ريمون جبارة دخّن سيجارته الأخيرة ورحل

كُتب عن المسرحيّ، والناقد العميق ريمون جبارة الكثير الكثير. هنا بعض المقتطفات لمن كتب من محبيه..

كتب الزميل عقل العويط منذ فترة نصّاً عبارة عن رسالة إلى معالي وزير الصحة يُعلمه بمدى خطورة مرض ريمون جبارة متمنياً على معاليه زيارته والوقوف عند حوائجه.
وهذا نص الرسالة: صديقنا الكبير معالي وزير الصحة، بعد التحية، والتهنئة على ما تقوم به، هاكَ هذا النداء العاجل: ريمون جبارة صحّته في خطر. وهو مقعد، بل طريح الفراش الآن في بيته في قرنة شهوان، يدخّن السيجارة تلو السيجارة نكايةً بالحياة. هل يحقّ لي أن أقول: بل يدخّن انتحاراً، وطلباً للموت؟! ريمون جبارة في حاجةٍ إلى الدولة. بل إلى لبنان الثقافي. حقّه عليهما كبير. فلنستلحقه قبل فوات الأوان. قلبه في خطر. شرايينه في خطر. عضلات قلبه في خطر. وروحه في خطر! هذا رقم هاتفه في البيت: 04925028. وهذا رقم هاتفه الخلوي: 03825407 – وهذا رقم هاتف ابنه عمر: 03937090 يا صديقنا معالي الوزير، مَن مثلكَ، لا حاجة إلى أن نقول له مَن هو ريمون جبارة. نقول فقط لهذه الجمهورية السعيدة، إنه لا يجوز أن ينتهي ريمون جبارة “كلباً” فيها، تيمناً بالمسرحية التي وضعها وأخرجها في عنوان “زرادشت صار كلباً”. سلامنا اليك، يا صديقنا معالي الوزير.

وفعلاً لبّى نداء العويط معالي الوزير وزاره في بيته. حينها كتب عقل العويط في “النهار” فصعد الوزير وائل أبو فاعور إلى قرنة شهوان، لزيارة ريمون جبارة، مصطحباً معه طبيبة متخصصة، للوقوف على حال الفنان الكبير، وسؤال خاطره. باختصار شديد قال: وزارة الصحة أخذت على عاتقها الاهتمام مباشرة بالفنان العزيز، وهي تتابع وضعه عن كثب، لمواكبة حالته، بما يتلاءم والكرامة البشرية والفنية، وخصوصاً حاجته إلى ممرض دائم يكون إلى جانبه ليل نهار.
وبعدما فقد لبنان ريمون جبارة قال فيه العويط: لن أرثيكَ، بل سأستعير صراحتكَ اللئيمة لأقول لكَ ما يأتي: حسناً فعلتَ، أيها الصديق! وها قلبي يصفّق لكَ من أعماقه، التصفيق الذي من شأنه أن يرفع حدث الغياب إلى رتبة المسرح العبثي، ويدمل جروحاً ليس من شأنها أن تندمل في الواقع. هذا الذي صار، كان لا بدّ من أن يصير، عارفاً أن كيلكَ طافحٌ، من زمان، مع الجسد، والروح، ولم يعد من الجائز التنكيل بهما، قليلاً أو كثيراً. يمكنكَ أن تقهقه، كما لو أنكَ فوق خشبة، أو في الحياة نفسها. لكنْ، لا تنسَ أن تدعو الجميع، هنا، إلى المشاركة في القهقهة. ربما ينبغي، والحال هذه، أن تستدعي، افتراضياً، بدهاء الفطرة الأبيّة، وبمواهبكَ الهائلة والسخية، جماعة الممثّلين والممثّلات، لمشاركتكَ هذا الفعل الأسوَد، وأنتَ ذاهبٌ إلى حيث يجب أن تذهب، بإباء الذين لا يتطلعون إلى وراء، وبمكر الذين يتألمون، من دون أن تتصاعد آهةٌ واحدة من أعماقهم المشلّعة والمعطوبة. هل من لزوم بعد الآن، لابتسامتكَ المجروحة الفجة، أو لسخريتكَ المتألمة السوداء؟!

