السنيورة من أبو ظبي: لتكوين موقف عربي يعيد للعرب احترامهم لأنفسهم ولدى غيرهم

فؤاد السنيورة

اعلن رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة إن “ما نأمله من هذا الموقف العربي المستجد والمتمثل بعاصفة الحزم في اليمن ان يشكل الخطوة العملية الأولى في موقف عربي يخرج الأمة من حال التقاعس والتواكل ويوقف حالة الانحدار العربية”.

اضاف “هناك حاجة ماسة لتكوين موقف عربي بما يعيد للعرب احترامهم بداية لأنفسهم ولدى غيرهم ويستعيد بموجبه المواطنون العرب بعض الأمل في المستقبل، ويعيد إليهم احترام العالم لهم ولقضاياهم”.

واعتبر السنيورة إن “ما نأمله من هذا الموقف العربي المستجد والمتمثل بعاصفة الحزم في اليمن ان يشكل الخطوة العملية الأولى في موقف عربي يخرج الأمة من حال التقاعس والتواكل ويوقف حالة الانحدار العربية”.

وقال: “إن التقدم على مسار إيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي – الإسرائيلي من خلال العمل على إنشاء دولة فلسطينية موحدة وسيدة قابلة للحياة أمر في منتهى الأهمية ولا يكون ذلك إلا من خلال إعادة تفعيل المبادرة العربية للسلام”.

وتابع: “يجب أن تعطى الأولوية اليوم لتثقيل الوزن العربي وإيجاد التوازن الاستراتيجي الذي يؤدي في المحصلة إلى عدم السماح للدول الكبرى والدول الاقليمية الأخرى استخدام منطقتنا العربية لتحقيق مآربها ولإيصال الرسائل عبرها أو لابتزاز بعضها بعضا”.

المؤتمر ال20 لمركز الامارات للدراسات
تحدث السنيورة في افتتاح المؤتمر ال20 لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوان: “الشرق الاوسط: تحولات الأدوار والمصالح والتحالفات”، في ابو ظبي. وجاء في كلمته:”صاحب الرعاية، صاحب السمو، الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إنه “ليسعدني أن أكون معكم في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الذي بات من أبرز المراكز البحثية والاستراتيجية في المنطقة بسبب منهجه وموضوعيته في تناوله للقضايا المؤثرة في المنطقة والعالم. ويتضح ذلك من خلال إصدارات المركز الدورية ونشاطاته ومؤتمراته، واهتمامات القيمين عليه، وفي طليعتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وباقي المسؤولين في دولة الإمارات، والدكتور جمال سند السويدي مدير المركز”.

اضاف: “الحقيقة التي يجب قولها، أن تجربة الإمارات العربية المتحدة كتجربة وحدوية عربية منذ قيامها على يد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، هي قصة نجاح تقوم انطلاقا من مبدأ، أن العود الواحد ضعيف وقابل للانكسار لكن اجتماع العيدان واتحادها يصبح قوة، والليونة تتحول تماسكا وقدرة على الصمود، والتأقلم مع العصر. وكما يقول الشاعر العربي:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا”.

وتابع: “هذا هو درس الإمارات العربية المتحدة لنا في العالم العربي، درس تحويل الضعف الى قوة، ودرس القبول بالتنوع ضمن الوحدة، والاعتراف بالآخر ودوره وحقوقه، كما والانفتاح على عالم العصر وعصر العالم مع الاحتفاظ بالشخصية الوطنية والقرار المستقل والنظرة الرؤيوية الى الأمام”.

وقال: “إن عنوان مؤتمركم: الشرق الاوسط: تحولات الأدوار والمصالح والتحالفات، هو في الحقيقة عنوان مناسب وتعبير صادق عن واقع الحال الذي تعيشه منطقتنا في هذه المرحلة بالذات، حيث يسود التراجع ويسيطر الغموض وتنقلب الأدوار وتتبدل التحالفات. وينكفئ أحيانا دور اللاعبين الدوليين عن المنطقة، فيما يتنامى بالمقابل دور الفاعلين الإقليميين. ويحتدم بالتالي الصراع على النفوذ والسيطرة، ويكون من نتيجة ذلك زيادة حدة اللاإستقرار من خلال تفاعل العوامل المحركة للصراعات والنزاعات في النظام الدولي وكذلك في المنطقة، وهي النزاعات التي لم تعد جيوسياسية أو قومية أو اقتصادية فحسب وإنما أصبحت تأخذ أبعادا حضارية ودينية وطائفية ومذهبية. ومما يزيد الأمور تعقيدا وتشابكا تصاعد دور الفاعلين من غير الدول، كبعض التنظيمات والجماعات وتشابك دورها مع مصالح وأهداف قوى اقليمية ودولية”.

