الوساطة الحصرية انتهت…وساطات متعددة… والحسم فلسطيني

معبر رفح

الوساطات المتعددة التي تشهدها غزة وفلسطين بشكل عام، إن في السياق الفلسطيني الداخلي أو في السياق الفلسطيني الإسرائيلي تحمل في طياتها دلالات عدة، أهمها أن الوساطة الحصرية في الملف الفلسطيني الداخلي مصرية أو غير مصرية، تماماً كما الوساطة الأمريكية في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وأن ثمة إيمان دولي عميق باستحالة الحفاظ على الوضع الراهن، و قناعة متجذرة موازية باستحالة إعادة الاعمار فيها دون تطبيق أو تكريس المصالحة بين فتح وحماس، ودون هدنة أو تهدئة مع مدى زمني معقول بين حماس وإسرائيل.

بدا الأمر في الحقيقة مع اتفاق الشاطىء نيسان/إبريل من العام الماضي والذي كان في جوهره تعبير عن فهم لحقيقة انتهاء عهد وزمن الوساطة الحصرية المصرية تحديداً، وضرورة اعتماد الفلسطينيين على أنفسهم، خاصة أن لا مشكلة في الوثائق وأوراق المصالحة، والأمر موهون فقط بامتلاك الإرادة للمضي قدماً في تطبيق ما تم التوافق عليه سابقاً بأمانة ونزاهة شفافية وثقة.
جاءت حرب غزة لتعيد مصر إلى الوساطة التي أرادتها حصرية غير أن حسابات القاهرة الضيقة واستغراقها في حربها العبثية والمجنونة ضد الإخوان، ورغبتها في منع أي إنجاز سياسي لحماس، بل وتجاوزها عند إعلان مبادرتها الأولى واضطراها تحت ضغط تدخل دول وقوي إقليمية أخرى إلى التعاطي مباشرة معها، ولكن مع العناد في عدم تقديم أي بادرة قد تفهم وكأنها علامة أو دليل انتصار لها، وهو ما أدى في الحقيقة إلى إطالة أمد الحرب، وتأكيد حقيقة أن زمن الوساطة الحصرية مصرية كانت أو غير مصرية في القضية الفلسطينية قد ولّى إلى غير رجعة.
بعد الحرب ازداد النظام انغلاقاً على نفسه، ورفض استضافة اللقاءات غير المباشرة من أجل وضع الإطار النهائي للتهدئة وفق التفاهم الذي تم بموجبه وقف الحرب الإسرائيلية، ثم أغلق الدائرة مع رفضه عقد أو استضافة لقاء الأحمد – أبو مرزوق في القاهرة مع حرب سياسية وإعلامية قاسية ضد حماس، بل وغزة كلّها، شيطنتها وتصويرها وكأنها تورا بورا، وإغلاق نهائي لمعبر رفح ومنطقة عازلة تم فرضها بفظاظة وقسوة. وكانت مصر في حالة حرب مع غزة المحاصرة والمعزولة أصلاً عن العالم.
مثّلت المعطيات السابقة مجتمعة إعلان سياسي رسمي عن نفض القاهرة ليدها ليس فقط من المصالحة، وإنما حتى من الوساطة غير مباشرة مع إسرائيل أي من الملف الفلسطيني ببعديه االداخلي والخارجي.
أما استقبال النظام لوفد حركة الجهاد الإسلامي الشهر الماضي، وفي اليوم الذي صدر فيه القرار المسيس باعتبار حماس حركة إرهابية، فكان فقط لذر الرماد في العيون والتغطية على دلالات القرار البشع والبائس، كما الإيحاء، بأن ثمة دور إقليمي ما للنظام بعد فشله في تشكيل تحالف بقيادته للتدخل في ليبيا، وصبّ الزيت على النار بعد جريمة داعش البشعة بإعدام عشرين مواطن مصري في طرابلس.
