داعش في اليرموك: قتال لمصلحة من؟

داعش في اليرموك
لم يكن ينقص مخيم اليرموك سيطرة داعش عليه لتصنيف وضعه بالمأساوي. الصورة الهوليودية التي تظهر الألوف وكأنهم خرجوا من الأجداث وسط الركام لتلقي مساعدات، العام الماضي، تعبر أكثر من كل الكلام عن حال المخيم.

ليس جديداً القول؛ إن المخيم ( مساحته 2 كلم مربع) محاصر من قبل النظام السوري منذ أيلول ما قبل الماضي، وإن سكانه؛ الباقي منهم 18 ألفاً، يموتون جوعاً ومرضاً. جرم هؤلاء أنهم تفاعلوا مع الثورة السورية واحتضنوا المتظاهرين بداية الثورة، ثم آووا المسلحين عندما تحولت الثورة إلى السلاح، فسلط عليهم النظام أبناء جلدتهم الذين اشتراهم وسمّنهم؛ “القيادة العامة” وأضرابها، بما في ذلك إسهام هؤلاء الفلسطينيين بحصار بني جلدتهم إلى جانب جيش النظام.

لقد بات معلوماً الآن سيطرة داعش على غالبية اليرموك، كما السرطان، بعد مبايعة عدد من المسلحين في المخيم ما يسمى “الدولة الإسلامية”، لا سيما مسلحي “جبهة النصرة”، وانضمام مجموعة الزعاطيط (يتبعون أحد قيادات فتح السابقين المكنى بالزعطوط)… وهكذا تكاثرت العناصر الداعشية الموجودة في المخيم، وآزرها آخرون دخلوا من منطقة الحجر الأسود جنوب اليرموك.

اللافت في الأمر أن العناصر المسلحة الأخرى؛ سواء داخل المخيم (جيش التحرير الفلسطيني – الصاعقة – العهدة العمرية – أحرار اليرموك…) أو خارجه (جيش الإسلام – شام الرسول – أبابيل حوران…) إما التزمت الحياد، أو أنها اكتفت بالدعم المعنوي، تاركة داعش في مواجهة الفصيل المحسوب على حماس في المخيم؛ “أكناف بيت المقدس” (نحو 200 مقاتل يقودهم محمد زغموت المرافق السابق لخالد مشعل).

النظام السوري هو المحرك والمستفيد على أقل تقدير لما يجري في مخيم اليرموك

بدأت إرهاصات سيطرة داعش بتكاثر عمليات الاغتيال التي طالت شخصيات متعددة، لكن القيادات الحمساوية كانت هي الأكثر استهدافاً. فشلت محاولة اغتيال نضال أبو العلا (مرافق سابق للقيادي الحمساوي موسى أبو مرزوق)، ونجحت عملية اغتيال يحيى حوراني (من قيادات حماس)، ثم بدأ الهجوم المباغت، والذي تمكنت داعش من خلاله بالسيطرة على 80% من اليرموك وحصر “الأكناف” في مربع صغير وضيق داخل المخيم المذكور.

مخيم اليرموك في سوريا

في الواقع؛ فإن ما جرى في مخيم اليرموك قبل أيام؛ يشبه إلى حد كبير ما جرى في مخيم نهر البارد في العام 2007؛ عندما صدّر النظام السوري إلى لبنان شاكر العبسي، فتسبب بدمار المخيم بالكامل. لم يأبه النظام السوري في سياق تسويقه لنفسه كمحارب للإرهاب أن يتسبب بأزمة أمنية وسياسية وإنسانية كبرى لفلسطينيي لبنان. كان همّ النظام السوري أن يقول للعالم إن لبنان تحوّل مرتعاً للجماعات التكفيرية وإن عودته إليه ضرورية، تماماً كما هو همّ النظام السوري اليوم أن يقول للعالم إن حصاره لمخيم اليرموك وتجويعه أهله مبرر، لأنه حاضنة للإرهاب، ثم يبرر لنفسه دك المخيم بالطائرات والبراميل المتفجرة، بعدما تكون داعش قد أجهزت على معارضيه في المخيم.

يبدو واضحاً الآن من مسار الأحداث في مخيم اليرموك أن النظام السوري هو المحرك لما يجري أو أنه المستفيد على أقل تقدير. سمح لداعش أن تتمدد تحت بصره، مفسحاً لها المجال لتأديب حماس التي يتهمها “بخيانته” لا سيما بعد دعمها “عاصفة الحزم” على الحوثيين. وأحكم الحصار على المخيم لخنق أكناف بيت المقدس الذين باتوا مخيرين بين الاستسلام لداعش لتحز رقابهم، أو الاستسلام له، ليعذبهم ألف مرة قبل أن يلفظوا أنفاسهم.

بدأت إرهاصات سيطرة داعش بتكاثر عمليات الاغتيال التي طالت شخصيات متعددة

أما دواعش هذا العالم، فقد أثبتوا مرة جديدة أنهم على نهج خوارج الزمن الماضي؛ ليس لأنهم يكفرون الناس ويستسهلون دماءهم- بمراجعة الصور التي نشرتها مواقع داعش؛ يظهر أنها مذيلة بعبارة “قتال المرتدين”، مع أن الذين يقاتلونهم ينتمون إلى تنظيم إسلامي منذ النشأة- وإنما لأنهم يقاتلون ويقتلون بشراسة وعبثية لا يمكن فهمها، وأن سلاحهم موجه بالدرجة الأولى إلى باقي الفصائل المعارضة، بما في ذلك الإسلاميون منهم.

ما يجري في مخيم اليرموك؛ ليس دليلاً لصالح حلفاء النظام السوري، من باب أن بشار الأسد يواجه متطرفين كما يدأبون على الترويج، وإنما هو دليل وعار عليهم، وبقطع النظر عن الجدال حول نشأة داعش، لأن الذي يجري هو حرب على الفلسطينيين ممن يغطي سوءته بالدفاع عن قضيتهم، ومتاجرة بدمائهم ومحاولة تصفية لفصيل كان بالأمس في نظرهم رمزاً للمقاومة!

السابق
تفجير ذخائر في محيط بلدة القنطرة
التالي
فتفت: لا تقدم في الحوار بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي