أنياب الذئاب ودموع التماسيح

يصيغ القادة الإيرانيون الآن ملامح دورهم في منطقتنا. “إتفاق الإطار” النووي منحهم الشرعية السياسية “الأبدية”، أنقذ نظامهم، و”عاصفة الحزم” تمتحن الآن القواعد التي اعتمدوها لتعزيز تلك الشرعية. قادتهم الكبار، المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية، فضلا عن المسؤولين الموزعين هنا وهناك على مسرحهم السياسي، عرفوا أية وضعية يعتمدون: وضعية تمزج بين حالتين، تبدوان في الظاهر متناقضتين، ولكنهما في العمق، شديدتي الإنسجام. من جهة يتباكون على “الشعب اليمني البريء”، على “قتل الأطفال وتدمير المنازل والبنية التحتية واستهداف الثروات الوطنية”؛ على “الجريمة” التي ترتكبها السعودية، على “الإبادة الجماعية التي يمكن أن تنظر فيها المحاكم الدولية”… فيذرفون دموع التماسيح؛ إذ انهم يقودون ميليشيات مذهبية في كل من لبنان والعراق وسوريا، سبق وارتكبوا فيها، وما زالوا، جرائم أفظع من تلك التي تؤلمهم الآن. ولأنهم وبالتوازي مع هذه الدموع، يخرجون أنياب الذئاب، فيهددون، ويتوقعون شر هزيمة لخصومهم، فيأخذون راحتهم في توقع هزيمة السعودية، في تهديدها: “سيخسرون ولن ينتصروا أبدا”؛ السعودية “ستتلقى الضربة وتهزم في اليمن” و”يمرّغ أنفها في التراب”؛ ودليلهم على صحة نبوءتهم ما حصل في البلدان الثلاثة التي تكرست فيها ميليشياتهم ذاتها. عن حسن روحاني: “غيروا أساليبكم الخاطئة”، التدخل العسكري “جربتموه في لبنان وأدركتم إنكم إرتكبتم الخطأ، حاولتم في سوريا لكنكم ارتكبتم الخطأ. أدركتم انكم ارتكبتم الخطأ في العراق. وستدركون قريبا، ربما قريبا جدا، انكم ارتكبتم خطأ في اليمن أيضاً”. هذا التهديد الصادق لا غبار عليه، إذ ان إيران نجحت حتى الآن، عبر ميليشياتها، بالسيطرة على قرار تلك البلدان الثلاثة؛ وعليك ان تضيف إليها السفن الحربية الإيرانية المنتشرة في خليج عدن، والقدرات الباليستية التي لم يبحث بها “إتفاق الإطار النووي”، ثم بنود هذا “الإتفاق”، وترجيحه الكفَّة الإيرانية على الكفّة الغربية.. لتكوِّن صورة أقرب إلى الدقة عن كون هذه التهديدات جدية، عن كون انياب إيران غليظة حادة، قادرة على عبور المجتمعات العربية بأسنان ميليشياتها، وإذا اقتضى الأمر، بصواريخها ورجالاتها المحترمين ونظامها وحضارتها ونظرة العالم الغربي إليها. كان يمكن، مرة أخرى، أن تذرف إيران بعض الدموع على فلسطينيي مخيم اليرموك، لكي لا نتكلم عن الفلسطينيين الآخرين، لتتعذب على آلاف منهم وقعوا تحت قبضة “داعش”؛ خصوصا انها مع أميركا وبشار على جبهة واحدة في “الحرب ضد الإرهاب”. أي ان القبضة الداعشية على المخيم كان يمكن أن تشكل فرصة ثمينة، لكسب نقاط في قلوب من يصدقونها. ولكن أبتْ، في سجالها مع “عاصفة الحزم” إلا أن تستقوي بالبلدان التي هزمتها ميليشياتها، حتى اللحظة؛ بل ذهبت أبعد من ذلك، أوحت بأنها قد تضيف إلى لائحتها بلداناً عربية أخرى، بعد أن “تنتصر” في اليمن، وتمنح ميليشاتها حق تقرير مصير اليمنيين. وحجتها أنياب تغرسها في “الأنظمة العربية” بدموعها وأنيابها، لأن “هذه الأنظمة شمولية”، “أمنية”، “فاسدة”، “متسلّطة”؛ وهي كلها صفات عامة صحيحة، تنطبق حرفياً على نظامها، بلا زيادة ولا نقصان. خلف هذه المزاوجة بين الأنياب والدموع، غرور إمبريالي، يعتمد على تفوقه العسكري، على الذئب، وعلى تفوقه “الاخلاقي” والحضاري، على التمساح… ليكون قادرا على حمل عصا “الشرطي” القديم، الشاهنشاهي المنبت، المحتقر للعرب ولبداوتهم، المزهو بتاريخه الإمبراطوري وعراقة دولته… امبريالية اقليمية، أفرغت الثورة والاسلام وفلسطين من معانيهم، وصارت تتقدم بخطى ميليشياتها، بأنيابها الحقيقية ودموعها المزعومة. ولكن هل تنجح هذه الامبرالية الإقليمية؟ حتى لو “نجحت”…؟

(المدن)

السابق
هيلاري كلينتون تترشّح لانتخابات الرئاسة الأميركية
التالي
توصيات مؤتمر «اللغة العربية وتحديات البقاء»