وتابع: “الحقيقة أن هناك غموضا يلف مستقبل عدد من الأنظمة والبلدان العربية، في وقت انهارت فيه جدران الخوف والصمت مع انهيار حواجز الزمان والمكان بسبب ما حملته معها ثورة الاتصالات. كل ذلك وسط غموض يحيط بإمكان نجاح ديمقراطيات موجودة أو ظهرت أو قد تظهر. وغموض كذلك في استمرار بعض الحدود السياسية التي يعود تكوينها إلى مرحلتي نهاية الحرب العالمية الأولى أو الثانية. وغموض في كيفية ظهور التنظيمات المتطرفة كتنظيم داعش وكيف تمكن من أن يطيح خلال أسابيع بالحدود السياسية التي تفصل بين بلدين. وغموض حول مستقبل العلاقات الأميركية – الإيرانية، وتأثيراتها على منطقتي المشرق العربي والخليج. وغموض حول مستقبل احتمالات السلام الإسرائيلي – الفلسطيني ولا سيما بعد الفوز الأخير لليكود في الانتخابات النيابية الإسرائيلية من جهة ونجاح القائمة العربية فيها ولأول مرة منذ النكبة من جهة ثانية. وغموض في كيفية مواجهة العرب لهذا كله، وضرورة أن تكون لديهم استراتيجية واضحة لمواجهة الأخطار الناتجة عن الخلل أو الخواء الاستراتيجي في المنطقة، وقدرتهم على ترقب الفرص وحساب الإمكانات لمواجهة هذا الكم الكبير من المتغيرات والتحولات”.

وقال: “وسط هذا الغموض والتحولات ما يزال التعامل في بلداننا العربية مع مفاهيم أساسية مثل الحفاظ على الأمن الجماعي Collective Security وتعظيم المصالح المشتركة Common Interest قاصرا وضعيفا، في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة لذلك وحيث نجحت التجربة الأوروبية في التعامل مع هذه المفاهيم وتطويرها وتعميقها”.

وتابع: “فوق كل هذا الغموض السياسي والأمني، يأتي الغموض الاقتصادي والاجتماعي مع انكشاف اكثر دولنا العربية على المخاطر الاجتماعية والأمنية والسياسية والثقافية المتزايدة التي تحملها هذه التحولات. غموض لا يسمح لنا بتقدير ما سيكون عليه مسار أسعار النفط وحصة السوق العربية مع تقدم تكنولوجيا النفط الصخري والاكتشافات الإفريقية، وآثار ذلك على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في كل من الدول العربية المنتجة للنفط والغاز وإيران وكذلك في الدول الأخرى المستوردة لهما”.

وقال: “إن دروس التاريخ قد علَّمتنا ضرورة استخلاص الدروس المستفادة من التجارب ومن التحولات. وعلَّمتنا الحرص على عدم فقدان الرؤية الشمولية للمتغيرات الكلية على صعيد منطقتنا أو العالم لصالح الانغماس أو الضياع في التفاصيل والجزئيات. وبالتالي أهمية الحرص على عدم فقدان البوصلة لمعرفة الاتجاه الصحيح في تعاملنا مع التحولات الحاصلة”.

وتابع: “لننعم النظر من حولنا في العالم العربي ولنستعد في ذهننا كم من مرة كان اهتمامنا ينحرف عما ينبغي أن يكون عليه. وكم من مرة كان يتم تغليب التناقضات الثانوية على التناقضات الأساسية. وكم من مرة جرى وضع الأولويات على الرف وتحول الانشغال عنها إلى أمور غير مهمة أو غير منتجة أو مشتتة للجهد والانتباه”.

اضاف “الحقيقة أنه في خضم هذه الصدمات والمتغيرات وما يكتنفها من مصاعب وعراقيل تبرز أهمية العودة إلى الأساسيات في الملمات وأهمية التمسك بها والاهتداء بها للولوج إلى قضايا المستقبل باقتدار”.

وقال: “من المفيد في ضوء هذه الصورة المشوشة وقبل أن نستعرض القوى والعوامل الفاعلة في الشرق الأوسط اليوم، أن ننظر إلى كيفية تحول الأدوار والمصالح والتحالفات، وهو الواقع الذي أوصل المنطقة العربية بأسرها إلى التراجع وبالتالي إلى المخاض الهائل الذي تشهده شعوبنا ودولنا العربية اليوم”.

