«مستشفى الحريري».. تاريخ من المناقصات الوهمية

“الفساد” في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي، لن يكون عنوان المراحل التي سبقت استقالة المديرين العامّين وسيم الوزان وفيصل شاتيلا فحسب، بل ربما سيكون الفساد عنواناً عريضاً للمرحلة المقبلة في المستشفى، في حال لم تضع وزارة الصحة يدها عليه بقوة، من دون الإنصياع إلى تدخلات من هنا، وتوصيات من هناك.

المستشفى الجامعي يتّجه الى الإبحار أكثر فأكثر في بؤرة فساد قد لا يتمكّن المُصلحون من إخراجه منها مستقبلاً، فاستقالة مدير عام لا تعني بالضرورة “لجم” الفاسدين والمفسدين من متابعة “تمريراتهم” وتوسيع نطاق مخالفاتهم، ولا تردعهم بطبيعة الحال عن محاولات تنصيب أنفسهم في مراكز قيادية في إدارة المستشفى.

حجم المخالفات في مستشفى الحريري الجامعي، بما تشمله من هدر مالي، وفساد إداري، وسرقة أموال تحت غطاء قانوني وغيرها… يجعل من الخطط الإصلاحية، مهما اتسع نطاقها، خططاً غير مُجدية، اللهم إلا إذا تجرّأ “المُصلحون” على فتح ملفات المستشفى منذ الأعوام الأولى لتأسيسه، وحتى اليوم، مروراً بالتوظيفات والإستقالات، التي تحمل في طيّاتها الكثير من علامات الإستفهام حول محاسبة حاملي السجلات الوظيفية الأكثر فساداً، والذين ما يزالون “يرابطون” في مراكزهم على قاعدة “يا جبل ما يهزك ريح”.

تستعرض “المدن” بعضاً من التجاوزات والمخالفات التي ساهمت بإغراق “مستشفى الحريري” بعجز مالي متراكم قد يعرّض عمله للتوقف، وبتراجع إيراداته حتى بات عاجزاً عن سداد رواتب وأجور العاملين فيه، ولن يكون عرض المخالفات سوى غيض من فيض ما يتم تمريره في “سراديب” المستشفى.
قبل الدخول بالتجاوزارت على مرّ السنين لا بد من الإشارة الى أن المستشفى، ومنذ البدء بتشغيله في العام 2006، لم تمارس إدارته مهامها بطريقة مؤسساتية، بل كانت أحياناً تدير هذا المرفق الجامعي على طريقة “الدكاكين”، كفتح أقسام طبية جديدة (على سبيل المثال) من دون تخطيط مسبق لها أو أي دراسة جدوى، أو كاعتبار بعض مشاريع الموازنات نافذة، من دون مصادقة وزارتي الصحة والمال عليها وذلك خلافاً للنظام المالي للمستشفى.

وفي سياق الإخلال بالأنظمة المتعلقة بصفقات اللوازم الطبية والخدمات الإستشفائية والأشغال وغيرها، فقد عمدت إدارة المستشفى على مدى سنوات، الى تعديل شروط بعض المناقصات بعد التلزيم، وهو أمر غير قانوني. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وافقت الإدارة عام 2008 على التعديل، الذي اقترحه رئيس مصلحة المشتريات آنذاك، على شروط مناقصة “توريد المازوت”، وذلك بعد تلزيم توريد المازوت لشركة (د. ب) إذ تمّ استبدال شرط تركيب حسّاسات لخزانات المازوت من قبل الملتزم بشرط تركيب عدّادات، وهو ما فتح المجال للملتزم بتقاضي ثمن كميات من المازوت لم يتم إفراغها في مستوعبات المستشفى، من دون أن تخضع عملية التوريد للمراقبة.
ويُضاف الى سجل شركة (د.ب) مع إدارة “مستشفى الحريري”، أنه تم الإفراج عن الكفالة النّهائيّة لصالح الشركة عام 2010، قبل أن تقوم بتركيب العدّادات التي قضى دفتر الشروط المعدّل (وفقاً لما أشير إليه أعلاه) بتركيبها.

أما عن الصفقات بالتراضي بشكل مخالف للقوانين، فالأمثلة كثيرة ومنها أن العقد الذي تم توقيعه مع شركة (F.) لإدارة قسم غسيل الكلى عام 2010، لمدة خمس سنوات، قد استند في تبرير التراضي، إلى إجراء مناقصتين متتاليتين لإدارة قسم غسيل الكلى من دون أن تسفرا عن نتيجة إيجابية، وهو أمر غير صحيح، لأن إدارة المستشفى لديها مستندات تثبت عكس ذلك. والملفت في هذا العقد هو أنه بعد التراضي مع الشركة المذكورة على إدارة قسم غسيل الكلى، قامت رئيسة مصلحة في المستشفى (ن.ص) بتوظيف زوجها (ح.م.) كمدير مالي لديها، وهو ما شكّل تغطية تامة للمخالفات التي ارتكبتها الإدارة بالتواطؤ مع الشركة، على حساب أموال الدولة والمريض معاً.

ولا تنتهي المخالفات في العقود عند هذا الحد، اذ أن العقد الموقّع عام 2010 مع شركة (D.H.C) لصيانة المعدات الطبية لمدّة خمس سنوات، بقيمة تقارب مليوني دولار سنوياً، استند إلى استدراج عروض من دون تحديد معدّل خاص يمنع الاستنساب في تقييم العروض لكلّ من العناصر الفنية الواردة في دفتر الشروط، والتي تمت على أساسها المفاضلة بين العارضين من الناحية الفنية. وللشركة ذاتها باع طويل مع مستشفى الحريري الحكومي، ففي العام 2010 أقدمت إدارة المستشفى على شراء لوازم طبية من الشركة المذكورة، مفضّلة إياها على الرابحين في المناقصة.
ومن مخالفات المناقصات أيضاً، تشكيل لجان للمناقصات بشكل مخالف للأصول المحدّدة في النظام المالي للمستشفى، أي أن جميع اللجان تقريباً التي تم تشكيلها لإجراء مناقصات اللوازم والتجهيزات الطبية قد ضمّت في عضويتها بشكل ثابت رئيس دائرة الهندسة الطّبية (م. ق)، ورئيس مصلحة المواد والمشتريات (ن. ر).
ما تقدّم ليس سوى جزء من كلّ، مما يدور في كواليس مستشفى الحريري الحكومي الجامعي، وللفضائح والمخالفات تتمة…
(المدن)

السابق
وصفة سحرية لإفراغ المعدة وفقدان الوزن في 60 ثانية
التالي
«لقاء شيّق» بين سامي الجميل وملحم زين