عودٌ على ايرلندا: هكذا تنتهي العداوات؟

حسن روحاني
على الارجح، كنتُ مخطئة يوم ظننت أن ايرلندا الشمالية دولة ارهابية ومشاكسة. ليس بسبب موقف اعتباطي لكن اغلب البريطانيين يتفوهون بهذا الشيء. وبإصرار تكره أليزابيث الثانية رئيس وزراءها بيتر روبنسون. ومن عادة الحروب انها تكتب احداثها بنفسها.

كأغلب النزاعات، اكتسب تاريخه ايرلندا زخماً لا بأس به. لقد انتهى القتال بين الأطراف على قدر عال من السلام ثم حُلّت المشاكل عبر اتفاق بلفاست وجبل من الجثث والدموع. وأسهل من المتوقع، تخلت الجماعات الايرلندية عن سلاحها ملتزمة بذلك إعلان وقف إطلاق النار. وفي عام 1998 انصاعت إيرلندا الشمالية التي قاتلت مئات السنين من أجل حلم سيادتها على نفسها واعترفت بـ«ضرورة» بقاءها في المملكة المتحدة. يا لها من خاتمة سيئة.

أما الإيرلنديون فيستحيل لديهم نسيان عام 1577 دون المكوث هنيهة والإجهاش في البكاء. يومها اقتحمت القوات الانكليزية بلدة مولغمَس الايرلندية وتعرض مشايخ الأسر الرائدة في البلدة للإبادة، وبدمٍ بارد، اُحرق بعضهم وذبح البعض الآخر.

هذا ما جرى أيضاً في “الاحد الدموي” حين قتل جنود الحكومة الإنكليزية اربعة عشر مدنياً ايرلنديا. آه نعم، بإمكاني ان أفهم كيف غُرر بإيرلندا حتى أعلنت هزيمتها من داخل أراضيها. لكنني مازلت غير مقتنعة بمحبة الكاثوليك للبروتستانت وبصفاء النية بينهما. لقد سمعت قصصاً مشابهة لهذه في اكثر من مكان في العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط. هذا المكان المكتظ بالكلمات الطائفية والعنصرية وبمصطلحات التصالح والتفاوض والسلام و والسحق والإعدام الميداني أيضاً.

لقد اعتدنا نحن سكان الشرق الاوسط على الحروب حتى ظن البعض انها مجرى الحياة الحقيقي. صرنا ننتظر وبفارغ الصبر اندلاعها كي يتاح لنا فرصة اقتناص وجوه من أُلحقت بهم الهزيمة. هنالك ضرورة دائمة للأعداء وللخطابات العدائية. هكذا سار مارتن ماك غينيس ذا السمعة السيئة في أغلب أرجاء الأراضي البريطانية، والمتهم بالضلوع في تفجير عام 1979 الذي ذهب ضحيته آري نايفي خلف الملكة أليزابيث الثانية؛ مسمراً يداه وراء ظهره، أما رأسه فكان محنياً للأرض.

إن الأشخاص الذين سعوا دائماً للمجد ولإلحاق الفتك بالخصوم اُنكر حقهم بالشهامة وخانتهم قدرة الله في المؤازرة على النصر. وللاسف، صادر النسيان الرواية التي تسرد قصة شعب سعى لـ”الاستقلال” ولـ”الحكم الذاتي” بعيداً عن سيطرت المملكة المتحدة واختُصر تاريخ الدم المزهق بينهما بأسطر زهيدة والقليل من الكلمات المُشَوِقة. يجب ان نتنفس الصعداء أمام شخصيات بارزة طَفت على وجه هذا النزاع. السيد ماك غينيس واحداً منهم. القائد السابق للجيش الجمهوري الإيرلندي والرجل الكاثوليكي المتطرف الذي تبَدَل دوره من صانع موت ودمار إلى رجل سلام. بإمكاننا يومياً صنع جدول للتناقضات التي نلحظها خلال عملية صياغة المفردات، واحصاء عدد الملفات المختوم على قماشتها الخارجية عبارة “سري للغاية”، سنجد هذه التفاصيل حين دخلت اميركا الى العراق والفيتنام. كما ومنح انفسنا فرصة البحث عن أمثلة تتناول حالات من العداء انقلبت إلى صداقة.

على سبيل المثال حسن روحاني، الرئيس السابع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعضو سابق في مجلس تشخيص مصلحة النظام غدا في الأسابيع المنصرمة وبفضل برنامج بلاده النووي واتفاقية لوزان، صديق الرئيس الاميركي باراك أوباما اللدود. لقد فهم روحاني ما كان يرمي إليه رئيسه السابق محمد خاتمي: «كونوا أصدقاء لا أكثر ولا أقل»، «الشعب الأميركي ليس عدونا»، و«قد يصير العدو حليفاً». من السهل جداً استبدال لفظٍ بآخر وتقليب الأدوار. لقد بدا هيناً على الولايات المتحدة محاولة حذف حركة طالبان من عن لائحة الإرهاب وذلك رغم أنف قناة الـ”سي آن آن” التي استمتعت ولفترة طويلة ببث جرائم طالبان بحق الشعب الافغاني والباكستاني «الفقير». بيدَ أن الحركة هذه لم تعد إرهابية، او ربما لم تكن إرهابية بما فيه الكفاية.

باتت نتائج الحروب تتلمس طريقها نحو عالم مختلف، ومع نهاية عام 2011 اكتشفت منظمة الامم المتحدة ان عدد النازحين السوريين إلى لبنان قارب الـ 60 ألفاً. في السابق ايضاً، غادر آلاف الايرلنديين ارضهم، او ربما رحلوا عنها. لقد مضى اسبوع على استضافة فنلندا لإيرلندا في لعبة كرة القدم، حينها لم يخجل الفنلنديون من وضع علم انكلترا بمحاذاة علم بلدهم. لقد حصل هذا الشيء قبل بضعة أيام فقط. لا مزيد من الكره ولوثة العداء والاستفزاز. وحده الشيطان كان يسكن عقل الفلندي اثناء المباراة.

السابق
الرئيس سعد الحريري استقبل نهاد المشنوق
التالي
موسكو ترفع حظر تسليم ايران صواريخ «اس-300»