باكستان وتحالف السُّنة: هل يبقى الحزم ولو تلاشت العاصفة؟

باكستان والسعودية

تتزامن كتابة هذه السطور مع زيارة وفد باكستاني رفيع المستوى الى المملكة العربية السعودية. سبق الوفد، الذي يرأسه وزير الدفاع ومسؤول العلاقات الخارجية، حوالي ثمانمئة من العناصر العسكرية الباكستانية غير القتالية، تنتظر تحديد مهامها. هي طبعا ليست المرة الاولى التي يتواجد فيها عسكريون باكستانيون على الاراضي السعودية، فالتعاون الدفاعي تاريخي ووثيق بين البلدين منذ عقود. لكن الجديد هذه المرة، هو كونها جزء من تحالف “سنّي” عريض، يتفق المراقبون على أن تشكيله أتى لمواجهة النفوذ الايراني”الشيعي” المتزايد.

ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه باكستان في هذا التحالف؟ وما نوع الدعم الذي ستطلبه السعودية منها هذه المرة؟ وهل يصل فعلا الى حد ارسال قوات للمشاركة في عملية “عاصفة الحزم”، كما نقلت رويترز عن مسؤول حكومي وصفته بالكبير؟ الأكيد ان الوفد اجتمع عشية سفره برئيس الوزراء نواز شريف، الذي اكد التزام بلاده “بمساندة السعودية وسلامة أراضيها، وبآداء دور جوهري في وقف تدهور الوضع في الشرق الاوسط”.

وبين شريف والمملكة علاقات خاصة، فقد كانت بيته الثاني عندما تم نفيه عام ١٩٩٩، والى ذلك عزا بعض المحللين “الهبّة” الباكستانية الحالية للوقوف بجانب السعودية. لكن حقيقة الأمر أن ما يجمع البلدين أكبر بكثير من علاقات شخصية، والتقارب الذي يتميز بالعمق، طابعه سياسي وعسكري وإيديولوجي، من دون أن ننسى الناحية المالية.( تعتبر السعودية من أهم ممولي باكستان وبحسب رويترز وصلت قيمة آخر هباتها الى مليار ونصف المليار دولار).

مقابل ذلك، اتسمت العلاقات الباكستانية مع الجارة إيران بالتوتر في كثير من الأحيان. من الصراع على الحدود الى الاتهامات المتبادلة بدعم وتسليح جماعات متطرفة. ( سنية داخل ايران، شيعية وبلوشية داخل باكستان ). وليس خافيا على أحد ان باكستان ضياء الحق، كانت لاعبا قويا على الساحة الأفغانية، ومدّت نظام طالبان بالدعم. إلا أن سقوط نظام طالبان (السنّي) في أفغانستان من ناحية، وسقوط نظام صدام حسين (السنّي أيضا) في العراق من ناحية أخرى، خلق فراغا ملأته الجمهورية الاسلامية الايرانية ( الشيعية)، في الحديقة الخلفية لباكستان ( حيث غالبية سنّية وأقلية شيعية).

وفوق هذا وذاك، تقارب أميركي إيراني يلوح في الأفق، مع حديث عن امكانية التوصل الى اتفاق إطار في الملف النووي، يأتي بعد ازدياد في التعاون الايراني مع “الجارة اللدود” الهند. حراك على وقع حروب تخوضها باكستان على “الارهاب” في ساحتها الداخلية. وهناك، تتعالى بعض الأصوات المعارضة للمشاركة الباكستانية في “التحالف السنّي” المستجد، مطالبة بتحييد باكستان عن أي صراع سني-شيعي، قد يعرض أمنها للانفجار. وذلك نظرا لوجود حوالي عشرين بالمئة من الباكستانيين “الشيعة” في نسيج المجتمع.

ولكن النقطة الأخيرة التي أشرنا اليها يمكن أن تشكل هي نفسها أحد أسباب الاندفاعة الباكستانية نحو المشاركة وليس العكس. فإيران التي تتشارك حدودا برية واسعة مع باكستان، تسعى الى توسيع نفوذها الاقليمي. ومزيد من النفوذ قد يُترجم نفسه قدرة أكبر على التأثير في الداخل الباكستاني عبر الأقلية الشيعية الموجودة. أضف الى ذلك أن هناك من يرى في الاصرار الايراني على الحصول على القدرة النووية، محاولة لايجاد توازن ما مع باكستان في الدرجة الأولى. وفي هذا الرأي منطق يفرض نفسه، إذا ما تذكرنا أن إيران الشاه هي من بدأ بالمشروع النووي بهدف الحصول على قنبلة ذرية، وحينها كانت العلاقات الايرانية الاسرائيلية على أفضل حال.

إذا، الجغرافية أولا والايديولوجيا ثانيا، عوامل مهمة لا يمكن اسقاطها من أي محاولة لفهم الأرضية التي تقف عليها باكستان حاليا. وهي عوامل تلتقي فيها مع السعودية وغيرها من الدول السنّية المشاركة في التحالف، وتلك الداعمة له. فعلى الرغم من محاولات ايران السابقة لتقديم نفسها كقوة إقليمية تدعم “حركات مقاومة”، الا ان غرقها في مستنقع مواجهات مذهبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، رسّخها في أذهان العالم “دولة شيعية”، يرمي دعمها للصراعات الموجودة، حطبا على جمر فتنة نامت قرونا.

من هذه المنطلقات لا يمكن لباكستان الا أن تقف في صفوف التحالف. تحالف يقول: “نحن هنا”، وإذا ما تطور الصراع السنّي الشيعي إلى فتنة شاملة، فإن الديمغرافيا وميزان القوى لن يكون عندها الا لصالح “الأغلبية السنّية” في العالم الإسلامي. هل وصلت الرسالة الى إيران؟ وهل تكون أحد الاسباب التي دفعت بمساعد وزير خارجيتها الى القول، من الكويت، بأن لدى بلاده مقترحا لحل الأزمة في اليمن، وبانها تحاول التواصل مع السعودية من أجل التعاون في هذا الشأن؟ تصريح أتى والوفد الباكستاني لم ينه بعد اجتماعاته في الرياض، واستعراض القوة ما زال في أوله.

ويبقى السؤال، هل سنشهد استمرارية للتحالف السنّي يُبقي الحزم حتى ولو تلاشت العاصفة؟ وهل يخلق ذلك توازنا إقليميا في منطقة فُقد فيها التوازن مؤخرا، وتتآكلها الصراعات والفوضى؟ إنها أحجار شطرنج جيوسياسية تُحركها أطراف إقليمية على غير عادة، لكنها غير بعيدة عن رمقة من تحت قبعة العم سام.

فالولايات المتحدة الأميركية تنوي، بحسب مصادر مطلعة، الاستفادة من الصراع المذهبي بين السنّة والشيعة ( إذا لم تكن تعمل أصلا على تغذيته). وهي سياسة ليست بجديدة، وقد تنبه لها مبكرا الوزير السابق الدكتور جورج قرم، حين لحظ تركيز المناهج الغربية على صراع الاقليات والمذاهب و الطوائف، بدلا من الاهتمام بالدراسات التي تُعنى بالوحدة والقيم المشتركة.

من هذا المنطلق، عندما يتوحد السُنّة في مواجهة الشيعة، يمكن أن يُنتج ذلك حراكا أو بالاحرى تنافسا تنوي الادارة الاميركية ابقاءه تحت سقف سيطرتها، ولو عن بعد.

 

السابق
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الثلثاء في 31/3/2015
التالي
القوات الاسرائيلية تطلق قنابل مضيئة في اجواء الوزاني وكفرشوبا