الممانعة كرواية بوليسية

الممانعة

وقائع غريبة تجري في ظل “الصعود” الإيراني وعلى ضفافه. وقائع ليست في متن هذا الصعود، لكنها متصلة به.

رستم غزالي في المستشفى بعد لكمة على وجهه من ضابط سوري آخر رداً على إحراقه منزله ليمنع تحويله الى محمية للحرس الثوري الإيراني، على ما ذكرت إحدى الروايات.

وفي الوقت الذي يُرسل فيه الجنرال ميشال عون، في خطوة شديدة الغرابة، أطباء لمعالجة غزالي، يُطل وئام وهاب ليكشف “أن وضع غزالي الصحي ميؤوس منه، لكن نظام بشار الأسد شديد التماسك”.

اغتيال مسؤول في “حماس” في دمشق، في مناطق سيطرة النظام، والحركة تُصدر بياناً تتهم فيه متآمرين، ولا تشير فيه إلى اسرائيل. حصل الاغتيال في ظل تقارب مستجد، وإن حذر، بين حماس وطهران.

تلفزيون “نيو تي في” يعلن عصياناً على “حزب الله”، ونجل الأمين لعام لـ”حزب الله” جواد حسن نصر الله يطالب تحسين خياط بإقفال “دكانه”، ويقول إن مديرة الأخبار في تلفزيون خياط تتقاضى راتبين، ويترك لنا أن نستنتج أنه يعني أنها تتقاضى راتباً من قطر وراتباً من الحزب.

تحسين خياط أطل عبر محطته في مقابلة استعادتها “أل بي سي” وقال إن قطر شريكة في قناته الفضائية وهي لم تكف يوماً عن كونها شريكة فيها، وأنها كانت وما زالت مخلصة في علاقتها بالمحطة! علماً أنه ذات يوم ليس ببعيد، وفي ذروة التمويل القطري لـ”نيو تي في” كان الإقتراب من قطر علامة خيانة كبرى، فسميت “الجزيرة” بـ”الخنزيرة”، وأُحرقت الصورة العملاقة لأمير قطر التي كانت تحتل كل قلب ممانعاتي خافق.

فوضى هائلة تسببت لنا بها هذه الوقائع الصغيرة. لماذا ضُرِب رستم غزالي ضرباً مُبرحاً؟ وميشال عون حين أرسل له الأطباء، هل كان يريد له الشفاء فعلاً؟ ثم ماذا عن وئام وهاب؟ ماذا عنى بتصريحه أن وضع الرجل ميؤوس منه؟ هل صحيح أننا في مرحلة صعود إيران وتحولها امبراطورية؟

السياق الروائي لهذه الوقائع يؤشر إلى محنة وإلى اضطراب كبير، لكن الامبراطورية في صعودها لا تقيم وزناً لهذا التهافت.

لا بأس. ثمة مزيد من الوقائع كشفتها مقابلة صاحب محطة “نيو تي في”. ففي التقرير الذي حمل المقابلة، كُشف عن أن “حزب الله” ضغط لتلزيم خياط طباعة الكتب المدرسية في لبنان، وهو ما أثمر تمويلاً للمحطة. جرى ذلك في الوقت الذي كانت فيه قطر تتولى تمويلها أيضاً على ما قال خياط.

وفي التقرير أيضاً أن خياط كان يسعى للفوز بطباعة الكتب المدرسية في سورية. جرى ذلك أيضاً في وقت كانت حرب ضروس تقع بين خياط ورستم غزالي، وهذا ما لا يخفيه خياط، وإن لم يُشر إليه تقرير “أل بي سي”.

وما لم يُشر إليه التقرير أيضاً في سياق عرض العلاقة بين خياط وبين “حزب الله”، هو أنه في ذروة التحالف بين المحطة وبين الحزب كانت لصاحبها مصالح مشابهة مع حكومة البحرين أيضاً، وهذه المصالح لم تكن جزءاً من الحسبة بين الحليفين، في وقت كانت الممانعة تسأل كل من انحاز إلى الثورة في سورية عن أسباب ضربه صمتاً عن البحرين. وكان من الطبيعي أن يُعفى خياط من هذا السؤال، كونه لم يسقط في الانحياز إلى الثورة السورية.

وإلى جانب هذه الوقائع هناك مشاهد. بشرى الأسد، شقيقة الرئيس السوري حين قررت مغادرة دمشق اختارت دبي للإقامة فيها، ولم تختر طهران ولا موسكو.

نوري المالكي، نائب الرئيس العراقي زار لبنان زيارة رسمية واقتصرت لقاءاته على مسؤولين شيعة، وهو كان اعتبر بشار الأسد حامياً لمقام السيدة زينب بعد أن كان اعتبره في العام 2007 “يزيد العصر”.

هذه مشاهد وليست وقائع، ذاك أن الوقائع تصلح لأن تكون سياقاً، والسياق إلى سياسة. ونحن هنا حيال رواية بوليسية، ولسنا حيال سياسة.

المصدر: ناو

السابق
توقيف قصاباً يذبح أبقاراً مصابة بالسرطان
التالي
ذبح فقمة حامل في الروشة