أحزاب لبنان «الدولية»

تفتقر الحياة السياسية اللبنانية للكثير من المقومات والأسس التي يمكن ان تبنى عليها، عادة، المشاركة السياسية. ولعل أبرزها قانون ينظم العلاقات بين الأحزاب والتنظيمات السياسية وبين السلطة، وهي التي تندرج تحت مسمى الجمعيات بحسب القانون المعمول به، والعائد الى فترة الحكم العثماني للبنان في العام 1909. رجعية القانون وقدمه أضفيا الكثير من الضبابية على التعامل الحزبي والانتساب، مثل “فلتان” التمويل الحزبي سواء خلال الانتخابات أو حتى لجهة توثيق الحسابات المالية للأحزاب.

لكن بالاضافة إلى ذلك، تأخذ هذه الأحزاب الحياة السياسية الى منحى آخر، وهو استعمال أسماء لا ترتبط في كثير من الأحيان بواقعها، وهو ما ظهر واضحاً خلال الحرب الأهلية. حيث ان النزاع المسلح خلال سنوات الحرب، خلع رداء المدنية والعلمانية عن كثير من الأحزاب، فظهرت بوجهها الطائفي، الذي لا تزال تحاول اخفاءه حتى يومنا هذا. لكن المستغرب استمرار تمسك الأحزاب بأسمائها، هذه، وانضمامها الى منظمات حزبية دولية، نشأت بفعل وحدة الايديولوجية، رغم عدم توافق واقعها مع مبادىء هذه المنظمات.

انتساب الأحزاب اللبنانية دولياً، يأتي أحياناً في سياق البحث عن دعم سياسي وديبلوماسي، وتطوير العلاقات بينها وبين المجتمع الدولي، وينطبق هذا الأمر على مختلف التنظيمات. الا ان عوامل هذا الانتساب تختلف، اذ يندرج بعضها تحت خانة فكرية، وبعضها الآخر كان اضطرارياً، خصوصاً في فترة الحرب أو خلال حرب المحاور الدولية. والحق يقال ان الأحزاب الدينية لا تغالط نفسها عند دخولها في منظمات دولية، بينما تقع أحزاب أخرى، تعرف نفسها بأنها يسارية، في هذا الفخ.
“اشتراكي اقطاعي”!
أخذت الأحزاب اليسارية اللبنانية بالتوجهات العالمية بعيد الثورة البولشفية، والتي تعددت بين الأشتراكية الأممية والشيوعية والديمقراطية الاجتماعية. الحزب الشيوعي اللبناني، وهو يعتبر بأنه الممثل الرسمي لليسار اللبناني وخصوصا بعد تهاوي القوى اليسارية خلال الحرب الأهلية، انضم بعد سنوات قليلة من تأسيسه لما يسمى بالـ”كومنترن”، الذي كان يضم الأحزاب الشيوعية في العالم. بالرغم من حل “الكومنترن” في عهد الرئيس السوفياتي ستالين الا ان الحزب الشيوعي استمر في مسيرة الالتحاق الفكري كما العملي بمركزية الحزب الشيوعي السوفياتي، وهو الأمر الذي انتهى في العام 1990 عند انهيار الاتحاد السوفياتي.

على الورق يتشارك الحزب التقدمي الاشتراكي مع الحزب الشيوعي في مسيرة اليسار اللبناني، وهو ما يعتبر مغايراً للواقع الحالي للحزب. فرغم تبنيه هذه القضية في سنين نشأته الأولى الا ان الحرب الأهلية اعادت اليه الطابع الطائفي الدرزي. لكن الحزب الاشتراكي لا يزال عضواً في منظمة الاشتراكية الأممية، ويشارك في مؤتمراتها الاقليمية أو في الكونغرس المركزي. الغريب ليس الانتساب بحد ذاته، بل عدم تلاقي السياسة الاقتصادية للحزب مع مبادئ المنظمة الداعية الى اشتراكية أممية مقوماتها تحكم الشعب بقطاعات الانتاج. هذا بالاضافة الى أمور عديدة أخرى، منها التنظيم الداخلي الذي شرّع الزعامة العائلية أكثر منه ديمقراطية الاختيار.