أعتقد أن هذا لم يعد مهماً. كما لم يعد مهماً أن تسأل مَن قطف زهرة الخريف، ولا أن تلعب لعبة الختيار، ولا أيضاً أن تبحث عن زكّور للرعاية. سيصير كلّ شيء مرتّباً، وأبيض أكثر من الثلج. هكذا، يمكنكَ أن تنصرف إلى هواياتكَ الأخرى، بلطافة الرذاذ الذي يهمي في عزّ الربيع، وبأناقة النوم الذي يأتي بعد سهرٍ جليل. عزيزي ريمون، ما لي وللأدب. ففي لحظة كهذه، ينبغي للقول أن يكون بالعربي الفصيح الواضح والمباشر. وعليه، خذْها منّي، كمُشاهد، وقارئ، ومُبصر، وشاهد، وشاعر: مَن مثلكَ، لا يحتاج إلى تأبين أدبيّ موارِب. وبالفم الملآن أقول، ليس في ظهرانينا، اللبنانية والعربية الراهنة، مَن يمثّل تمثيلكَ، ويكتب كتاباتكَ المسرحية، ويُخرِج إخراجك. وليس لكرسيّكَ المسرحي مَن يرثه، ليجلس عليه.

وهنا بعض النصوص في حقّه:

نضال الأشقر: موهبته تفوق الوصف. فاقت موهبة ريمون جبارة إمكان وصفها. رجلٌ مختلف في نصوصه، بمرارتها وسخريتها وتسبّبها باللذع. شكيب خوري: لم يُحارب موته. أنجز ريمون جبارة ما تمناه. أعتقد أنه رحل من غير أيّ إحساس بالندم. توقَّع رحيله لأنه في الآونة الأخيرة راح يألفه. عاش هذا الرحيل قبل أن يحلّ. لم يحارب ريمون جبارة موته.

رندا الأسمر: تعلّمنا منه الكثير. ريمون جبارة لا يُنسى. دائم الوجود ولو غاب الجسد. أرفع له الصلاة كلما زرتُ الكنيسة. وسأظلّ أفعل. جبّار. عاش بشلله الجسدي من غير أن يتذمّر. شامخ الرأس يرفض الهزيمة.

جلال خوري: مَسْرَحَ نهايته. جمعنا مقعد واحد في مدرسة الحكمة. وبعدما غاب عني سنواتٍ، التقيته به مجدداً عندما كان يعمل مع أنطوان ملتقى. ترددتُ الى رشانا حيث مهرجان رشانا المسرحي، وهناك شاهدته على الخشبة للمرة الأولى. أذكر كم كان مميزاً آنذاك.

رفعت طربيه: دونكيشوت يُلاحق أحلاماً لا تتحقّق. أستطيع الآن أن أقول إنّ المسرح اللبناني أُصيب بجلطة. كما حلّ المرض في جسد ريمون جبارة وأقعده، ها الشلل يصيب الكيان المسرحي اللبناني برحيله. لا أذكره إلا “أبو الريم”. عشنا الحياة معاً بهدوئها وصخبها. كميل سلامة: “نيّالنا”!. لو كنت من القائلين إنّ ريمون جبارة لم يعد بيننا لما كتبت. فأنا لست بارعاً في تنميق الأحاسيس. بالنسبة إلينا، نحن مَن رافقنا ريمون جبارة، لن نستسلم للذكريات بل سنغرف منها ذلك الفرح الذي غلّف كل لحظة من لحظات المسرح معه.

وكتبت السفير: ريمون جبارة.. سقوط زهرة المسرح. بعد يعقوب شدراوي وأسامة العارف يُرزَأُ المسرحُ اللبناني بخسارة جديدة. ريمون جبارة من جيل الرواد ومن أعلاهم صوتاً وأكثرهم شاعرية وتجريباً يرحل في يوم احتشد برحيل الكبار.
وجبارة المولود في بلدة قرنة شهوان (قضاء المتن شمال بيروت)في الاول من نيسان/ابريل 1935، بدأ مسيرته المسرحية كممثل، في ستينات القرن المنصرم، عندما بدات لجنة مهرجانات بعلبك الدولية تهتم بالمسرح اللبناني وتدعمه، عبر تأسيس معهد المسرح الحديث، وفرقة المسرح الحديث، اللذين التحق بهما ريمون جبارة. له أعمال كبيرة في المسرح فضلاً عن أنه ناقد لاذع وعميق

السابق
تنظيم الدولة الاسلامية يسيطر على اجزاء من مصفاة بيجي العراقية
التالي
العبادي للمتدربين على طائرات اف16: نتطلع الى إنهاء تدريباتكم لدك اوكار داعش