وتابع: “على عكس البدء التقليدي بسقوط فلسطين في أيدي الصهاينة، وقيام دولة إسرائيل عام 1948 وما نتج عن ذلك من صدمات وإشكالات وحروب ومآسي، أريد البدء بالمحرِّك الأقرب وهو الغزو الأميركي للعراق عام 2003. فقد كانت هذه الفاجعة هي العامل الذي ضرب النظام الإقليمي في منطقة المشرق العربي بحيث تمت إزاحة الدور التاريخي للعراق كدولة عربية قوية حاجزة بين الداخل الآسيوي والبحر المتوسط، وقائمة على شط العرب، وبر الخليج وبحره. ولقد كانت لذلك تداعيا حتى بشأن مصائر القضية الفلسطينية. وأنا لا أتحدث هنا عن العدوان على العراق واستعماره، بل أتحدث عما ادعاه الأميركيون أنهم إنما يقومون بعملية بناء الدولة هناك State Building. والذي حصل أنهم لم يغيروا نظام الحكم الذي كان قائما، كما فعلوا في اليابان وألمانيا مثلا، بل هدَّموا الدولة العراقية القائمة منذ العام 1920. وعندما خرجوا من البلاد (2010- 2011)، كانت في العراق حرب أهلية غير معلنة ساهموا في إيقادها وتأجيجها. وكانت القوات العسكرية والأمنية الجديدة مكون من طرف واحد. وكان إقليم كردستان شبه مستقل لولا المناطق المتنازع عليها. وكان الإيرانيون يحكمون سيطرتهم على مفاصل الكيان الجديد بواسطة أنصارهم من السياسيين والميليشيات. والحاضر البارز أن قوى التطرف التي قاتلت الأميركيين، كان قد صار لها موطئ قدم من الطبعتين الثانية والثالثة للقاعدة. والخطير أخيرا أنه صارت للميليشيات المتطرفة وظيفة داخلية مدَّعاة تتعدى مقاومة الأميركيين الغزاة، وهي حماية أهل السنة وحقوقهم من التغول المذهبي والإيراني، بإقامة الدولة القاتلة باسم الإسلام كما صار معروفا عن داعش اليوم، بل من أيام الزرقاوي عام 2005 و2006”.

وقال: “لا يمكن تجاهل تداعيات السطوة الإيرانية في العراق على سورية ولبنان وتفاقم التدخل الإيراني في المنطقة العربية من خلال محاولة اختطاف القضية الفلسطينية، وكذلك خطف قضية الدفاع عن الإسلام وفرض الغلبة في العراق ومحاولات الغلبة في كل من سورية ولبنان واليمن. ولقد تجلَّى ذلك من خلال ما اعتمدته إيران من سياسات وأدوات لتصدير الثورة وابتداع مفهوم ديني وطائفي ومذهبي جديد، أو توسيع نطاقه من خلال ولاية الفقيه العابرة للحدود الوطنية، وتداعيات ذلك كله على النسيج الوطني في عدة بلدان عربية وإسلامية. وأيضا تداعيات كل ذلك على فلسطين قضية ونضالا وأرضا”.

وتابع: “ففي العام 2007 وبمساعدة إيران والنظام السوري استولت حماس على غزة، وأحدثت شرخا وانقساما عميقا في العمل الوطني والنضالي الفلسطيني بما صب في صالح العدو الإسرائيلي الذي كان يسعى لفصل الضفة عن القطاع. وفي العام 2007 حاول النظام السوري إقامة إمارة إسلامية بطرابلس بشمال لبنان عبر استيلاء المنظمة المسماة فتح الإسلام على مخيم نهر البارد، وهي المنظمة التي كان النظام السوري وراء إنشائها وتسهيل قدومها إلى لبنان وسيطرتها على المخيم المذكور. وفي العام 2008 استولى حزب الله على مدينة بيروت مما أحدث شرخا وانقساما إضافيا وتشنجا عميقا في لبنان وزاد من حدة الانقسام السني – الشيعي الخطير”.

اضاف: “وعندما قامت الثورة بسورية على نظام الأسد عام 2011 تداعى حزب الله بلبنان، وميليشيات نظام نوري المالكي لمساعدة الأسد على إخماد ثورة الشعب السوري بأمر إيراني. وما يزال الأمر على هذا النحو منذ أربع سنوات. وفي العام 2014، كما نعلم، استولى متطرفو داعش على محافظتين سوريتين، ثم اجتاحوا الأنبار وديالى وصولا إلى صلاح الدين والموصل بالعراق في سرعة مستغربة ومشبوهة المقاصد والأهداف”.

وقال السنيورة: “في العام 2014 ذاته، وفي الوقت نفسه تقريبا اجتاح الحوثيون بعد صعدة عمران وصنعاء ومأدب والحديدة، وهم كانوا ما يزالون يحاولون الاستيلاء على تعز ومحافظات وسط اليمن وشرقه وجنوبه وعدن”.

وسأل: “ماذا لدينا الآن فيما يمكن الحديث عنه وتقدير عوامله وآثاره في تحولات الادوار والمصالح والتحالفات؟، فهناك أولا إسرائيل التي لا تزال تحتل أراضي عربية وتمنع قيام الدولة الفلسطينية، وتعمل بشكل مباشر وغير مباشر ومن خلال جيشها وأيضا أجهزة مخابراتها على زيادة حدة التوترات والانقسامات في المنطقة من أجل تنفيذ مخططها القاضي بتصفية القضية الفلسطينية برمتها وإغراق المنطقة العربية في حروبٍ ونزاعات وانقسامات طائفية ومذهبية لا تنتهي كما هو حاصل الآن وكذلك فرض سيطرتها على منطقة المشرق العربي، وهذه المخاطر مرشحة للزيادة مع فوز الليكود الأخير”.

