قاسم سليماني «إله».. من رمل وطحين

قاسم سليماني
لم يعد الجنرال قاسم سليماني بنظر الكثير من "المقاومين" و"الممانعين" في كل من طهران وبغداد مروراً بصنعاء ودمشق فبيروت، مجرد قائد يرأس ما يعرف بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني فحسب.. ترفّع بالنسبة إليهم إلى مقام إله.

لم يعد الجنرال قاسم سليماني قائداً عادياً على غرار سائر أو جلّ القادة التقليديين الذين نعرف، يرتدي بزة عسكرية مزركشة بنجوم وسيوف ودبابير ونياشين حصدها لقاء نجاحاته الباهرة بقتل وسحل آلاف الأبرياء والمظلومين على امتداد الجمهورية الإسلامية والعالم العربي على حد سواء، بل بات وفق ما يتخيّل مريدوه “إلهاً” متنكراً بزي جنرال، “إلهاً” متنقلاً يزرع النصر في ساحات العراق، ينشر الخير في ربوع سوريا، يوزّع الخبز والزعفران في أرجاء اليمن “السعيد”، ويطرح حبيبات البركة والسلام في شوارع لبنان.

دأبت بروباغندا دول محور “المقاومة” و”الممانعة على إظهار سليماني الذي ولد في العام 1957 على مقربة من مدينة قم، بصورة القائد الخرافي، الذي يشبه أو ربما يتفوق بأدائه الساحر على الممثل الأميركي الشهير براد بيت في دوره بفيلم “تروي” أو طروادة المقتبس عن أسطورة الإلياذة المعروفة في الميثولوجيا الإغريقية، حيث كان النجم الوسيم يحارب مع بضعة مقاتلين إن شاء جيشاً بأكمله … يحارب جيشاً “عرمرماً” مدججاً وينتصر.

رغم الفروقات الكبيرة والكثيرة بين الرجلين (بيت – سليماني) من حيث الشكل والمضمون والنشأة ومكان الولادة وغيرها، إلا أنه يبدو أن لديهما قاسماً مشتركاً يستند بشكل أساسي إلى فقه التمثيل، إذ يحلو للأول أن يكون على سبيل المثال لا الحصر الفارس المغوار والمقدام “اخيل” (اسم براد بيت في فيلم “تروي”)، الذي استل سيفه وأعلن الحرب على مدينة طروادة، حدث ذلك قبل أن يخلع بيت ثوب الفروسية الوهمية فور الانتهاء من تصوير آخر لقطة في الفيلم، فيما يحلو للثاني أن يلعب دور كسرى الجديد، الساعي إلى إعادة أمجاد كسرى القديم إمبراطور دولة فارس الغابرة.

لا يكاد يمر يوم دون أن تسمع عبر أبواق البروباغندا المذكورة آنفاً، خطبة أو مديحاً، تصريحاً أو تقريراً عن سليماني الجنرال الذي قال وفعل، قاد وخطط، هدد وتوعد، وغيرها من السيمفونيات الرخيصة التي تبجّل القادة الأفذاذ، وإن لم يكن الرجل فذاً بما فيه الكفاية.

وفي طفرة نشاز السيمفونيات المكررة، لا ضير إن سمعت في نشرة الواحدة ظهراً خبراً مفاده أن الرجل (قائد فيلق القدس) كان في الصفوف الأولى مع “مجاهدي” ما يسمى بالحشد الشعبي على خطوط التماس في معارك تكريت العراقية، قبل أن ينتقل بكبسة زر بحلول نشرة الثالثة عصراً إلى صفوف “مجاهدي” (حزب الله) على جبهة القنيطرة في سوريا، على أن يختتم مسلسله “السندبادي” عند نشرة الثامنة مساء مع “أنصار الله – الحوثيين” في اليمن يكبّدون أو يكبّد وحده القوات “الغازية” خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد والآليات.

جميلة وحالمة تلك الأسطورة، ولكن على الأرض تجري رياح وعواصف الجزيرة العربية بما لا تشتهي سفن كسرى الجديد، كم يود الجنرال الفارسي أن يكبّد فعلاً لا قولاً جنود الحزم “الغزاة – المجرمين” خسائر بشرية ومادية جسيمة، غير أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

لعل من سوء حظ الجنرال أن رياح الجزيرة العربية لم تعصف به وحدها، إذ هبت عليه في آن معاً رياح “تكريتية” وأخرى “درعاوية” وثالثة “إدلبية” … رياح أعادت سليماني إلى أرض الواقع … رياح يبدو أنها أحالت “الإله” المزعوم، “إلهاً” من رمل وطحين.

السابق
«عرفان» الشيخ أحمد الزين
التالي
كيف نميّز الأفعى السامة.. وكيف نحمي أنفسنا منها؟