.اسوأ ما في الزيارة كان طبعا السعى لتصوير أزمة معبر رفح وكأنها فلسطينية فقط، ومع عدم نفي فكرة أن جوهر الأزمة فلسطيني، إلا أن هذا لا يبرر بالتأكيد إغلاقه بشكل تام، ولا إقامة المنطقة العازلة أو السكوت عن الحملة السياسية الإعلامية التي تصور غزة كخطر استراتيجي على مصر، وربما المنطقة أيضاً.
لذلك لم أتفاجىء من عدم خروج شيء جدي عن الزيارة –الإعلامية – لجهة عودة مصر للاانخراط فى القضية الفلسطينية ببعديها بل ابعادها المختلفة اما فتح المعبر ليومين بعد إغلاق لشهر ونصف فلا يحتاج أصلاً إلى وساطة أو حوار، ولأن هذا المعدل الطبيعي لفتحه بعدما بات الإغلاق هو القاعدة منذ تشرين أول/اكتوبر الماضي، وهو التاريخ نفسه الذي رفضت فيه القاهرة استضافة اللقاءات غير المباشرة من أجل وضع التفاصيل للتهدئة وفق التفاهم الذي تم بموجبه وقف الحرب الصيف الماضي.
خلال الشهور الماضية تفاعل على الأرض معطيان مهمان وهما: تعثر عملية إعادة الاعمار نتيجة استمرار الانقسام، وعدم قيام حكومة التوافق بمهامها لجهة قيادة العملية وحشد التأييد اللازم لها، محلياً إقليمياً ودولياً. كما عدم التوصل إلى اتفاق تهدئة واضح متماسك قابل للحياة يتضمن رفع الحصار، فتح المعابر وإقامة الميناء والمطار، وهو ما أوصل الأوضاع في غزة إلى حافة الانهيار مع خطر الانفجار في أي لحظة، وهو ما لا تريده أطراف عدة بما فيها إسرائيل التي تحاول الحفاظ على الوضع الراهن، ولو مع تحديثات ما لأبعد مدى زمني ممكن.
فهمت أطراف دولية عديدة أن الانفجار قد يكون مسألة وقت، وفهمت كذلك أن لا فرصة لمنعه دون إعادة إعمار جديّة وملموسة تقودها حكومة الوفاق الوطني بمسؤولية ومهنية، وأن لا أمل لتحقيق ذلك دون توافق فلسطيني فلسطيني بمعنى إنجاح عملية المصالحة، وتطبيق ما تم التوافق عليه من أوراق ووثائق ودون تفاهم فلسطيني إسرائيلي، ولو غير مباشر بما يتعلق بالتهدئة واستحقاقاتها كما تم التوافق عليه مبدئياً في اتفاق وقف إطلاق النار الصيف الماضي.
ولأن الفراغ لا يمكن أن يستمر، ولأن من لا يتحرك لا يمكنه أن يمنع الآخرين من الحركة والنشاط، دخلت سويسرا والأمم المتحدة على الخط بجهود شبه منسّقة، وبينما اهتمت الأولى بالعمل على حل المعضلة الأساس التي تعيق الحكومة من إداء عملها، أي قضية موظفي حكومة حماس السابقة اهتمت الثانية بمناقشة بنود تفاهم التهدئة، وبدا وكأنها تواصل حرفياً من حيث انتهى النقاش في القاهرة الصيف الماضي.
وضعت سويسرا منذ شهور خطة لحل أزمة الموظفين، واندماج المؤسسات والوزارات، وهي خطة شفافة واقعية ومعقولة جداً، غير أن فتح وحماس وافقتا عليها بعد تأخير وتردد وبعد لقاء الاثنين الماضي – 23 مارس – الجماعي مع حماس وفتح بحضور فصائل أخرى بات النقاش وطني علني وصريح، والأمر يحتاج فقط إلى تحديث فلسطيني للخطة التي يكفل نجاحها ليس فقط إصلاح إداري جدّي، وإنما إزالة عقبة كإداء من طريق الحكومة بما يتيح لها القيام بعملها بنجاعة بما في ذلك إدارة المعابر طبعاً، وهو الأمر الملح والحيوي لتسريع وتيرة إعادة الاعمار.
