«داعش» ومخيم اليرموك: الهدف إشعال جنوب دمشق

مدنيون وعناصر من الدفاع المدني يتجمعون امام مستشفى فلسطين في مخيم اليرموك للمطالبة بفتح ممر آمن للخروج من المخيم امس (ا ف ب)

ما يزال تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» يفرض هيمنته على القسم الأكبر من مخيم اليرموك جنوب دمشق، وذلك خلافاً لكل ما أشيع خلال اليومين الماضيين حول انسحابه.
وفي حين فرض التخبّط الفلسطيني نفسه على الوقائع الميدانية، وأدّى إلى تأجيل العملية العسكرية الكبيرة التي كان من المتوقع إطلاقها لاستعادة المخيم، تؤكد المعلومات أن ما جرى ويجري في المخيم منذ أسبوعين وإلى الآن ليس سوى الخطوة الأولى في مخطط كبير تشارك به عدة فصائل إسلامية يستهدف إشعال مناطق جنوب دمشق بشكل كامل، من أجل إخراجها من إطار المصالحة مع الجيش السوري وإعادة إدخالها في دائرة الصراع معه من جديد.
ولا يناقض ذلك ما أشيع مؤخراً حول انسحاب مسلحي «داعش» من أحياء مخيم اليرموك، وتسليم مواقعهم فيها إلى «جبهة النصرة» و «أحرار الشام». إذ يؤكد مصدر ميداني معارض، تحدث إلى «السفير» صحة هذه الانسحابات، مشيراً إلى وجود معلومات لديه بأن آخر مسلحي التنظيم سينسحبون من كامل المخيم خلال يومين، وذلك لاستكمال المخطط الذي باشرت بعض الفصائل الإسلامية بتنفيذه مطلع نيسان الحالي، ويهدف إلى إشعال جنوب دمشق، وخصوصاً بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم التي شهدت مصالحات مع الجيش السوري.
ويوضح المصدر أن «فهم ما يجري في مخيم اليرموك يتطلب إدراك حقيقة التحالف القائم بين «جبهة النصرة» و «داعش» و «أحرار الشام»، فهذا «التحالف هو تحالفٌ وجوديّ، والفصائل المنخرطة فيه باتت تمثل جسداً واحداً بعد أن وضعتها المصالحات في مأزق خطير لا حل أمامها في مواجهته سوى بالعمل معاً»، لذلك يقول المصدر إن «انسحاب داعش صحيح، لكنه لا يعني فقدانه الهيمنة على المناطق التي انسحب منها، بل هو يتحرك داخلها بحرية تامة، وكل ما في الأمر أن أمام مسلحي داعش مهمة أخرى عليهم القيام بها، هي الهجوم على بلدة يلدا» التي تشهد بساتينها منذ عدة أيام حشوداً عسكرية لمسلحي «الدولة الإسلامية».
وحول الواقع الميداني وتوزّع السيطرة داخل المخيم كما هي قائمة حالياً، قال لـ «السفير» ناشط في «صفحة أسرار مخيم اليرموك» الإعلامية، أن «تنظيم داعش بات يسيطر على ما نسبته 60 في المئة من مساحة المخيم البالغة كيلومترين، تشمل المنطقة الغربية من مخيم اليرموك بين محيط المحكمة وشارع يافا وشارع عين غزال والشارع الموازي لشارع الثلاثين وشارع الـ15 وحي الزين وحي العروبة وحي التقدم والجزء الشرقي من محيط جامع فلسطين وحتى شوارع حيفا وصفورية والجاعونة وصفد ومنتصف شارع اليرموك».
غير أن رئيس «مركز جنوب دمشق الإعلامي» أبو مرام الجولاني، رفع نسبة سيطرة «داعش» إلى 90 في المئة، مشيراً إلى أن باقي المساحة هي خطوط تماس تشهد اشتباكات بين الأطراف المتقاتلة. وحدد الجولاني أبرز نقاط التماس بأنها تتمثل في «حي الزين، الذي يفصل بين يلدا والحجر الأسود، وهو يشهد اشتباكات بين داعش وجيش الإسلام. وفي سوق الثلاثاء في حي التضامن ويشهد اشتباكات بين الابابيل وشام الرسول ضد النصرة التي تساند داعش. وكذلك يشكل مدخل العروبة نقطة تماس، حيث ترابط جبهة النصرة عليه من جهة المخيم، بينما يرابط جيش الأبابيل من جهة يلدا لكن مدخل العروبة بحكم طبيعته كسوق ومعبر نحو يلدا لا يشهد اشتباكات وإنما تقتصر الأعمال فيه على القنص من حين إلى آخر. ونقطة التماس الوحيدة داخل المخيم تتمثل في المنطقة الواقعة خلف شارع لوبية باتجاه مبنى البلدية والبريد حيث تتركز الاشتباكات بين أكناف بيت المقدس وبين مسلحي داعش».
