سوق شعبيّة ومنتجات بدَل الكتاب وغياب دُور النشر البيروتية

في معرض طرابلس للكتاب.

احتضنت طرابلس منتصف الاسبوع الماضي نشاطات “معرض الكتاب الـ41” في معرض رشيد كرامي الدولي، وهو النشاط الثقافي الذي “تكافح” الرابطة الثقافية في المدينة بامكاناتها المتواضعة لاقامته كل سنة، رغم الظروف الصعبة التي مرت وتمر بها طرابلس، ولا تزال تداعياتها حاضرة بقوة على كل المستويات.

وشكل المعرض كعادته في كل سنة متنفسا لسكان طرابلس والجوار من الفئات العمرية كافة، اذ ان حجم الضغوط الحياتية التي يعيشها الطرابلسي تجعله في موضع المرحب بكل ما من شأنه ان يساعده في الانتقال من مرحلة التشاؤم والواقع الاليم الذي يظلل حياته منذ العام 2007، الى مرحلة جديدة قد يجد ضالته بها.
ولا شك في ان “المقاومة” السنوية لاقامة هذا المعرض وان بالحد الادنى من المشاركين يسجل للرابطة الثقافية والقيمين عليها، خصوصا بعدما صوّر بعض الاعلام الفيحاء على انها قندهار لبنان، فزرع في نفوس غير الطرابلسيين الرعب والخوف حتى بات التوجه الى طرابلس بالنسبة الى هؤلاء توجهاً الى عالم وحشي لا يفقهون التعامل معه على الاطلاق، مما حرم المدينة ما يسمى بلغة اهلها “الاجر الغريبة” فباتت وكأنها معزولة عن وطنها وحتى عن جوارها. والى اليوم لا تزال صورتها مشوشة لدى فئة كبرى من اللبنانيين ما يحول دون زيارتها، وهو السبب الاساس ايضا الذي دفع دور النشر البيروتية للاعتذار عن الحضور منذ بداية الحوادث الامنية حتى ايامنا هذه، مما جعل المعرض باهتا من الناحية الثقافية وميدانا للترفيه فقط.
فغياب دور النشر الوطنية واقتصار المشاركين على دور نشر ومكتبات طرابلسية (مؤسسة السيد علي الامين “لتعارفوا” وحدها التي تشارك من خارج الشمال في المعرض وللمرة الاولى مع انها ليست دار نشر وانما مؤسسة خاصة) افقد المعرض تنوعه وغزارته. ورغم ان مشاركة الدور المحلية والمكتبات ستنعكس عليها سلبا (خسارة مادية) نظرا لظهور اهتمامات اخرى لدى المواطنين ليس الكتاب من ضمنها، فانها تصر على المشاركة لانها تعتبر الحدث حدثها وجزءاً من تاريخها وهي معنية فيه ولا يمكنها الا الحضور.
الا ان كل ما حدث في المدينة لا يبرر ان يتحول معرض الكتاب الى ما يشبه صالات لعرض كل ما لا يمت الى المعرفة بصلة، فالكتاب الذي تبحث عنه في مساحة جغرافية كبيرة لن تجده الا عند دخولك من الباب الرئيس لدى عشر مكتبات مشاركة فقط وبعدها… تدخل في سوق شعبية وحده “فروج كلسينا ليس موجودا فيه” على حد تعبير الناشط عمر خضر، و”بائع اللبنة البلدية والجبنة” غير موجود ايضا كما كتب المخرج محمد طحان على صفحته الفايسبوكية.
هذه التوصيفات وان كانت تبدو مضحكة من زاوية فانها مؤلمة من زوايا عدة لانها تعطي صورة واضحة عن حال معرض الكتاب، وفي شكل أعم عن وضعنا العربي العام الذي بات في خصام شبه تام مع العلم والثقافة والمعرفة.
فالسؤال اين الكتاب؟ تتشاركه غالبية زوار المعرض، باعتبار ان الاخير يحمل عنوان “معرض الكتاب”، وعلى الارض لا يوجد سوى بائعي آلات التصوير والافلام وزينة المطبخ وما شابه ذلك من اعمال حرفية، وجمعيات من المجتمع المدني، مطلوب ابرازها والتسويق لها، لكن ليس في معرض لا يحمل اسمها.
لذا فان الرابطة الثقافية التي تقيم المعرض بـ”اللحم الحي” مدعوة لاعادة النظر في الاصرار على ابقاء التسمية كما هي “معرض الكتاب”، واظهار صورة مغايرة تماما للعنوان على ارض الواقع. فلماذا لا تقدم الرابطة على تغيير العنوان واستبداله مثلا بـ”معرض طرابلس السنوي او معرض الجمعيات والحرف اليدوية”؟ وتخصصه لعرض ما تشاء هذه الجمعيات، وتخصص اسبوعا سنويا او اكثر في شكل مستقل للكتاب، يتم التحضير له في شكل مدروس، بحيث يتم التواصل مجددا مع دور النشر العربية واللبنانية وتقديم التسهيلات اللازمة لها بهدف تشجيعها على المشاركة في طرابلس، خصوصا ان الوضع الامني في المدينة بات اكثر من ممتاز.
فهل تقدم الرابطة الثقافية على خطوة كهذه تعيد عبرها احياء الماضي الغابر الذي أدت فيه دورا اساسيا على مستوى لبنان؟ ام انه ليس في الامكان افضل مما كان؟

(النهار)

السابق
رجع الصدى بين نصرالله وخامنئي
التالي
من هي المرأة التي تقف وراء أناقة هؤلاء النجوم؟