اضاف: “هناك ثانيا إيران ذات اليد الثقيلة في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين، والإيرانيون يتباهون بسيطرتهم على عواصم هذه الدول. وهي يد مخرِّبة ومفسدة ومدمرة. فالتخريب ينال من المؤسسات والبنى الدولتية، والإفساد يتمثل في تفكيك المجتمعات على أساس مذهبي وإثني، والتدمير يؤدي إلى إلهاب الصراعات والتسبب بالحروب والتقويض الهمجي للانسان وللتاريخ وللحضارة والعمران”.

وتابع: “هناك ثالثا تركيا التي تملك شبكة تحالفات هامة على صعيد المنطقة ولها مصالح عديدة وهي تسعى دائما لأن تلعب دورا هاما في النطاق الاستراتيجي، وذلك منذ أن قررت الالتفات جنوبا بعد أن تعذر انضمامها الى الاتحاد الاوروبي”.

اضاف: “وهناك رابعا الولايات المتحدة التي يتبين يوما بعد يوم أن ارتباك سياساتها وانسحابها من المنطقة وقولها بأنها تريد أن تتفرغ إلى اهتماماتها في منطقة الشرق الأقصى ومن ثم عودتها الملتبسة الآن أدت عن قصد وعن غير قصد إلى زيادة حدة التوترات الطائفية والمذهبية وأسهمت في ظهور وتشدد قوى التطرف وفي المحصلة في تقوية الحلف الذي تقوده إيران في المنطقة”.
وتابع: “وهناك خامسا روسيا ذات الموقف الملتبس. فمن جهة كان إصرارها على موقفها من الأزمة السورية أحد اسباب استمرار القتل والدمار الذي ينزله النظام السوري بسوريا واستمرار هول المأساة التي يعاني منها الشعب السوري حتى يومنا هذا. وكل ذلك بدعوى الحفاظ على الاستقرار في المنطقة. ولكن ما تقوله روسيا لجهة رغبتها بدعم قوى الاعتدال في مواجهة التطرف لا يتفق مع ما تتخذه من سياسات ومواقف تصب في تعميق الانقسامات في المنطقة، وان كان يسجل لها انفتاحها اللافت مؤخرا على مصر وسعيها لتعزيز الروابط معها. وبذلك فإن التواصل معها مفيد لأنه يمكن ربما أن يسهم في تحسين فرص استعادة الاستقرار للمنطقة”.

اضاف: “وهناك سادسا الحركات الأصولية الإسلامية المتشددة واستشراء الجهاديات باسم الإسلام، تارة بحجة مقاومة الاستيلاء الإيراني والميليشيات الشيعية المرتبطة به، وطورا لإقامة الدولة الإسلامية الشرعية، وهي الحركات المشبوهة والمدمرة والتي يلتبس علينا فهم طبيعة نشوئها ومن يحركها، وما هو الدور الذي لعبه الفاعلون المحليون والإقليميون والدوليون في تعبئة بعض من تلك الجماعات المتمحورة حول القاعدة أو المتفرعة عنها في إنشاء داعش وغض النظر عنها، كما فعل النظام السوري قبلا في حالة منظمة فتح الاسلام في لبنان. ثم إنها المنظمات التي أفضت في محصلة الأمر إلى تشويه الانتفاضة السورية وشرذمتها وكذلك تشويه صورة الإسلام”.

وقال: “هناك سابعا قوى الاعتدال العربي والتي يشكل التحالف بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة ومصر من جهة أخرى عمودها، وهي تضم أيضا الأردن والمغرب ومرشحة لأن تستقطب آخرين. لقد كان هناك تنسيق مفيد بين هذه الدول العربية المستقرة في السنوات الأخيرة. وقد تجلى ذلك أخيرا بوضوح في مبادرة عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية من أجل سلامة اليمن واستقراره وصون هويته ودولته والتي يمكن أن تشكل منعطفا نحو إنهاء حال الاستضعاف والتراجع العربي”.

اضاف: “في ضوء هذا الاستعراض للقوى المتحالفة والمتصارعة على الساحات الساخنة في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وإلى حد أقل مصر والبحرين، وحيث تختلف في كل ساحة طبيعة التحالفات والهواجس، قد يختلط الأمر على الكثيرين مما يدفعهم إلى الظن أن جوهر المشكلة في المنطقة قد أصبح الصراع بين السنة والشيعة وهو الأمر الذي يجب ان نحرص على أن لا ننساق إليه والذي يجري استغلاله وتأجيجه لمآرب سياسية أو قومية. أو أنه صراع بين الفرس والعرب الذي من الممكن تحويله إلى تعاون وتكامل على قواعد الأمن الجماعي Collective Security والمصالح المشتركة Common Interest والاحترام الكامل لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. أو هو صراع بين العرب والإسرائيليين الذي يمكن التصدي له من طريق التقدم نحو حل الدولتين المتجاورتين على قواعد المبادرة العربية للسلام”.

