب الاخرى، لذا فهي مستهدفة لخوض هذا النوع من المصارعات، أكثر من نوعيات أخرى. كما ويعتبر هذا الكلب الوحيد المؤهل للمصارعة بسبب طبيعة جسمه وطبعه وقدرته على التركيز. الى ذلك، فإن النسل الذي ينحدر منه كلب المصارعة اهم من التدريب، اذ يجب ان يكون الكلب من ام واب يتمتعان بعقل مصارع، والكلب الشرس تجاه الناس لا يشارك في هذه المصارعات، أما التدريب فهو كناية عن تمارين رياضية اضافة الى نظام غذائي غني بالبروتينيات”.

وتقول لانا الخليل رئيسة جمعية “انيمال ليبانون” لـ “الأخبار” انه “منذ عام 2011 كثر الحديث عن مصارعة الكلاب، وأحياناً كان يتم اعلانها علناً من خلال مواقع الكترونية تروج لهذه المصارعات، بالرغم من ان البعض لا يزال ينكر حدوثها. يشكل هذا النوع من القمار خطراً على الحيوان كما على الانسان”.
ترفض الخليل الحديث عن طبيعة بعض الكلاب الشرسة، “فحتى اشرس انواع الكلاب لا تولد شرسة بل تكون حنونة وهادئة غير ان شر الانسان هو الذي يحولها ويجعل منها مخلوقات قاتلة”.

من جهة اخرى، اكد مصدر مسؤول من مكتب مكافحة القمار والمراهنات التابع للشرطة القضائية انه “حتى الآن لم يسجل اي حادث عن مصارعات الكلاب. اما بما يتعلق بمصارعة الديوك والثيران فهي لم تعد شائعة كما كانت في السنوات الماضية لأن ارباحها ليست كثيرة. لكن بما يختص بالكلاب فمن المرجح انهم يأخذونها الى الخارج للمشاركة في المصارعات”.
ويشير المصدر الى ان “مكتب مكافحة القمار والمراهنات يحاول جاهداً الامساك بالذين يتاجرون بهذه الكلاب التي باتت تشكل خطراً على الكلاب الأخرى كما وعلى الناس”.

ويعتمد بعض المدربين على استخدام بعض المنشطات والهرمونات التي تكون على شكل أقراص أو حقن، والتي تؤثر مع الوقت في عقل الكلب وتوازنه، وقد تصعب السيطرة عليه لاحقاً.
ويشرح برباري: “كل الكلاب تتمتع بطبع هادئ ولطيف في الاصل، غير ان معاملة الانسان وطريقة تربيته هي التي تؤثر في سلوك الحيوان وتجعل منه شرساً. وهذه الشراسة تعكس شخصية الانسان وليس الكلب”.
يؤدي هذا النوع من الممارسات إلى توليد العنف لدى الشباب، وهو عمل غير مشروع وغير إنساني يتعارض مع مبادئ الرفق بالحيوان المتعارف عليها دولياً، فهل من المسموح مزاولة أعمال همجية، والترويج لسفك الدماء؟

المصدر: ام تي في

السابق
روحاني: لا اتفاق نوويا مع القوى ال6 ما لم ترفع العقوبات
التالي
حسن داوود 2/2: أجمع شتات مواضيع عن تجربة حياة عابرة