ويعود الاختلاف في تقدير نسبة السيطرة على المخيم، إلى أن بعض الأطراف تعتبر بعض المناطق خارجة عن سيطرة «داعش» لأنها واقعة تحت سيطرة فصيل آخر، كما هو الحال في محيط مسجد صلاح الدين في منتصف المخيم حيث تنتشر مجموعة معروفة باسم «الكراعين»، فقد سرت أنباء عن تراجع هذه المجموعة عن البيعة التي منحتها إلى «الدولة الإسلامية» في بداية الهجوم، وهو ما ألقى بالغموض على تبعية المنطقة التي تسيطر عليها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مناطق أخرى، كما في الريجة حيث مسلحي «أحرار الشام»، فالبعض يلحقهم بـ «داعش» وآخرون يستبعدونهم.
وكان لافتاً أن «الأمير العام» لحركة «أحرار الشام الإسلامية» أبو جابر هاشم وجّه انتقاداً لاذعاً إلى كل «من يقف على الحياد مع «داعش»، معتبراً الحياد بمثابة «الخيانة»، ومع ذلك لم تؤد هذه الانتقادات إلى إحداث أي تغيير في موقف مقاتلي «أحرار الشام» داخل مخيم اليرموك، الذي وصف أبو جابر ما يحدث فيه بأنه «مسرحية نتنة مثلها أجلاف الغلاة وأخرجها دهاقنة المخابرات» من دون أن يفسر الدور الذي يقوم به مسلحوه الداعمون لمن أسماهم «الغلاة» في هذه المسرحية. خصوصاً أن المعلومات المؤكدة تشير إلى أن قسماً من مسلحي «أحرار الشام» في حي التضامن ما زالوا يقاتلون لمصلحة «داعش».
وليس هذا بالتناقض الوحيد الذي أفرزته مجريات الوقائع في المخيم. بل هناك العديد من التناقضات والمواقف المتضاربة التي زادت من تعقيد أزمة اليرموك عسكرياً وإنسانياً. ويأتي في مقدمة هذه التناقضات موقف «أكناف بيت المقدس»، الفصيل الأبرز الذي تصدّى لهجوم «داعش» على المخيم، فالبعض اعتبر أن «الأكناف»، المرتبطة بشكل غير رسمي مع حركة «حماس» قد تراجعت عن عدائها للنظام السوري، وأنها بعد أن تلت «فعل الندامة» دخلت في تحالف مع الفصائل الفلسطينية الأخرى لدحر «داعش» من المخيم.
والواقع أن هذا التوصيف يجافي الحقيقة لأن «الأكناف» وجدت نفسها في لحظة ما محصورة بين خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام أمام «داعش» وإما فتح خط اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية والسفارة الفلسطينية في دمشق كي تدخل وسيطاً مع النظام السوري للسماح بدخول الذخيرة والغذاء إليها وعلاج الجرحى الذين سقطوا نتيجة المعارك. ولا يتعدّى الأمر هذه النقاط، وما يؤكد ذلك أن «الأكناف» رفضت اقتراحاً بإرسال تعزيزات من مقاتلي الجبهة الشعبية – القيادة العامة، في حين قبلت بانضمام بعض العناصر المنتمين إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
وقد أعلنت «الأكناف» أمس عن معركة جديدة تستهدف استعادة المخيم، أطلقت عليها اسم «على الحق ظاهرين». وأعلنت صراحة أن هذه المعركة تأتي بالتنسيق مع العملية التي تقوم بها «غرفة عمليات نصرة المخيم» بقيادة «جيش الإسلام» في الحجر الأسود، بينما تجاهلت تماماً ذكر الفصائل الفلسطينية التي احتضنتها في لحظة الضعف. وهو ما يرجح أن لجوء «الأكناف» إلى الفصائل المؤيدة للنظام السوري كان بحكم الضرورة فقط، في حين كانت عينها على المؤازرات التي وعد «جيش الإسلام» بإرسالها.
وكذلك جاء التخبط في موقف منظمة التحرير الفلسطينية كي يزيد من تعقيد المشهد، ففي دمشق قال مبعوثها أحمد المجدلاني كلاماً واضحاً حول الاتفاق على الحل العسكري، في حين صدر بيان في رام الله رافض للمشاركة في أي عمل عسكري، وهو ما يعني سحب الغطاء الفلسطيني عن أي عملية قد يقوم بها الجيش السوري مع حلفائه في المخيم. كما أن إعلان «حماس»، على لسان موسى أبو مرزوق، بأنها غير معنية بمحاربة «داعش» في المخيم ألقى بمزيد من الشكوك حول «أكناف بيت المقدس» المرتبطة بها وحول طبيعة الموقف الذي يمكن أن تتخذه بعد هذه التصريحات.

(السفير)

السابق
شارل حلو.. والتوفيق المستحيل بين «منطق الدولة ومنطق الثورة»
التالي
مليون دولار مكافأة لأول إنسان يبلغ 123 عامًا