الأمم المتحدة من جهتها تحركت عبر مبعوثها روبرت سيرى – والذي وضع خطة الأمر الواقع لإعادة الاعمار، والتي كانت أشبه بالتيمم – لمناقشة بنود التهدئة وفق تفاهم أو اتفاق القاهرة، وقامت بما يشبه الوساطة غير المباشرة بين إسرائيل وحماس غير أن كشف موقع واللاالمثير عن الأمر الاثنين 9 آذار أثار جدل وسجال أجّجا الانقسام، علماً أن سيرى نفسه أصدر بيان بعد زيارته الأخيرة لغزة – 2 آذار مارس – أشار فيه إلى نتائج الزيارة ونقاشه مع حماس لقضايا التهدئة وإعادة الاعمار.
كما قضية الموظفين والمصالحة فإن التهدئة تحتاج إلى توافق ونقاش جماعي مع الوسيط بصورة أقرب إلى صورة الوفد الذي فاوض في القاهرة الصيف الماضي، وهذا يقتضي إداء الحكومة لعملها وفق ما تراه مناسباً، وبما يتساوق مع توصيفها كحكومة وفاق مع شراكة سياسية عبر المجلس التشريعي، والإطار القيادي المؤقت للمنظمة لمناقشة الملفات أو الإطار السياسية للاستحقاقات والتحديات الملحة، بما في ذلك المصالحة إعادة الاعمار، التهدئة والصراع مع إسرائيل ككل.
يجب الانتباه طبعاً إلى الموقف الإسرائيلي، فيما يتعلق بالتهدئة تحديداً ومع التأكيد على أن فتح المعابر، رفع الحصار وإقامة المطار والميناء، هي حقوق للشعب الفلسطيني، إلا أن واقع الانقسام قد يساعد تل أبيب في تحقيق هدفها لفصل تدريجي بطيء، ولكن متواصل لغزة عن الضفة وفلسطين بشكل عام، وهذا يمكن إفشاله فقط بالمصالحة وتشكيل قيادة فلسطينية واحدة تتولى إدارة الصراع بتفاصيله وأبعاده بشكل حكيم، مصمّم وعنيد أيضاً مع الإقلاع عن الاستلاب أو الإعجاب بفكرة أو مصطلح دولة بل دويلة غزة.
التطورات المحلية والإقليمية بدت مؤاتية للفلسطينيين، وتحديداً فيما يتعلق بالانتخابات الإسرائيلية التي مثّلت ما يشبه الإعلان الرسمي عن موت المفاوضات وعملية التسوية، ومن جهة أخرى جاء التغيير القيادي في السعودية الذي مثّل ما يشبه الإعلان الرسمي عن موت فكرة الإخوان كخطر استراتيجي على المنطقة، لا بد من إزالته أو إقصاؤه من المشهد السياسي العربى بما في ذلك فلسطين طبعاً.
الكرة باتت الآن في الملعب الفلسطينيالمدى الزمنى مفتوح وغير ضاغط الاجواء الاقليمة كذلك والوساطات المتعددة مريحة وغير ضاغطة ايضا ، وهي تضع الحسم بيدي أصحاب الشأنالمدعوينللارتقاء الى مستوى المسؤولية، وامتلاك الارادة السياسية اللازمة وإلا فلا يلوموا إلاّ أنفسهم على اضاعة فرصة سانحة جدا لانهاء الانقسام والتفرغ لادارة المعركة الاساس والاهم مع الاحتلال وسياساته.

السابق
المحكمة الخاصة بلبنان تعيّن وجد رمضان ناطقةً رسمية باسمها
التالي
في ذكرى 13 نيسان.. لا نزال أسرى حروبنا الصغيرة