عن «أشرف الناس» الذين هجموا على إمرأة

على الرغم من التهجّم والإنتقادات اللاذعة التي توجهها يومياً قناة «الجديد» عبر مقدّمتها الإخبارية لكثيرين، إلاّ أنّه لم يحصل يوماً أن تعرضت القناة ومديرة الأخبار مريم البسّام لهذا الكم من الهجوم والشتائم التي تتعرض له اليوم من الجمهور الذي سمته يوماً «أشرف الناس».

رُبَّ قائل إنّ القصّة «مش حرزانة»، وأنا واحدٌ من القائلين. لكن مهلاً،  ما سأحكيه شيءٌ آخر، لن يتطرّق هذا المقال إلى  الحرب الضروس الدائرة رحاها بين «ولد» ومحطة تلفزيونية «رزينة»، على أساس أن المقال لن يحكي في السياسة.
قد لا يختلف كثير من المهنيين على تفاهة مقدّمات نشرات الأخبار المحشوة سجعاً  فارغاً، ولا على الإنتقائية الفاقعة المتسترة بالموضوعية الخبيثة.

لم تفت على كثيرين ملاحظة الحقد المكبوت على طرف معين هنا، ولا “الهواياتية” المضحكة أحياناً التي تصبغ سياسة المحطة.

لا تُفوت قناة «الجديد» فرصة، إلاّ وتُقذِعُ فيها شتائمَ وتلفيقاتٍ وأفلام، تُنتج التقرير تلو التقرير عن أحداثٍ أو أوهامِ أحداث، تُشقلبها المحطّة على السجية بما يُناسِبُها.

لم يحدث يوماً أن تهجم أحدٌ على قناة «الجديد» بالشكل الزقاقي الذي نراه اليوم، وعلى وجه التحديد لا يذكر أحد أنّ مديرة أخبار «الجديد» مريم البسام تعرضّت للسباب بالشخصي في شرفها وعرضها وسمعتها، بالشكل الممنهج الذي تضج به مواقع التواصل الإجتماعي اليوم.
لم يحدث مرةً واحدة أن حاول أحد من الذين تهجّمت عليهم المحطة وشتمتهم (وهم كثر)، أن قام مثلاً بمحاولة إحراق المحطة.

لم ينجح حتى «المثقفون» في  صفوف الممانعة من ضبط أعصابهم، هجموا هجمةَ رجل واحد على..  إمرأة!
يرى مراقبون أنّ محطة «الجديد» أخطأت بتكبير الموضوع، والتطرق في مقدمة نشرتها الإخبارية الرئيسية إلى نزوة «ولد» كما سمتها.

صدفة أنّ «الولد» إسمه جواد حسن نصرالله. كان الإسم الثلاثي كافياً لتكبير الموضوع، وكأنّه قضية غطّت على كل ما عداها من مشاكل تهم اللبنانيين في معيشتهم وأمنهم ومستقبلهم، ففتحت عليها أبواب جهنم.

كان ممكناً مثلاً أن ترد المستهدَفة بالهجوم، بسطرٍ ونصف السطر على صفحتها على «تويتر»، كما  كانت فعلت واصفةً المتهجم بشكل غير مباشر بـ”الحشرة” العالقة في شبكة العنكبوت، كان يمكن للقضية أن تنتهي هنا وكفى الله المؤمنين شر القتال..

المفجع في الموضوع، علاوةً على ما سبق ذكره، هو هذا المستوى الفاقع من السباب (بالشخصي وبالأعراض)، والمفجع أنّه ممنوع على أحدٍ التفكير لوحده، ممنوع  أخذ موقف أو قرار لوحده، ممنوع عليه الإنتقاد تحت طائلة التخوين والتشويه والذمّ بالشكل الشمولي الشوارعي، والذي يحصل كأنّه ماركة مسجلة عند جزء من هذا الجمهور… ممن أطلقوا عليه يوماً صفةَ “أشرف الناس”. صفةٌ لم يثبت أصحابها – والحال على ما نراه ونسمعه – أنهم يستحقونها بالفعل!

لم تفعل مريم البسام شيئاً لتستحق هذا التسونامي من السباب بالشخصي، حتى ولو فعلت فهي حرة برأيها السياسي ورأي المحطة. كان يمكن الرد على المحطة بالسياسة إلا أنّ المأزوم والمصاب بالإنفصام يهرب من المقارعة بالحجة والكلمة إلى التهجّم بالتخوين والسباب.

في هذه النقطة بالذات زادت الأمور عن حدّها كثيراً، ولم يعد بإمكان من حشا برأس هذا الجمهور  أنّه “أشرف الناس” و”أقوى الناس” و”أشطر الناس”  و… و… لم يعد بإمكانه إنزاله مجددا إلى الأرض حيث نجلس كلنا. جمهورٌ أصبح وقتُه بين كل خطابٍ وخطاب، وقتَ فراغ.

السابق
هيئة التنسيق الشمالية ترفض سياسة التسويف والمماطلة في احالة السلسلة
التالي
ندوة حواريَّة حول «الأمن القومي في لبنان»