عام على إقرار «العنف الأسري»: قانون يغيّر حياة عائلات

يأتي الصوت عبر الهاتف متقطعا، مختنقا. كانت سوزان (اسم مستعار) السيدة الأربعينية تبكي. قالت إنها قبل أربعة أشهر ولدت «من جديد». الولادة، ولادتها، جاءت على يد أحد القضاة/ القاضيات، الذي أصدر قراراً بحمايتها من زوجها، بعد 16 عاماً على تعرضها لأسوأ أنواع العنف الأسري مع أطفالها.

إلى تعنيفها الجسدي باستمرار، كان زوجها يأخذ راتبها بالقوة. في إحدى المرات اشترت له حزاماً جلدياً من راتبها. قام بضربها به لأنها تصرفت بخمسين ألف ليرة، ثمن الهدية، من مدخولها دون علمه.

بعد صدور القانون الرقم 293 في 1 نيسان 2014، تحت عنوان «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري»، شاهدت سوزان برنامجاً تلفزيونياً في إطار حملة «كفى عنفاً واستغلالاً». سجلت أرقام الهاتف المدونة في أسفل الشاشة، وتوجهت في اليوم التالي إلى جمعية «كفى»، حيث اطلعت على القانون والحماية التي يوفرها لها ولأولادها.

بعد أيام، بدأ الزوج موجة جديدة من تعنيفها. ضربها بشدّة كما في كل مرة، لكنها حملت ولديها (8 و13 سنة) قبيل منتصف الليل وتوجهت إلى أقرب مخفر. تقول سوزان «كل شيء تغير». قبل القانون لم يكن مخفر الدرك يستقبلها بالطريقة نفسها: «كانوا لا يأخذون شكواي على محمل الجد». يومها، عندما وصلت مع أطفالها، قام رقيب المخفر بمنحهم أغطية وشراباً ساخناً، واستمع إلى قصتها وقام بما يلزم.

لكن الأهم، تمثل في إصدار القضاء قراراً بحمايتها بعدما تقدمت بشكوى، بمساعدة قانونية من «كفى». اجتهدت القاضية زلفا الحسن، ومددت قرار حمايتها مع أطفالها لمدة ستة أشهر إثر متابعة وضعها عبر اختصاصية اجتماعية. قرار الحماية قضى بإخراج الزوج من المنزل وإبقاء سوزان وأطفالها وحماتها (والدة زوجها) فيه.

«لقد غيّر القانون وقرار الحماية حياتي»، تقول سوزان، «أنا اليوم إنسانة أعيش بكرامتي»، تؤكد بعدما انتفضت على العنف الذي كانت تعانيه، وعادت إلى عملها لتعيل نفسها «لا أريد منه شيئا.. لا آخذ منه سوى نفقة لإعالة الأولاد». تقول سوزان إن العنف الذي مارسه زوجها ترك أثره بابنها البكر: «كان عمره نحو عشر سنوات. عمد إلى شراء سكين وتخبئته بين أغراضه. قال لي عندما وجدت السكين إنه يريد قتل والده ليمنعه من ضربي طوال الوقت».

تقول مسؤولة الوحدة القانونية في «كفى» ليلى عواضة إنه لم يمضِ أسبوعان على نشر قانون العنف الأسري حتى أصدرت النيابة العامة في بيروت (بشخص القاضي بلال ضناوي) إشارتها بإحدى شكاوى العنف الأسري.

وتلقى قاضي الأمور المستعجلة القاضي جاد معلوف تدابير النيابة العامة وأصدر قرار الحماية الأول لسيدة معنفة بعد مرور 48 ساعة من توقيف زوجها، المدعى عليه. اعتبر قرار معلوف بداية مثالية لتطبيق القانون الرقم 293، ونموذجاً للتعاون بين النيابات العامة والقضاء المستعجل.

اجتهاد قضائي

في قراءته كيفية تعاطي القضاء مع تطبيق قانون العنف الأسري، يشير المحامي نزار صاغية إلى أن بعض القضاة، وقرار القاضي معلوف نموذجاً، «فتحوا الباب واسعاً للاجتهاد في شأن تعريف العنف الممارس ضد النساء وتجريمه، ولم يعد يقتصر على الحالات التي حددها القانون، بل شمل حالات العنف المبرر بالتقاليد والممارسة ومنه منع المرأة من الخروج من المنزل، أو الاحتفاظ بأوراقها الثبوتية وأغراضها وممتلكاتها وابتزازها بأولادها».