وهذا ما ينطبق أيضاً على ما يشبه القطاعات الشبابية عند الحزبين، فيشارك اتحاد الشباب الديمقراطي المقرب من الحزب الشيوعي في اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي. كما تنضوي منظمة الشباب الاشتراكي تحت مظلة الاتحاد الدولي للشباب الاشتراكي.

في المقابل، ورغم اعتماده سياسة اقتصادية قاسية بحق المواطنين واقرب الى النيوليبرالية منها الى الليبرالية، فإن تيار المستقبل لا يزال عضواً في المنظمة الليبرالية الدولية، والتي كان حزب الوطنيين الأحرار منتسباً اليها قبيل الحرب الأهلية، وشُطبت عضويته عند اشتراكه عسكرياً في النزاع.
القوات وحزب الله.. دولياً
يصبح الوضع أكثر وضوحاً عند الكلام عن الأحزاب الدينية، اسلامية كانت بأفكارها أم تلك المنتمية الى ايديولوجيا ما يعرف باليمين المسيحي. في هذا السياق، لا يختلف اثنان على ارتباط حزب الله بما يسمى بمحور الممانعة، والذي يعد اقوى واكثر تأثيراً من اي منظمة دولية حزبية. هذا ناهيك عن اعتماده سياسة دينية قوامها مبدأ ولاية الفقيه المرتبط بمرشد الثورة الاسلامية في ايران. وهو الأمر الذي تتشابه فيه الى حد بعيد الجماعة الاسلامية في لبنان، فبالرغم من ابتعادها سياسياً أحياناً عن رابطة الاخوان المسلمين العالمية وفروعها في الشرق الأوسط بالتحديد، الا انها عند تأسيسها كانت فرعاً مهماً لها.

حديثا وبعد صياغة القانون الداخلي لها، واقرار الدستور الداخلي والورقة السياسية، انضمت القوات اللبنانية منذ اشهر قليلة الى الاتحاد الديمقراطي الدولي. الاتحاد هو تكتل مؤلف من الأحزاب المحافظة وتلك الديمقراطية المسيحية، ولعل أبرز اعضائه الحزب الجمهوري الأميركي.

بالاضافة الى ما ذكر، تأخذ بعض الأحزاب البعد القومي في ارتباطاتها الدولية. ومن أبرز الأمثلة حزب الطاشناق الأرمني المنضم تلقائياً، منذ تأسيسه، الى الاتحاد الثوري الأرمني أو ما يعرف حديثاً باسم حزب الطاشناق الدولي. وفي مكان آخر، تلتقي حركة أمل وبشكل غريب مع مؤسسة فريدريك البرت ستيفتانغ الألمانية، والمشهورة بدعمها لجمعيات المجتمع المدني في لبنان، حيث يدرج الموقع الرسمي للمؤسسة حركة أمل كأحد شركائها في لبنان.

ورغم اختلاف أسباب التحاق الأحزاب اللبنانية بمنظمات عالمية، تبقى الفائدة من ذلك تقوية ارتباط لبنان بالمجتمع الدولي من جهة، ومحاولة لتحسين الواقع السياسي الحزبي من جهة أخرى. الأمر الذي يتطلب اما اعتمادها الشفافية في انتسابها أو العودة الى مبادئها الأصلية، وهو ما يعد مستحيلاً في ظل التكريس الطائفي في أفعالها. هنا ورغم معارضة الكثيرين لمواقفها، لا يمكن نكران ان القوات اللبنانية بانتسابها الجريء تتعامل بشفافية مطلقة مع ورقتها السياسية ومحازبيها.
(المدن)

السابق
كيف ادخلت 500 مومس آسيوية الى كندا؟
التالي
زحلة لم تتغيّر منذ العام 1981