حركة «أحرار الشام» أقوى فصائل المعارضة بعد اندماجها مع «صقور الشام»

كتب عمر كايد في “الحياة”: لم يكن خبر اندماج ألوية «صقور الشام» بـ «أحرار الشام» مفاجئاً ولا خروجاً عن السياق. لا شك أن هذه الخطوة ستعيد رسم الخريطة العسكرية للمعارضة السورية على الأرض، وستكون لها انعكاسات ميدانية كبيرة ستفصح عنها الأسابيع والأشهر المقبلة. فمن الواضح أن حركة «أحرار الشام الإسلامية»، باتت أقوى فصائل المعارضة بعد اندماج ألوية «صقور الشام»، التنظيم البارز والوازن في ريف إدلب، معها. التقديرات تشير إلى أن عدد عناصرها يقدّر الآن بخمسة وعشرين ألفاً. وقد أثبتت التجارب الميدانية أن عناصرها مدربون ومنظمون، وتحظى باحترام واسع من فصائل المعارضة الأخرى، فلطالما لعبت دور المصلح والوسيط حين تندلع الاشتباكات بين بعض المجموعات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا حدث هذا الاندماج في هذا التوقيت؟ وما هي العوامل التي دفعت باتجاه توحيد هذين الفصيلين البارزين؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات يمكن رصد عدد من التطورات المحلية والإقليمية والدولية، أبرزها:

1- تجنّب المواجهة مع «جبهة النصرة»: يقول أحد قادة صقور الشام: «إن علاقتنا بجبهة النصرة ليست على ما يرام. نحن لا نأمن جانبهم. صحيح أننا في الفترة الأخيرة تجنّبنا الصدام معهم. لكن الاشتباكات بيننا قد تتجدد في أي وقت. كثر من الناس في ريف إدلب لا يوافقون على تصرفاتهم. وقد خرجت تظاهرات عدة للأهالي تطالبهم بالخروج من قراهم وبلداتهم. النصرة تسعى الى الهيمنة وفرض سلطتها على القرى والبلدات. إن اندماجنا بأحرار الشام يهدف إلى قطع الطريق على النصرة. نحن لا نخشاهم، لكننا لا نريد أن نستنزف طاقاتنا، ونخسر شبابنا في معارك جانبية، فكلا الطرفين خاسر، معركتنا هي مع النظام. إن توحدنا مع أحرار الشام سيجعلنا الطرف الأقوى في إدلب وحلب، وسنرسي بذلك توازنات جديدة، تطمئن الناس، وتزيد من قوتنا في مواجهة داعش من جهة والنظام والإيرانيين من جهة أخرى». وإن مثل هذه الخطوة ستغري فصائل أخرى تخشى من سطوة النصرة، بالانضمام إلى حركة أحرار الشام.

2- تراجع مستوى الدعم لألوية صقور الشام: منذ بدء الحرب على «داعش»، تركز دعم إحدى الدول الإقليمية على حركة أحرار الشام في شكل كبير. في المقابل، تقلص الدعم كثيراً عن حركة صقور الشام بسبب انكفاء الجهة الإقليمية التي كانت تدعمها. ولعل اندماج صقور الشام بالأحرار كان شرطاً أساسياً، كي تتبناها الجهة التي تدعم حركة أحرار الشام.

3- الحضور القوي لأحرار الشام على معظم الجبهات في سورية: أثبتت حركة أحرار الشام أنها من أقوى الفصائل المسلّحة على الأرض، وتحظى بتأييد جماهيري وشعبي واسع، وأظهرت تماسكاً تنظيمياً كبيراً، على رغم الضربة القوية التي تعرضت لها في أيلول الماضي باغتيال عشرات من قياداتها، وعلى رأسهم حسان عبود. كما أنها استطاعت في الآونة الأخيرة تحقيق انتصارات عدة، منها السيطرة على معسكري وادي الضيف والحامدية في ريف إدلب، والتصدي ومن معها من فصائل المعارضة للهجوم الكبير والمباغت الذي شنّه النظام السوري و «حزب الله» في الريف الشمالي لحلب.

4- تفكّك الجبهة الإسلامية: لم يكتب لهذه المحاولة النجاح، فالتنسيق لم يترجم عملياً على أرض الواقع، وظل التعاون بين كتائبها وألويتها إعلامياً فقط. كما سجل اندلاع مواجهات عدة بين بعض مكوّناتها. ويضاف إلى ذلك، سعي عدد من هذه الفصائل إلى التواصل مع قيادات في فصائل أخرى لإقناعهم بأن ينضموا إليها. وقد جرت عمليات تصفية لبعض المنشقين عن أحد هذه الفصائل، كما حدث مع أبو خالد الجبل قائد سرايا خالد بن الوليد في القلمون، حين انشق عن جيش الإسلام، وبدا من خلال علاقته الوطيدة مع قيادات في أحرار الشام أنه يسعى الى الانضمام إليهم، فكان مصيره القتل على أبواب يبرود برصاص مجهولين. أصابع الاتهام تتجه إلى جيش الإسلام. يؤكد أحد قيادات الجبهة الإسلامية أيضاً، أن من الأسباب الأساسية التي أفشلت تجربة الجبهة الإسلامية، هو اختلاف رؤى الجهات الإقليمية الداعمة وتصوراتها للصراع الدائر في سورية.

5- تعديل في المقاربة الإقليمية والدولية لما يجري في سورية: أظهرت التطورات الميدانية الأخيرة، أنه لا يمكن تجاوز القوى الإسلامية كأحرار الشام والنصرة. فمعظم عناصرهما سوريون، وتسيطران على مساحات واسعة، وخبرتهما القتالية كبيرة. كما أثبتت المواجهات أن فصائل المعارضة المعتدلة، وفي مقدمها «جبهة ثوار سورية» وحركة «حزم»، لا يمكن التعويل عليها، إذ إنها لم تستطع الصمود جولة واحدة أمام جبهة النصرة، فكيف ستتمكن من هزيمة «داعش» بإمكاناته الهائلة؟!

أمام هذه المعطيات، نجحت أنقرة في إقناع الولايات المتحدة بأن تعاظم المخاطر الداعشية والإيرانية يقضي بضرورة الاستعانة بالكتائب الإسلامية ولو موقتاً، لإحداث التوازن الميداني على الأرض، وبأن أي محاولة لاستبعادها ستؤدي إلى إضعاف المعارضة واستنزافها وانشغالها بمعارك جانبية. في هذا السياق، يأتي اندماج «صقور الشام» بقيادة أبو عيسى الشيخ، بحركة «أحرار الشام» بقيادة هاشم الشيخ، في محاولة من أنقرة لإعادة ترتيب أوراق المعارضة. وفي هذا الإطار أيضاً، يصبّ ما تسرب من اجتماعات مع قيادات «النصرة» لإقناعهم بفك ارتباطهم بـ «القاعدة» وحلّ التنظيم والانضمام إلى الأحرار.

ربما لم تنجح محاولات أنقرة في دفع «النصرة» الى الانفصال عن «القاعدة» حتى الآن، لكن من المرجح أن المرحلة المقبلة ستشهد اندماجات جديدة بين فصائل معارضة أخرى، ولا سيما في إدلب وحلب، وقد لا يكون مفاجئاً الإعلان عن جبهة موحدة بين الأحرار والجبهة الشامية بعد أشهر، وربما مع النصرة في وقت لاحق.

السابق
شهادات من تكريت: إعدامات انتقامية وسحل جثث في الشوارع
التالي
هكذا فشلت إيران في تحقيق نجاح يكرّس نفوذها الإقليمي