وقال: “هذه المسائل والقضايا الشائكة تظل في حقيقة الأمر في صلب القضايا الواجب إيجاد الحلول لها، والتي ينبغي التأكيد عليها وتوفير الارادة الحاسمة والمصممة لذلك. هذا في الوقت الذي يجب أيضا العمل على إبراز الصراع الآخر وهو الصراع بين قوى الاعتدال التي تؤمن بفكرة الدولة المدنية التي تحترم التنوع والعيش المشترك وحقوق الإنسان وحيث يتساوى جميع أبنائها في الحقوق والواجبات وتعمل من أجلها من جهة، وبين قوى التطرف بجميع أشكالها والتي تؤمن بنوع آخر من الدولة يكون أساسها إقحام الدين أو المذهب، وعلى غير حقيقتهما، في الدولة سواء أكانت يهودية أم دولة الخلافة أم دولة الولي الفقيه والتي يكون بنتيجتها إفساد الدين وإفساد الدولة”.

وتابع: “إذا أدركنا هذا الواقع ووافقنا على هذا التشخيص للمشكلات التي نواجهها ندرك أن قوى الاعتدال في المنطقة تواجه حقيقة قوى التطرف والإرهاب، التي وإن كان يبدو أن هذه الأخيرة تتصارع مع بعضها بعضا في بعض الساحات إنما هي في الواقع ومن خلال تصارعها تغذي وتؤبد بعضها بعضا. في ضوء ذلك ولتحقيق الفوز في هذا الصراع يجب ان يتركز العمل على تعزيز قوى الاعتدال من جهة أولى والعمل على إعادة بناء التوازن الاستراتيجي الذي اختل في المنطقة من جهة ثانية”.

وقال: “هنا اسمحوا لي أن أقول بوضوح إن العرب والمسلمين المعتدلين هم وحدهم القادرون على هزم قوى التطرف في المنطقة وأنه يقع على عاتقهم تحقيق ذلك. كما أن الدولة المدنية وحدها هي التي يمكنها أن تكون الضامن الحقيقي لاحترام حقوق جميع المواطنين أفرادا وجماعات، أكثريات وأقليات، وليس باختراع ضمانات إقليمية من هنا ودولية من هناك التي هي أشبه بالسراب”.

وتابع: “على هذا يصبح من الضرورة على قوى الاعتدال العربي ان ترفع من مستوى تصديها في هذا الصراع وذلك من خلال التركيز على ثلاثة محاور:

المحور الأول: العودة إلى القضية الأساس، وهي القضية الفلسطينية التي تبقى مصدر معظم المشكلات في منطقتنا. وبالتالي، فإن مع فتح باب السلام الحقيقي والشامل سوف ينبلج فجر الإمكانات الإيجابية الحقيقية لهذه المنطقة، ومنها أيضا ما يمتد إلى مناطق عديدة في العالم من حولنا بما يسهم في تفادي العديد من المخاطر الجاثمة على صدر المنطقة. ومن ضمنها ما يسهم به استمرار الاحتلال الاسرائيلي وإبقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل، لتداعيات ذلك كله على استمرار وتصاعد العنف في المنطقة وما وراءها”.

وقال: “إن التقدم على مسار إيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي – الإسرائيلي من خلال العمل على إنشاء دولة فلسطينية موحدة وسيدة قابلة للحياة أمر في منتهى الأهمية ولا يكون ذلك إلا من خلال إعادة تفعيل المبادرة العربية للسلام”.

وتابع: “إن مداواة هذا الجرح الفلسطيني المفتوح والنازف ضروري من أجل تحسين العلاقات المستقبلية بين العرب والمسلمين من جهة والعالم من جهة أخرى. إن تخفيف الاحتقان لا يكون بين الدول فحسب بل أيضا بين الثقافات، حيث إن استمرار هذه القضية دون حل دائم يمثل تهديدا للجميع، سواء للشرق أو الغرب، وللعرب وغير العرب. وإذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع بقية العالم، علينا أن نعترف أن جزءا لا بأس به من سوء الفهم التاريخي بين العالم الإسلامي والغرب في العصر الحديث يعود إلى عدم حل مسألة فلسطين ومن ضمنها قضية القدس”.

وقال: “المحور الثاني: وهو تفعيل العمل العربي المشترك بشقيه السياسي/ الأمني والاقتصادي. وفي الشق السياسي/ الأمني، كان الأمير سعود الفيصل قد تحدث في مؤتمر القمة العربية بسرت عام 2010 عن الخواء الاستراتيجي العربي، وقد اعتبره مانعا أو حائلا دون حوار استراتيجي مع الجوار. وتحدث الأمير سعود الفيصل أخيرا في مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية الأميركي كيري يوم 6/3/2015 عن التدخل الإيراني المباشر وبواسطة الميليشيات. حيث إن إيران تتدخل في عدة بلدان عربية، وأحيانا بالميليشيات المذهبية، وأحيانا أخرى بالحرس الثوري، أو بالتحريض السياسي والطائفي. إزاء ذلك فإنه لا بد من تطوير موقف عربي جماعي واضح وحازم يستعيد التوازن الاستراتيجي في المنطقة ويتصدى للاجتياح الإيراني للدول والمجتمعات العربية”.

