«النصرة» تسلّم مخيم اليرموك إلى «داعش»

عبد الله سليمان علي

فشلت جميع الوعود ومشاريع المبادرات في إيجاد حل لأزمة مخيم اليرموك، التي تكاد تكمل عامها الثالث.
لكن وعود «إخوة المنهج» ومشاريع «البيعات» المرتقبة نجحت في دفع المخيم وأهله من على حافة الهاوية لتسقطهما في قلب الهاوية، حيث يقبع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» بانتظارهما.
هكذا، وفي خطوة مباغتة، اقتحم مسلحو «داعش» مخيم اليرموك، معلنين دخول معاناته إلى مرحلة جديدة، سيكون فيها للاعتبارات الأمنية والعسكرية الأولوية القصوى على الاعتبارات الإنسانية التي طالما صبغت أزمته بطابعها.
واقتحم المئات من مسلحي «الدولة الإسلامية»، بقيادة أبو همام الخابوري، صباح أمس مخيم اليرموك، قادمين من بلدة الحجر الأسود الملاصقة له، وتمكنوا من السيطرة سريعاً على بعض أحياء المخيم، وخاصة في الجهتين الجنوبية والجنوبية الغربية، أي المحاذية للحجر الأسود، مثل شارع الـ15 والثلاثين والمغاربة وشارع صفد، وذلك بعد اشتباكات عنيفة مع عناصر من تنظيم «أكناف بيت المقدس» الذين فوجئوا بالعملية، ولم يستوعبوا ما حدث إلا بعد عدة ساعات كانت كافية كي يتغلغل «داعش» خلالها في الأحياء، وصولاً إلى دوار فلسطين، حيث أقام حاجزاً هناك لمنع وصول الإمدادات إلى «الأكناف».
ومن شأن هذه التطورات أن تفرض تحديات أمنية وعسكرية في أكثر من اتجاه، لأنه إذا استتب الأمر لـ «داعش» في مخيم اليرموك، وتمكن من تثبيت سيطرته عليه، فسيجعله ذلك أقرب فصيل مسلح إلى دمشق، بمسافة لا تزيد عن سبعة كيلومترات، الأمر الذي قد يشكل تهديداً لأمن العاصمة إن لم يكن عاجلاً فآجلاً. ومن جهة أخرى، فإن تزايد قوة «داعش»، نتيجة انضمام مقاتلي الفصائل المهزومة إليه، قد يشكل خطراً على المصالحات في الريف الجنوبي، وهي بالأصل مصالحات هشة.
ولم يكن اقتحام مخيم اليرموك بالأمر المستبعد. لأنه منذ بدأ «داعش» منتصف العام الماضي، بتجميع عناصره في بلدة الحجر الأسود الملاصقة له، جراء اضطرارهم إلى الانسحاب من مناطق جنوب دمشق التي دخلت في مصالحة مع الجيش السوري، كان حلم اقتحام مخيم اليرموك يراود قيادته بإلحاح شديد، كونه المنفذ الوحيد الذي يمكن أن يتسللوا إليه وسط الحصار المطبق الذي يفرضه الجيش السوري على الحجر الأسود. ولم يكن ما يشكل مانعاً أمام هذه الرغبة، أن مخيم اليرموك نفسه يعاني من الحصار. لأن من شأن تحقيق الاتصال بين الحجر الأسود ومخيم اليرموك منح مسلحي «الدولة الإسلامية» هامشاً أوسع في الحركة والمناورة.
لكنّ الأمر الذي شكل مفاجأة، هو تواطؤ عناصر «جبهة النصرة» مع مسلحي «داعش»، والسماح لهم بالتسلل إلى المخيم من جهة مستشفى فلسطين وجهة شارع الـ15، لينقضوا على حلفائهم بالأمس من عناصر «أكناف بيت المقدس» وباقي الفصائل الأخرى.
وليس واضحاً بعد السبب الحقيقي الذي دفع بعض قيادات «جبهة النصرة» في المخيم إلى اتخاذ هذا القرار، الذي هو أشبه بقرار الانشقاق عن جماعتهم والتمهيد لإعلان مبايعتهم للتنظيم الذي طالما حاربوه. لكن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن اتصالات مكثفة جرت، خلال الفترة الماضية، بين بعض قيادات «جبهة النصرة» التي انسحبت من بيت سحم إلى الحجر الأسود، وربطتها علاقات وثيقة مع قيادات «داعش» هناك، وزملائهم في مخيم اليرموك. وتمخضت هذه الاتصالات عن اتفاق هؤلاء على الصفقة السرية التي جرى تنفيذها صباح أمس. وأشار مصدر مقرب من هذه القيادات إلى أن حالة اليأس التي وصلت إليها هذه القيادات، بعد الانسحاب المهين من بيت سحم، كانت من العوامل التي دفعتهم إلى التقرب من قيادة «داعش»، بعدما شعروا بأن قيادتهم تخلت عنهم وجعلتهم عرضة للسخرية.
