بعيداً من أول نيسان… الكذب والصحّة «لا يلتقيان»

مهما تعدّدت أنواعه وأشكاله وأسبابه، يبقى الكذب الأبيض أو الأسود أو الصغير أو الكبير… كذباً! ومن منّا لم يكذب يوماً في حياته لعدم جرح مشاعر الأشخاص الذين يحبّهم (قصّة شعرك رائعة!)، أو عدم إثارة غضب شخص معيّن (كذب الإبن على والده عندما يسأله إذا كان قد أنهى فروضه المدرسية)، أو محاولة الهرب من موقف غير محبّب (الكذب على صديق عندما يطلب الخروج لشرب القهوة والتحجّج بالمرض أو الانشغال)، أو لأسباب خاطئة وغير وجيهة؟

أبرز الآثار السلبيّة

وفي حين أنّ معظمنا لا يعاني وسواس الكذب، إلّا أنّ هذه الأكاذيب الصغيرة تغيّر نمط سلوكنا والأخطر أنها ترتبط مباشرةً بصحّتنا. وبما أنّ اليوم يُصادف «كذبة أول نيسان»، أو ما يُعرف بالـ«Poisson d’Avril» أو «April Fools»، كان لا بدّ من تسليط الضوء على انعكاسات الكذب السلبيّة على الصحّة، وفي ما يلي أهمّها:

– زيادة التوتر: توصّلت الدراسات إلى وجود رابط قويّ بين الكذب المتكرّر وزيادة خطر التعرّض للعصبيّة، والكآبة، والتوتر. وما هو معلوم أنّ الإجهاد يُضعف المناعة، ويؤثّر في الشهيّة، ويسبّب التعب، والغضب، وأوجاع الرأس، وارتفاع ضغط الدم الذي بدوره يعزّز خطر أمراض القلب.

– نقص المناعة: لا شكّ في أنّ الضحك يشكّل أفضل علاج على الإطلاق! فالأفكار السعيدة تنتج هورمون الأندورفين الذي يضمن الشعور بحالٍ جيّدة وأيضاً يدعم أداء الجهاز المناعي. أمّا الكذب فيضع صاحبه في دائرة القلق والتفكير في الأكاذيب، الأمر الذي يقلّص إنتاج الأندورفين وفرصة الإفادة من منافعه على المناعة.

– الأرق: البحث عن طريقة للتخلّص من الأكاذيب التي يختلقها الإنسان ستُبقيه يقظاً طوال الليل. إنّ الكذب يجعل عمليّة النوم أكثر صعوبة وقد يؤدي أيضاً إلى كوابيس مُزعجة. يُشار إلى أنّ قلّة النوم قد رُبطت بمشكلات صحّية جدّية كالكآبة، وزيادة الوزن، وأمراض القلب والسكّري وأوجاع الرأس.

– اضطرابات الجهاز الهضمي: يمكن للكذب أن يؤدي إلى مشكلات عدّة تُطاول المعدة، والغثيان، وفقدان الشهيّة، ومتلازمة القولون العصبي، والأكل الناتج من التوتر واضطرابات الأكل الأخرى.

– تحفيز السرطان: في حين أنْ لا دراسات قد ربطت مباشرة الكذب بالسرطان، لكن ما هو معلوم وجود علاقة بين التوتر وبعض أنواع هذا المرض. وبما أنّ تفادي الكذب يؤدي إلى تجنّب التوتر، فهذا بدوره يُبعد «الشبح القاتل» ويجعل الحياة أكثر مُتعة.

انخفاض الشكاوى

وفي دراسة أجرتها أستاذة علم النفس في جامعة نوتردام في ولاية إنديانا الأميركية، أنيتا كالي، خضع 110 أشخاص تراوح أعمارهم بين 18 و71 عاماً لاختبار كشف الكذب وفحوص طبية ونفسيّة لتقويم الأكاذيب الصغيرة والكبيرة التي قالوها على مدى أسبوع، لمدة 10 أسابيع.

وقال الباحثون لنصف المشاركين إنّ عليهم تجنّب الكذب على أيّ شخص مهما كان السبب، وإنّ بإمكانهم إخفاء حقيقة أو رفض الإجابة عن سؤال والمحافظة على سرّية بعض الأمور، لكن يجب عدم قول أيّ شيء يعرفون أنه غير صحيح. ومن جهة أخرى، لم يتم توجيه أيّ من هذه الإرشادات إلى النصف الآخر.

وخلال مدّة الدراسة تبيّن وجود صلة بين الحدّ من الكذب وتحسّن الصحّة لدى المجموعة التي تلقّت تعليمات بعدم الكذب. وعندما انخفض عدد الأكاذيب التي قالها أفراد تلك المجموعة عن الأسابيع السابقة، قلّت شكواهم من المتاعب النفسيّة (التوتر والاكتئاب) بمقدار أربع مرات، ومن المتاعب الجسدية (التهاب الحلق والصداع) بمقدار ثلاث مرات في المتوسط.

وقد أفادت أدلّة من أبحاث سابقة أنّ معدل متوسط الكذب لدى الأميركيين يبلغ 11 كذبة في الأسبوع. وفي هذا السِياق، لفتت أنيتا كالي إلى أنّ «متوسط معدل الكذب لدى أفراد المجموعة التي تلقّت تعليمات بعدم الكذب انخفض إلى كذبة واحدة في الأسبوع. وقد تبيّن أنّ ذلك ساهم في تحسين صحّتهم البدنية والعقلية بشكلٍ كبير».

ولفت أستاذ علم النفس في جامعة ماساتشوستس في أمهرست، روبرت فيلدمان، إلى أنّ «حثّ الناس على أن يكونوا أكثر صدقاً هدفٌ يستحقّ العناء، وهو من دون شكّ سيجعل صحّتنا جميعاً أفضل خصوصاً على الصعيد النفسيّ».

ومن جهته، أفاد الطبيب الأميركي العالمي، د. محمد أوز، بأنّ «إحدى الدراسات قد أظهرت أّنّ الأشخاص الذين قالوا أقلّ من ثلاث أكاذيب بيضاء في الأسبوع كانوا أقلّ عرضة للتوتر أو الحزن مقارنةً بنظرائهم الذين ارتكبوا نحو عشر أكاذيب في الأسبوع. وإلى جانب انخفاض أوجاع الرأس والتهابات الحلق والعصبيّة، تبيّن أنّ قول الحقيقة يقلّص هورمون التوتر المعروف بالكورتيزول، وبالتالي تقليل الالتهابات التي تُلحق الضرر بالأوعية الدموية والقلب».

في التأنّي… الصحّة!

إذاً، بدءاً من اليوم يجب «العدّ للعشرة» قبل البوح بأيّ كذبة مهما بلغ حجمها! فالاعتراف بالحقيقة سيُبقي الإنسان بعيداً من التوتر، والقلق، والكآبة، والصداع، والآلام. وفي المقابل سيحصّن جهازه المناعي، ويُشعره براحة داخليّة لا مثيل لها وقوّة جبّارة تُخوِّله مواجهة كلّ شيء بِلا أدنى خوف!
…وأخيراً، لا علاقة لـ «صحة» هذه المعلومات بأول نيسان.

(الجمهورية)

السابق
الحوثيون «فاعل عاقل»؟
التالي
«الأولمبي» ينهي مشواره «المخيّب» بقيادة جيانيني!