وتابع: “إن هذا الأمر يكون من خلال استعادة وعودة مصر للعالم العربي لتلعب الدور المنوط بها والذي لا يستطيع أحد غيرها القيام به، وعلى أن يكون ذلك مع تخففها مما تعانيه من صدمات داخلية سياسية وأمنية. ويكون بنتيجة تحقيق المصالحة الداخلية على قواعد احترام الدولة ومرجعيتها الكاملة واحتضانها واستيعابها واشراكها لكل المكونات فيها، وكذلك متخففة من أحمالها الاقتصادية. ولا شك أن في ما حصل مؤخرا في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ من دعم لمصر أمر يدعو إلى الارتياح والأمل. إن هذا الاحتضان الاقتصادي والتنموي هو الذي ركز عليه كل من الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر القمة العربية بشرم الشيخ أيضا قبل أيام. وهذا يعني وعيا رفيعا بالمسؤوليات والتطلعات”.
اضاف: “وفي الشأن الاستراتيجي أيضا، فإنه لا بد من تفعيل التواصل مع تركيا لما لها من تأثير في أزمات المنطقة ولا سيما في سورية والعراق حيث يمكن أن يصبح دورها إيجابيا في هذين البلدين وبما يسهم في تعزيز التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما ان لتركيا أيضا علاقات بتيارات الإسلام السياسي في العالم العربي المؤثرة على الاستقرار مما يشجع على التفكير في محاورة استراتيجية معها، وبخاصة بعد زيارة الرئيس أردوغان للمملكة العربية السعودية في بادرة تقارب وموقف تركيا الداعم لمبادرة عاصفة الحزم”.

وقال: “يتطلب هذا كله إعادة هيكلة الجامعة العربية من أجل الإقدار على أدوار متحركة وفاعلة. وهذه الجوانب جميعا إذا تكاملت فإنها تشكل منعطفا أساسيا نحو استعادة للملاءة الاستراتيجية والتوازن الاستراتيجي في المنطقة”.

اضاف: “كنت بعد الانقلاب الحوثي باليمن وقبل خمسة أشهر قد نشرت مقالة بالاشتراك مع عمرو موسى، طالبت فيها بقوة عربية مشتركة لصون الأمن الاستراتيجي العربي، وكنا نعني بذلك قضايا وحدة الدول العربية ووحدة أراضيها، وصون ممراتها البحرية والجوية ومجالها الحيوي، وبنيتها الدولتية والتنظيمية، وقبل ذلك وبعده هويتها وانتماءها. وقد سمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يطالب بذلك. ثم اقترن مؤتمر القمة بشرم الشيخ بمبادرة عاصفة الحزم لاستعادة اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، وبقوات من عدة دول شقيقة. وهو تطبيق عملي يأتي تعبيرا صادقا عما يجول في وجدان العرب – كما قال الرئيس السيسي – للقوة العربية الواحدة، وهو الأمر الذي ينبغي المضي به قدما لصون الأمن والهوية والانتماء والاستقرار. بما يعني ذلك الحرص على احترام واحتضان واستيعاب وإشراك كل المكونات في اليمن وهو الأمر الذي يجب احترامه واعتماده في كل مجتمعاتنا العربية حيث يحترم خصوصياتها ويشركها ولا يقصيها. كما ويعمل في آن معا على المساعدة في تحقيق التنمية والازدهار الذي تحلم به جميع أجيالنا العربية وبما يطمئنها إلى حاضرها وغدها”.

وتابع: “يجب أن تعطى الأولوية اليوم لتثقيل الوزن العربي وإيجاد التوازن الاستراتيجي الذي يؤدي في المحصلة إلى عدم السماح للدول الكبرى والدول الاقليمية الأخرى استخدام منطقتنا العربية لتحقيق مآربها ولإيصال الرسائل عبرها أو لابتزاز بعضها بعضا”.

اضاف: “أما في الشق الاقتصادي، فلا ينبغي أن تحجب التحديات السياسية التي نتصدى لها كعرب العديد من التحديات الاقتصادية التي نحن في خضمها ومنها التزايد السكاني وتراجع جهود التنمية ومعدلات النمو، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتراجع الثقة بالمستقبل. والخطر الأكبر هو ارتفاع معدلات البطالة وخاصة بين الشباب. ذلك مما يشكل مصدر قلق في معظم البلدان العربية. وان التحدي الكبير الذي يواجهنا الآن وأكثر في السنوات العشر القادمة يكمن في كيفية ايجاد 50 مليون فرصة عمل جديدة لاستيعاب المنضمين الجدد إلى سوق العمل العربية. وكيف يمكن تأهيل جزء وافر منهم من اجل التلاؤم بمعارفهم ومهاراتهم مع طبيعة الحاجات القادمة لاقتصاداتنا العربية”.

