الربيع العربي 3: رشيد الزعتري: انتفاضات انحرفت عن مسارها

الربيع العربي
في إطار متابعة "جنوبية" للتحركات الشعبية والانتفاضات في عدد من الدول العربية ودخول هذه التحركات والانتفاضات عامها الرابع حاور موقع "جنوبية" عدداً من المهتمين والمتابعين للانتفاضات والنقاش الثالث مع الناشط السياسي رشيد الزعتري المقيم في صيدا – جنوب لبنان والقيادي السابق في منظمة العمل الشيوعي. والزعتري حالياً يشغل منصب منسق "التجمع الديموقراطي العلماني" الذي يهدف إلى نشر وتعميم الثقافة الديمقراطية العلمانية، تعزيز ثقافة الحوار واعتماد الوسائل السلمية لحل النزاعات وتوعية الأفراد على المواطنة وعلى التواصل مع الآخر واحترام معتقده والدفاع عن حرياته الأساسية.

بعد أربعة أعوام من الربيع العربي هل انطفأت الثورة؟ سؤال وجهته جنوبية إلى الناشط السياسي رشيد الزعتري فأجاب عليه قائلاً: “خارج ما حصل في تونس ومصر، هل يستقيم الحديث عن ثورة؟ أعتقد أن ما حصل في عدد من البلدان العربية هو مجرد انتفاضات أخذت في بداياتها مسار هو امتداد ما حصل في تونس ومصر. بظل هذا المناخ أخذت منحى ديمقراطي، ومحاولة تغيير سلمي، إلا أن هذه الانتفاضات باتت خارج هذا المسار بعد دخول قوى قبلية طائفية متخلفة، وبالتالي صارت صاحبة الوزن الأكبر، وحصل انحراف عن المسار الأصلي وعبرت المسارات الأخرى عن نفسها بحروب قبلية طائفية. طبعاً السلطات العربية الرسمية لعبت دوراً مهماً في حرف مسارات الانتفاضات باستخدام القمع ضد الناس، وأعطت مبرراً للقوى الأصولية المتطرفة لأن تستعمل السلاح ضد القوات الحكومية. وبالتالي صار هناك تحول من انتفاضة تتوخى التغيير عبر وسائل نضال ديمقراطي سلمي إلى صراع مسلح الأبرز فيه القوى العشائرية والقبلية السلفية المتطرفة مقابل الأنظمة. ميزة مصر وتونس، وجود وعي ناضج جداً لم تستطع القوى الأصولية المتطرفة حرف العملية الصراعية عن مسارها الديمقراطي السلمي، مما يسمح لنا بالقول أن ما حصل في تونس ومصر هو ثورة ولكن لا يمكن للأهداف أن تتحقق فور خروج الرئيس من السلطة، تحقيق أهداف الثورة بحاجة إلى عملية تاريخية وبحاجة إلى مراحل. الانتصار الأساسي الذي حصل هو كسر الحاجز الذي استعملته الأنظمة لمنع الصراع الداخلي من أجل التغيير، وبالتالي فإننا الثورة تبدأ نجاحاتها بقدر كسر ما يحجز الصراع والتغيير.

التغيير الحقيقي الذي حصل هو كسر الحاجز الذي كان يمنع الجمهور ومنذ عقود من دق باب التغيير

وأعطي مثالاً على ذلك، أن الثورة الفرنسية حصلت عام 1789، وهدفها الوصول إلى الجمهورية، وهذا الهدف تحقق بعد 80 عاماً كان الجمهوريون مستمرين في النضال من أجلها. أهمية حدث 1789 أنه كسر الحاجز الذي منع الصراع، كان تمرداً على السلطة الاستبدادية وهذا الذي مكّن الجمهوريون من أجل الاستمرار ضد السلطة المطلقة للملك”.

وعن تأثير العوامل الخارجية على الصراع الداخلي داخل عدد من البلدان، أوضح الزعتري: “بعد قيام الأنظمة العربية باستخدام المزيد من القمع ضد شعوبهم وبعد إفناء الحياة السياسية فيها حصل تقاطع بين مشروعين أصليين يستهدف كل منهما المنطقة وكياناتها، المشروع الأول هو المشروع الأميركي الذي يشكل الاختراق الأساسي للكيانات وهو يطلق شعار الشرق الأوسط الجديد التي تعمل واشنطن والغرب عموماً على تحقيقه والذي بدأ باحتلال العراق، والحرب على لبنان عام 2006 والتي ترافقت مع حديث كونداليزا رايس التي قالت يومها: هذه حرب ولادة شرق أوسط جديد وعلى اللبنانيين أن يتحملوا آلام هذا المخاض. واغتيال الحريري والخروج السوري من لبنان وما حصل في اليمن وليبيا وسورية بدا وكأن فصول من الفوضى الخلاّقة التي بشّر بها مشروع واشنطن وتحولت الصراعات داخل البلدان إلى حروب أهلية تفكك ما تم إنجازه خلال القرن العشرين من عناصر الوحدة المجتمعية. وصار هذا العامل الخارجي الأبرز في التأثير على تطور الأحداث.