هنا، وفق صاغية، تجاوز القضاة الحاجز القانوني الذي وضعه المشرّع عبر التغيير في نص المادة الأولى التي عرّفت العنف في مشروع القانون الذي قدمته «كفى» وكان يشمل «أي شيء يؤدي إلى معاناة المرأة ووقوع الضرر عليها».

وعدّل النواب في تعريف العنف بعدما تذرعوا بأن توسيع التعريف من شأنه مفاقمة الخلافات ضمن العائلة، وبالتالي حصروه بجرائم الإيذاء والتهديد والزنى والتشغيل في الدعارة واستبعدوا العنف المعنوي. واعترض يومها على تجريم العنف المعنوي معظم المراجع الدينية بذريعة تهديد استقرار الأسر.

ويعتبر العنف المعنوي محمي تقليدياً، وعليه جاءت حماية النساء قضائيا «لتشمل حمايتها من التقاليد التمييزية»، وفق صاغية. يتوقف الأخير عند «التواصل بين المجتمع المدني والقضاء، وهو ما انعكس إيجاباً على التعاون بين القضاة ومجتمعهم».

ويسجل للقضاة، وفق صاغية، تخطيهم ربط حماية أطفال الأم المعنفة معها بسن الحضانة «إذ اعتبروا طفل المراة المعنفة، ولمجرد أنه شاهد على تعنيف أمه، مهدداً بالعنف، وبالتالي من الواجب حمايته».

ويرى صاغية في ذلك «درساً أساسياً يبين مدى قدرة الحراك المجتمعي على توليد وعي وتفاعل عند القضاة، وهو ما يسمح بتطوير القوانين بمعزل عن الإرادة السياسية، إذ يأتي القانون نتيجة تطور تفاعلي بين المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والقضاة». ويرى صاغية أن جهود المجتمع المدني مع القضاة وعبر قرارات الحماية «ولدت نظاماً عاماً في موضوع حماية الأسرة التي كانت خاضعة لهيمنة القوانين الطائفية». وعليه، أصبحت سلامة المرأة وحمايتها خطاً أحمر وملزمة للطوائف حتى. وكرس هذا الأمر، ما يسميه صاغية «النظام العام الذي تحدثت عنه المادة التاسعة من الدستور التي أعطت صلاحيات للطوائف ولكن بما لا يتعارض مع النظام العام».

تطبيق القانون

تلفت عواضة الانتباه إلى أنه تم العمل لتطبيق القانون على صعد متابعة الشكاوى عبر «كفى»، رصد قرارات الحماية الصادرة عن القضاء ومتابعة إجراءاتها، ورصد حالات العنف المعلن عنها، التوعية على كيفية الإفادة من القانون إلى حين تعديله، ومتابعة الرجال المعنفين بناء على قرارات القضاء.

وبالإضافة إلى حماية النساء اللواتي يلجأن إلى القضاء، أشارت عواضة إلى أن «بعض القضاة يرفعون سقف الحماية إلى حين البت بأصل العلاقة الزوجية». فعلى سبيل المثال، لا يمكن للنساء من الطائفة الشيعية الحصول على الطلاق إلا بموافقة الزوج، وعليه أصدر القاضي حسن حمدان قرار حماية ساري المفعول إلى حين البت بأصل العلاقة الزوجية، لتأمين استمرار حماية المرأة المعنفة.

وتلاحظ عواضة أنه مع تطبيق القانون «تراجعت الحاجة إلى تأمين مراكز إيواء للنساء، حيث ينص قرار الحماية على بقاء المرأة في المنزل وإخراج الزوج المعنف منه، كما تفرض نفقة تمكّن النساء من تدبير أمورهن.

وانعكس القانون تشجيعاً للنساء المعنفات لطلب المساعدة، وفق عواضه، حيث لجأت إلى «كفى» 524 امرأة معنفة جديدة بعد صدور القانون في العام 2014 وحده. وفي أحد الأيام طلبت المساعدة 12 امرأة.

(السفير)

السابق
بالفيديو: هذه اللحظات الاخيرة لاحد ركاب الطائرة الالمانية المنكوبة
التالي
بالفيديو..جويل حاتم: كنت حاملًا خلال الخطوبة