اضاف: “كذلك فإن التحدي الحاضر يظهر في انخفاض أسعار النفط الذي يشكل خطرا على اقتصادات الدول العربية المنتجة والمصدرة. هذا علما أن ذلك يمكن أن يشكل فرصة للدول العربية المنتجة للنفط والمستوردة له على حد سواء للسير في برامج إصلاحية لاقتصاداتها ولمالياتها العامة لتنويع الاقتصادات الوطنية ولتعزيز معدلات النمو وجهود التنمية البشرية والاقتصادية وترشيق القطاع العام ولتمكين القطاع الخاص العربي من جذب الاستثمار الأجنبي المباشر”.

وتابع: “دعونا نكن صادقين مع انفسنا: لا يمكن لأي اقتصاد عربي بمفرده أن يحل وحده هذا الكم الكبير من التحديات التي يواجهها، وبالتالي فقد حان الوقت للتحرك وفق رؤية واضحة لتحقيق تكامل اقتصادي عربي يعود بالنفع على جميع الاقتصادات العربية وكذلك على دول الجوار ويسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والأمني والسياسي في دولنا العربية”.

وقال: “أما المحور الثالث: فهو في التصدي للحركات المتطرفة وضرورة الإصلاح الديني، وذلك بهدف إنقاذ الاسلام من هذه الآفات والجرائم التي ترتكب باسمه. فإن دعوتي هي ان نقف ونبادر في مواجهة قوى التطرف واول المبادرات الضرورية هي القيام بالإصلاحات في المؤسسات الدينية في عالمنا العربي والإسلامي للتكيف مع عالم متغير ولحماية الدين الإسلامي المستنير. نحن علينا أن نكافح ونتصدى للتنظيمات المتطرفة لأن في ذلك مصلحة أكيدة لشعوبنا ولديننا الإسلامي. وإلى جانب ذلك وفي أهميته فإنه ينبغي على رجال الدين المسلمين أن يبادروا ليكونوا منفتحين ومستنيرين بقدر الإسلام ذاته ويغيروا من خطابهم الديني لكي يكون أكثر تسامحا. كذلك فإن المسلمين من مفكرين وقياديين وقادة روحيين ومؤسسات دينية، لديهم عمل كثير لإصلاح التعليم الديني، وتشجيع التفكير النقدي، وتغيير الرؤية للعالم، خاصة بعد عقود من استتباع الأنظمة العسكرية والأمنية للمؤسسات الدينية. لقد آن الأوان ليسهم المسلمون من كل الجنسيات في مهمة الاصلاح الديني الإسلامي بإثراء المنظور الديني وتعميقه عبر إعادة الاعتبار للعلم والمعرفة وتأكيد المطالبة بتوفير حقوق الإنسان والانفتاح على العالم على قاعدة اخوة البشر وتعارفهم”.

وقال: “إن عمل قوى الاعتدال العربي على المحاور الثلاثة يجب ان يترافق مع عمل حقيقي من قبل أصدقائنا في العالم لمساعدة هذا الاعتدال وعدم الاكتفاء بادعاء حب الحرية والعدالة والتسامح واحترام حقوق الإنسان بينما بالكاد يدينون أعمال أنظمة الطغيان، والتدخلات الشعوبية والطائفية المثيرة للحساسيات الدينية والعرقية، فالمجتمع الدولي لديه مصلحة وعليه مسؤولية في مساعدة شعوب المنطقة على التخلص من مشاعر اليأس والإحباط والمساهمة في الجهود التي تبذلها لبناء مجتمعات أكثر ديمقراطية وازدهارا”.

وتابع: “إن تصوير العرب والمسلمين على أنهم عنيفون أو أنهم بطبيعتهم معادون للغرب لا يؤدي إلا إلى ازدياد شعورهم بالاحتقار وبالتهميش وبالذل والغضب. فإضافة إلى فلسطين، فإن المكان الآخر للمساعدة هو سوريا. ولا يكون ذلك بالعودة الى التقرب من النظام الجائر الظالم، بل بتقديم الدعم الحقيقي للقوى المدنية المعتدلة للمعارضة. ولو تم القيام بهذا الأمر باكرا، لربما ما استطاع تنظيم الدولة الاسلامية أن يظهر ويستمر. وما كان له أن يقوم بتهجير مسيحيي الموصل من الأشوريين وتهجير الإيزيديين وتدمير الآثار القديمة في العراق وسورية، والتي هي ملك الإنسانية جمعاء. والأمر نفسه ينطبق على سياسات الغرب في العراق. إن من مصلحة الغرب أن يربح الاعتدال العربي المعركة”.

