الفطام السعودي

نديم قطيش

تعلن “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية في اليمن ضمن تحالف يضم تسع دول زائد باكستان، انتهاء حقبة في تاريخ المنطقة وبداية اخرى. ليس هذا من باب المبالغة. منطق “عاصفة الحزم” بما هي قرار أمن قومي سعودي وتفاهم استراتيجي إقليمي، ينتقل بدول المنطقة وعلاقاتها وحراكها الى ما بعد “عاصفة الصحراء” بما هي الترجمة العملية لاستراتيجية الحماية الاميركية لأمن الخليج.

لم يكن الانتقال سهلاً. موسم الفطام العربي عن الحماية الاميركية المباشرة مر بمرحلة انتقالية شابها الخوف والارتباك واهتزاز الثقة بالنفس في مقابل فائض حيوية ايرانية وشهية مفتوحة لتثبيت اختلال التوازن لصالحها. مر وقت طويل نسبياً حتى رسخ في ذهن صانع القرار الخليجي ان عنوان “القيادة من الخلف” الذي رفعته ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما يعني ما يعنيه حرفياً، وان زمن التدخل الاميركي المباشر حتى لحماية اقرب الحلفاء بات من ماضي الإقليم وعلاقاته. ثم جاءت الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك لتفاقم من ارتباك صانع القرار الخليجي الذي رأى بأم عينه ان واشنطن لن تتدخل لإنقاذ حليف استراتيجي اذا انتفض في وجهه ما يكفي من الناس.

عليه كانت السنوات القليلة الماضية هي ذروة التمدد الايراني في المنطقة وبدا لوهلة ان نفوذ نظام الملالي قدر المشرق والخليج. الا انه وبموازاة الخوف والارتباك الخليجي كانت المملكة العربية السعودية تتمرن على خطواتها الاولى خارج منطقة الحماية الاميركية. الدخول الى البحرين، من دون إعلام واشنطن التي كان وزير دفاعها بوب غايتس، قبل ساعات، يجتمع الى الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، كان اول هذه الخطوات التي توجت بعملية “عاصفة الحزم” في اليمن.
وبين ما تعلن عملية اليمن انتهاءه ايضاً، هي الحقبة الايرانية التي افتتحت العام ٢٠٠٣ بسقوط نظام صدام حسين في العراق، متبوعاً باخطاء أميركية فادحة في ادارة ما بعد الحرب، وانكفاء خليجي خطير شكل احد أفدح الأخطاء الاستراتيجية العربية وسمح لطهران باللعب في ساحة خالية، بل والتمترس في هذه الساحة واستنساخ الفراغ العربي والسني فيها في أماكن اخرى والاستثمار في الخلافات الخليجية الى ابعد الحدود. وما نعلمه اليوم من مجريات المحكمة الخاصة بلبنان وتوجيه الاتهام الى ستة من عناصر وكوادر وقادة حزب الله ان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يأتي في هذا السياق الاستراتيجي لافراغ المشرق من القوى السنية الفاعلة وضرب مرتكزات النفوذ الخليجي في المنطقة.

شريط الأحداث يطول. من حرب العام ٢٠٠٦ وضرب ثورة الأرز وصولا الى محاولات استتباع اليمن والإمساك بأمن البحر الأحمر، مروراً باحتلال بيروت رمزيا وسياسيا وترويض قرارها السياسي بل واستخدام الاغتيال السياسي فيها كاداة للترويض وفتح أبواب الحل السياسي مع دمشق بما يمهد لإعادة تأهيل للنظام، وهي الخطوة التي كادت ان تنجح عام ٢٠٠٩ الى ان ثار السوريون في وجه الاسد!

رويدا رويدا ستدخل هذه الوقائع كتب التاريخ. عاصفة الحزم تعلن عن بدء زمن عربي جديد، ليس من بين أهدافه اعلان الحرب على ايران بل إعادة التوازن معها الى طبيعته، وهو التوازن الذي اختل بفعل ضعف العرب، واستضعاف أنفسهم اكثر منه بفعل قوة ايران، التي يعتريها الكثير من الانتفاخ ويغطي زيفها اللغو والخطب الرنانة!

(المدن)

السابق
لإنجاب طفل ذكي ومبدع إليك هذه الطرق
التالي
الصعوبات التعلّمية عند الذكور.. سلوكية