ولم يكن موعد تنفيذ الاتفاق محدداً مسبقاً، غير أن اغتيال القيادي يحيى حوراني قبل ثلاثة أيام، وتوجيه الاتهام إلى «داعش» باغتياله سرّع من موعد التنفيذ، خاصة أن المجتمعين وصلتهم معلومات مؤكدة أن «أكناف بيت المقدس»، التي ينتمي إليها حوراني، تخطط لمهاجمة معاقل «الدولة الإسلامية» في الحجر الأسود رداً على مقتله، وبدأت ذلك باقتحام منازل أحد «أمراء داعش» والاعتداء على أهله. فما كان منهم إلا تسريع التنفيذ، وتحديد ساعة الصفر لإتمام صفقة الاستلام والتسليم في ما بينهم.
وقضى الاتفاق أن يقوم عناصر «جبهة النصرة» في المخيم بتسليم مواقعهم ومراكزهم إلى مسلحي «داعش» من دون أي قتال. وهذا ما حدث بالفعل. وكان من أهم المواقع التي جرى تسليمها تلك الواقعة بالقرب من جامع فلسطين، بالإضافة إلى مواقع أخرى. وهي ليست المرة الأولى التي يسيطر فيها «داعش» على بعض المناطق بمساعدة «إخوة المنهج»، فقد حدث مثل ذلك في البوكمال في دير الزور في حزيران الماضي.
لكن بالرغم من تواطؤ قسم من «جبهة النصرة» ووقوف القسم الآخر على الحياد، فإن طريق السيطرة على المخيم لن يكون معبداً بالكامل أمام مسلحي «داعش»، بل ستعترضه عقبات كثيرة، خاصةً بعد التعزيزات التي أرسلها «لواء أبابيل حوران» من بيت سحم، للوقوف إلى جانب «أكناف بيت المقدس» في تصديهم للهجوم. كما أنه ستكون بانتظاره حرب عصابات طويلة، يسعى خصومه من خلالها إلى استنزافه وإنهاكه، كما توعد أبو العلا القيادي في «أكناف بيت المقدس».
وقد بقيت الاشتباكات مستمرة حتى وقت متأخر من مساء أمس، وسط تضارب في الأنباء عن نتيجتها، إذ بينما كانت مصادر «الدولة الإسلامية» الإعلامية تعلن سيطرته على أكثر من 70 في المئة من المخيم، كان خصومه يؤكدون استرجاعهم بعض النقاط التي جرى تسليمها إليه، ولا سيما المراكز القريبة من جامع فلسطين.
من جهة ثانية، أعلنت «جبهة النصرة» سيطرتها على معبر نصيب الحدودي مع الأردن. وبثت حسابات الجبهة على مواقع التواصل صوراً تظهر سيطرة المسلحين على النقطة الحدودية، التي أغلقتها السلطات الأردنية وسحبت الموظفين المدنيين وعناصر الجمارك قبل بدء الاشتباكات. ويعد هذا الهجوم الثاني من نوعه على المعبر، حيث كان لافتاً مشاركة الفصائل ذاتها التي شاركت في المعركة السابقة، والتي توقفت اثر خلافات على إدارة النقطة الحدودية بين مجموعات «تحالف صقور الجنوب». وتبسط «جبهة النصرة» سيطرتها على معبر الجمرك القديم القريب من البوابة الحدودية.
وأعلن زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني، في رسالة صوتية، أن الجبهة ستحكم ادلب «طبقا لأحكام الشريعة»، معتبرا أنها لا تريد الاستئثار بالسلطة هناك.
وقال «أيها المسلمون إن ريح النصر التي هبت على أرض الشام تثبت للجميع أن السعي خلف الغرب ودول الإقليم لتحقيق النصر لهو سعي خلف السراب، فإن النصر وعز الإسلام لن يعود على أيدي القتلة المجرمين. إن النصر يتوثق باجتماع أهل السنة». وحث الناس على العودة إلى العمل بمن فيهم الذين يشرفون على الخدمات الأساسية.

(السفير)

السابق
أنجلينا جولي غيّرت إسمها وهذا اسمها الجديد
التالي
عناصر من «القاعدة» يقتحمون سجناً في المكلا في اليمن