وقال: “في ضوء هذا الواقع الصعب يتبين بما لا يقبل الشك أنه لا يمكن لدولنا ولمجتمعاتنا العربية أن تلقى الاهتمام والاحترام في محيطها وفي العالم في ظل غياب موقف عربي حازم وفكر عربي مبادر. على العكس من ذلك فإن حال التشرذم والانقسام والتشاطر على بعضنا بعضا يدفع بالدول الإقليمية والمجتمع الدولي إلى التجاهل، فهناك حاجة ماسة لتكوين موقف عربي بما يعيد للعرب احترامهم بداية لأنفسهم ولدى غيرهم ويستعيد بموجبه المواطنون العرب بعض الأمل في المستقبل، ويعيد إليهم احترام العالم لهم ولقضاياهم. إن ما نأمله من هذا الموقف العربي المستجد والمتمثل بعاصفة الحزم في اليمن ان يشكل الخطوة العملية الأولى في موقف عربي يخرج الأمة من حال التقاعس والتواكل ويوقف حالة الانحدار العربية”.

اضاف: “إن العمل من أجل تحقيق الأمن العربي ليس موجها ضد أي جهة في المنطقة أو في العالم. بل هو بالفعل العمل من أجل إيجاد مجال حيوي للتعاون المشترك بين الدول العربية لتحسين آفاق تعزيز الاعتدال والاستقرار من جهة وتعزيز التنمية والازدهار في العالم العربي من جهة أخرى. ويكون أيضا وسيلة للعرب للتوصل لعلاقات متساوية ومتعاونة مع الدول المجاورة ومع بقية دول العالم، مبنية على الاحترام المتبادل ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية”.

واشار الى “إن المصالح المشتركة للشرق والغرب هي في استقرار الشرق وفي إقداره على معالجة مشكلاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وليس في توسيع نطاق الحروب والصدامات”.

وتابع: “هذا هو السبيل الوحيد لضمان الأمن العربي على المدى البعيد وعلى جميع المستويات: الأمن السياسي والأمن الاقتصادي وأمن الطاقة والأمن الاجتماعي والأمن الغذائي”.

وقال: “لقد تحدثت في هذا التوصيف للواقع عن مخاطر أمنية وأخرى استراتيجية، واقتصادية، وتنموية. والأخطار الأمنية والاستراتيجية تقتضي العمل المشترك والسير في سياسات أمنية وعسكرية ودينية وتربوية لحفظ حدود الدول، ووحدة المجتمعات، والمديات الحيوية والاستراتيجية للأمة العربية في سائر مناطقها. أما التحديات الاقتصادية والتنموية فتقتضي رؤية شاملة للواقع الحاضر والإمكانيات المستقبلية. وفرص التفكير والتقدير والتدبير متاحة في كلِّ آن. وهناك إطار مجلس التعاون الخليجي، والرغبة في مشاركة مصر والمغرب والأردن فيه. وهناك مؤتمر القمة العربية، والذي تحول إلى فرصة نادرة للتشخيص والاستشراف والتقدير والمبادرة. ومن ضمن مبادرات النهوض تفعيل الجامعة العربية التي لم ينقض أوانها كما يذهب لذلك البعض. فالانتماء العربي مهدد وسط انهيار الدول، وهشاشة المجتمعات، والتدخلات القاتلة. نحن محتاجون إلى رؤية لعالم عربي جديد يحاكي طموحات وآمال أجيالنا الشابة وبالتالي إلى وعي ومسؤولية وإرادة للتقدم على مسارات المستقبل، أو تواجه أجيالنا الشابة أو معظمها مستقبلات مستحيلة”.

وتابع: “أوليس مؤذيا ومذلا هذا التسارع القاتل بحرا وجوا وبرا إلى أوروبا من جانب أفواج المهجرين البائسين في مواجهة الموت، حتى إذا وصلوا للضفاف، واجههم تطرفا من بعض أبناء الجاليات العربية من الجيلين الثاني والثالث، بداعي كراهية الغرب، كما واجههم ويواجههم واقع تظاهرات الإسلاموفوبيا وكراهية العرب والمسلمين من أهل البلاد التي يلجأون إليها طلبا للأمن والعيش؟!”.

وختم: “لا بد لنا أن نعترف بأخطاء جسيمة ارتكبناها في سنوات المراهقة حيث كان علينا أن نحجز أماكننا في مسيرة التقدم منذ وقت طويل لكي نكون في الموقع الصحيح الذي كان يجب أن نكون فيه اليوم ويؤهلنا لكي نحجز موقعنا في المستقبل. لكننا لم نفعل. إن تجربة دولة الإمارات العربية في الوحدة وفي التنمية نموذج يستحق منا التدبر وإمكان التحول إلى تجربة جماعية عربية تعبر عن استيعابنا لتجارب الماضي وتساعدنا في التعامل مع قضايا المستقبل باقتدار. قطار المستقبل يطلق صفارته الأخيرة لكي نستطيع المواكبة. هل سنقوم بذلك؟ نعم يجب أن نلبي النداء وإلا لن يكون لنا مكان في ذلك القطار ولا في ذلك المستقبل”.

السابق
«الأولمبي» ينهي مشواره «المخيّب» بقيادة جيانيني!
التالي
الربيع العربي 3: رشيد الزعتري: انتفاضات انحرفت عن مسارها