أجندة التعاون الأمريكي- الإيراني ما بعد الصفقة النووية

عندما كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري مشغولين على ما يبدو في محاولة التوصّل الى اتفاق نووي مع ايران، وبالرغم من انّ امكانية التوصل الى هذا اتفاق لم تكن مضمونة (لا تزال إمكانية فشله نظرياً على الأقل قائمة)، كان هناك من بدأ يفكّر في واشنطن في مرحلة ما بعد الاتفاق، محاولا ان يرسم أفق العلاقة المستقبلية بين الجانبين ومقدّما خارطة طريقة للتعاون المستقبلي الاقليمي.

في 15 يناير الماضي، نشر “مركز الأمن الأمريكي الجديد”، تقريراً مهماً عن التعاون مع إيران في مرحلة ما بعد الاتفاق الشامل. ويعرف عن المركز قربه من أوباما ولعبه دوراً مؤثراً في صناعة عدد من سياساته تجاه عدد من الملفات بالغة الحساسية، إضافة إلى كونه بمثابة خزّان لتصدير الكفاءات للعمل في مواقع مختلفة داخل إدارة أوباما وأيضاً لاستقبال عدد من المتقاعدين منها.

أعدّ التقرير مجموعة من الخبراء من بينهم “إلان جولدنبيرج” الذي شغل حتى نوفمبر من العام 2014 منصباً رفيعاً في وزارة الخارجية الأمريكية، وعمل سابقاً في مكتب وزير الدفاع للسياسة، وفي لجنة الشؤون الخارجية لمجلس الشيوخ مسؤولاً عن ملفات إسرائيل وإيران وسوريا والعراق، وكان كذلك في الفترة من 2009 وحتى 2012 مستشاراً خاص لشؤون الشرق الأوسط ورئيساً لفريق إيران في مكتب وكيل وزير الدفاع للسياسة.

تكمن أهمّية وخطورة التقرير في انأه يقترح مجموعة من التوصيات ويحدد مجالات التعاون مع إيران ليشكّل بذلك المدخل لما يبدو أنّها أجندة متكاملة للتحضير لتطبيع كامل للعلاقات مع طهران فيما بعد، خاصّة أنّ التقرير يؤكّد على أنّ اتفاقاً نووياً مع إيران سيوفّر فرصاً غير مسبوقة للتعاون بعد عقود من القطيعة بين الدولتين. لكن الأخطر كما يتبيّن من خلال التقرير هو اعترافه بالنفوذ الإيراني في بلدان كأفغانستان وسوريا والعراق، واستغلاله المشاكل الحاصلة هناك لا من أجل إقناع إيران بتغيير سياساتها أو لدفعها خارج هذا القوس وإنما لترسيخ التعاون معها.

يوصي التقرير أنّ تقوم الولايات المتّحدة بتحديد التعاون مع إيران بعد الصفقة الشاملة بشكل منظّم وأن تقوم بما يلي:
•    جعل الملف النووي محورياً وإبقاؤه في المقدمة.
•    الإبقاء على خطوط وقنوات التواصل التي تم إنشاؤها مع الإيرانيين خلال المحادثات النووية وجعلها رسمية وتوسيع نطاقها.
•    البدء بشكل صغير مع التركيز على القضايا الأقل ارتباطاً بالسياسة والأكثر ارتباطاً بالأمن كالأمن المائي وأفغانستان.
•    التركيز على مناطق ومواضيع يسيطر على سياساتها المعتدلون أو التكنوقراط في البلدين.
•    الحد من الانخراط الأولي في موضوع “داعش”.
•    اعتماد الشفافية مع الشركاء الإقليميين في اطلاعهم على الجهد الأمريكي لتحسين العلاقة مع إيران.
•    التأكيد للشركاء الإقليميين بأنّ مصالحهم مأخوذة بعين الاعتبار من خلال التعبير عن الإرادة الموجودة بتزويدهم بدعم عسكري إضافي.  (هذه النقطة والنقطة السابقة مثيرة للاستغراب على اعتبار أن الواقع يقول العكس وأنه لا توجد شفافية حقيقة ولا أحد يثق بهذه الإدارة الأمريكية، أضف إلى أنّ التركيز على بيع المعدات العسكرية خاصة للعرب لا ينطلق من اعتبار أمني بقدر ما هو تجاري)

كما يحدد التقرير مجالات التعاون مع إيران في المواضيع التالية:

1)    الأمن المائي: ويقترح التقرير لتفادي إمكانية حصول أي صدام عرضي أمريكي – إيراني في مياه الخليج أن يتم التفاوض على اتفاق (INCSEA) مشابه لذلك الذي تم بين أمريكا والاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة. أمّا إذا كانت هذه الخطوة طموحة أكثر من المأمول، فعلى الأقل أن يتم إنشاء خط ساخن، الأمر الذي من شأنه أن يؤسس لتواصل عسكري، وقواعد مشتركة في التعامل مع الأزمات.
بالإضافة إلى ذلك، يرى التقرير في مكافحة القرصنة البحرية مجالاً آخر محتملاً للتعاون الثنائي بين البلدين خاصة أن هناك مصلحة لكلاهما للحفاظ على تدفق الطاقة والتجارة من الشرق الأوسط إلى آسيا وأفريقيا والعالم.

2)    أفغانستان: يرى التقرير أن أفغانستان مجال مهم للتعاون بين إيران وأمريكا خاصة أنّ الأولى كانت قد ساعدت الولايات المتّحدة في الإطاحة بنظام طالبان وشاركت في مؤتمر “بون” الذي سهّل وصول كرازاي إلى الحكم. ويقول التقرير إنّ إيران تمتلك نفوذاً فعلياً مع الطاجيك والشيعة وتدعم قيادات سياسية وعسكرية أفغانية مختلفة، وأنّ هناك مصلحة أمريكية وإيرانية في عدم عودة طالبان وكذلك في تعزيز الاستقرار ومنع اندلاع حالة من الحرب الأهلية في البلاد. بالإضافة إلى ذلك يرى إمكانية التعاون في مجال مكافحة تهريب الهروين والحشيش من أفغانستان إلى إيران ومنها إلى العالم.

3)    العراق: يقول التقرير إنّ للولايات المتحدة وإيران مصالح متشابكة في العراق تتمثل في عدم انهياره وتجنب الحرب الأهلية وهزيمة “داعش”، وتحقيق هذه الأهداف يتطلب جهوداً مشتركة قصيرة وطويلة الأجل.

4)    سوريا: يذكر التقرير أنّ هناك بعض المساحات التي تمثّل مصالح مشتركة لدى الطرفين من الممكن العمل عليها، ويضيف بأنّ خطر “داعش” على سبيل المثال يمثل فرصة جيدة لتخفيف النزاع مع إيران وربما التعاون لاحقاً، وأنّه يمكن للطرفين أن يدفعا باتجاه إنهاء الصراع في سوريا عبر الضغط باتجاه إيقاف القتال، وإنشاء هدن محليّة والدفع باتجاه انتقال سياسي.

(السورية ن)

السابق
كيم كارداشيان تضطر لإستئصال الرحم.. والسبب؟
التالي
مشاهدة الرجال وهم يمارسون الرياضة لم يعد محظوراً في ايران