لا زال الوزن في البنى الاجتماعية في البلدان العربية للانتماء القبلي الطائفي العائلي

أما المشروع الثاني هو: المشروع الإسلاموي الإقصائي المتطرف وهذا المشروع يخوض معركته مع الدولة الوطنية ومع العروبة ومع كل ما هو عابر للانقسام الطائفي والمذهبي، والديني والقبلي، وهذا المشروع يعود بدايته إلى أوائل القرن العشرين وعرف بعلاقته مع الدول الاستعمارية أولاً مع بريطانيا وبعد ذلك مع الولايات المتحدة الأميركية”.

ورأى الزعتري أن “التغيير الحقيقي الذي حصل هو كسر الحاجز الذي كان يمنع الجمهور ومنذ عقود من دق باب التغيير. وعن المقارنة بين الديكتاتور وبديله المتطرف الاقصائي، قال الزعتري: لا يمكن الحديث عن أوجه التشابه بين الطرفين، الديكتاتور قد يبني دولة، وقد تطرق هذه الدولة باب الحداثة، وقد تؤمن الأجوبة على أسئلة تتعلق بجوانب حياتية، اجتماعية ومعيشية، الاعتراض على الدولة الديكتاتورية يتعلق بالحريات السياسية والفكرية. في حين أن التيارات المتطرفة الاقصائية تحاول ان ترد المجتمع إلى ما قبل القرن الوسطى، إلى عصور انقضت مئات السنين”.

ما حصل في عدد من البلدان العربية هو مجرد انتفاضات أخذت في بداياتها مسار هو امتداد ما حصل في تونس ومصر

وحول الأسباب التي أدت إلى نحو داعش وإخواتها أوضح الزعتري الأمر قائلاً: “أعتقد ان البنى الاجتماعية في البلدان العربية ما زال الوازن فيها هو الانتماء القبلي الطائفي العائلي، أي أن البنى الاجتماعية ما زالت في مرحلة ما قبل المواطن، وتسيطر القبائل على البنى الاجتماعية، وتختزل الأفراد. لذلك كان من الطبيعي أن تنشأ اتجاهات مثل داعش وتنمو في مثل هذه البيئة”.

وحول تعاطي المسؤولين مع الإعلاميين، وكيف ان مرسي استطاع تحمل باسم يوسف في حين أن السيسي لم يتحمله حتى في حلقة واحدة. علق الزعتري على ذلك قائلاً: “كان حسني مبارك يشعر أنه قوي ولم يكن يهتم بما يقوله باسم يوسف، ومرسي كان يستند إلى كتلة شعبية واسعة حملته عبر صندوق الانتخابات إلى السلطة لذلك لم يهتم، لكن السيسي له تركيبته الشخصية الخاصة، ربما لا يتحمل مثل حديث يوسف. ومثل ىخر وعلى الرغم من قوة الأسد فإنه أيضاً لن يسمح ببرنامج مثل برنامج باسم يوسف”.

أما الثقافة الدينية السائدة، فإن الزعتري وصفها بأن “هناك اتجاهات بالثقافة الدينية، فإن فكر نصر أبو زيد لا يشكل أي عائق امام عملية التغيير لكن فكر سيد قطب يعيدنا إلى الوراء ويشكل عائقاً فعلياً. كما أن مستوى الثقافة السائدة في انخفاض ويعود ذلك إلى جهل رجال الدين للدين نفسه”.

وحول الوضع اللبناني وإذا كان عصياً على الربيع، أوضح الزعتري: “إذا أردنا الحديث عن التغيير في لبنان فإنه صعب جداً ليس مستحيلاً أنه صعب جداً لأن قوة نظامه الطائفي مستمدة من الناس وليس من السلطة وأدوات القمع. والنظام الطائفي يرتكز على الانقسام السياسي المتجذر، لذلك تصطدم محاولات التغيير بواقع الانقسام. لكن ذلك لا يعني استحالة التغيير، لأن هناك ما زال يقول لا للنظام الطائفي”.

السابق
السنيورة من أبو ظبي: لتكوين موقف عربي يعيد للعرب احترامهم لأنفسهم ولدى غيرهم
التالي
مسلحان يقتحمان مبنى مقر حزب العدالة في منطقة كارتال في اسطنبول