روسيا و«عاصفة الحزم»: قلق سياسي وارتياح نفطي

كتبت “العربي الجديد” تقول: على الرغم من أن اليمن بعيد جداً عن الحدود الروسية، إلا أن تصاعد الأحداث فيه بعد انطلاق “عاصفة الحزم” يقلق موسكو من جهة، لكنه في الوقت نفسه يطمئنها إلى احتمال عودة أسعار النفط إلى الارتفاع من جهة ثانية. وليس أدل على الاهتمام الروسي بتطورات الوضع اليمني من مناقشة مجلس الأمن القومي الروسي، يوم الجمعة الماضي في اجتماع عاجل، بناء على دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للأوضاع في اليمن وحوله. ونوقشت خلاله تطورات الوضع في اليمن وانعكاساته الأمنية والاقتصادية (على أسعار النفط) المحتملة، إلى جانب المسائل الاجتماعية الاقتصادية في روسيا، والأحداث في أوكرانيا.

إلا أن متابعة موسكو للوضع في اليمن لم تقتصر على اجتماع مجلس الأمن القومي الروسي، إذ تعكس تصريحات المسؤولين الروس الأهمية التي تحتلها الأزمة. أحدثها ما نقل عن بوتين، في إطار رسالة وجهها لقادة الدول العربية المشاركة في قمة شرم الشيخ التي اختتمت أعمالها أمس وهيمن عليها الوضع في اليمن. وأكد بوتين أنه “نولي أهمية للتسوية العادلة للأزمات في كل من سورية وليبيا واليمن، على أساس القانون الدولي عن طريق حوار شامل، والبحث عن مصالحات وطنية عامة”.

وسبق هذا الموقف، إعلان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، الذي حضر القمة ونقل رسالة بوتين، أن الأطراف المتصارعة في اليمن طلبت من روسيا المساعدة في تسوية النزاع، فضلاً عن تأكيده أن لدى موسكو “اتصالات مع جميع الأطراف اليمنية، بمن فيهم الرئيس عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبد الله صالح وكذلك مع الحوثيين”، ليشير إلى المتابعة الروسية للتطورات اليمنية، بحسب ما أورد موقع “روسيا اليوم”. واختصر بوغدانوف الموقف الروسي بالقول إنه “يتلخص في منع تصعيد الوضع في اليمن، وتحقيق وقف إطلاق النار من قبل جميع الأطراف”، معتبراً أن “تصعيد النزاع في اليمن يمكن أن يؤدي إلى انهيار اليمن “كما حدث في ليبيا ويحدث حالياً في سورية”.

وسبق ذلك تعليق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على أحداث اليمن، أثناء وجوده في غواتيمالا، في إطار جولة في أميركا اللاتينية، قائلاً وفقا لوكالة “ريا نوفوستي” إن “المعايير المزدوجة واضحة للعيان، مع أننا بالطبع لم نكن نريد سواء ما حصل في أوكرانيا أو ما يحدث في اليمن”. وأضاف “في كلتا الحالتين ينبغي السير في طريق المصالحة الوطنية”.

ولم يفت لافروف الطعن بالدور الأميركي، عبر مقارنة حرب اليمن بأوضاع أوكرانيا. فالحرب في أوكرانيا، حسب رأيه، لم تكن لتحدث لو أن أوروبا وتلك الدول التي كانت شاهدة على توقيع اتفاق بين المعارضة والرئيس فيكتور يانوكوفيتش، في الثاني والعشرين من فبراير/شباط (2014)، استخدمت نفوذها وتأثيرها للمطالبة بتنفيذ فوري للاتفاقات التي داستها المعارضة بأقدامها. وأما “في اليمن، فتصرفت الولايات المتحدة الأميركية بصورة معاكسة تماماً”. وقد جاءت تصريحات لافروف في سياق رؤية الخارجية الروسية أن “عاصفة الحزم” ستزيد الوضع سوءاً. فقد أعلن المتحدث الرسمي باسم الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفتيش، أن “العملية العسكرية التي تشنها السعودية وحلفاؤها لن تؤدي إلى تسوية النزاع الأهلي في اليمن”. وفي بيان لها، عبرت الخارجية الروسية عن قناعتها “بأن التناقضات العميقة في اليمن لا يمكن تسويتها إلا على أساس حوار وطني شامل”.

وفي إشارة واضحة إلى الدور الأميركي في ما يجري في اليمن، سواء بصورة غير مباشرة عبر إعطاء أمثلة عن إمكانية انتهاك مبادئ القانون الدولي أم عبر علاقة واشنطن بالرياض، كتب رئيس مجلس الشؤون الدولية في الدوما، أليكسي بوشكوف، على صفحته في تويتر، قائلاً إن “الزعامة الأميركية (للعالم) تقود إلى فوضى حقوقية: فإذا كان يحق لحلف شمال الأطلسي قصف بلغراد وطرابلس، فإن العواصم الأخرى رأت أنه يحق لها قصف اليمن. إنها الفوضى”.

بدوره، يرى الباحث العسكري ليونيد نيرسيان، على موقع “ريغنيوم.رو” في حرب اليمن خطوة أميركية أخرى لنشر الفوضى في عموم الشرق الأوسط، وأن “السعودية والإمارات لا تأخذان بعين الاعتبار أن الدور سيصل إليهما. فالوحش الذي يربيه ويغذّيه السعوديون، سيقطع السلسلة عاجلاً أم آجلاً”.

كما يعتبر نيرسيان أن نفوذ إيران في المنطقة “يتعلق بالنتائج التي يمكن أن يحققها الشيعة في اليمن”، فيما الحرب الأهلية المديدة، على غرار ما يجري في العراق وسورية، سوف تستنزف قوى طهران ومواردها على دعم أنصارها.

من جهته، يرجّح الباحث السياسي غيورغي ميرسكي، أن تشكّل حرب اليمن “خطوة أولى في مواجهة عالمية كبرى بين المتطرفين الشيعة والسنة”، مشيراً إلى وجود “الدولة الإسلامية” (داعش) على تخوم هذه المواجهة، وإلى احتمال تعقيدات شديدة في الوضع فيما لو قررت الانتقال إلى السعودية وخوض مواجهات هناك.

وعلى الرغم من شبه إجماع في أوساط المحللين السياسيين على أن خطوة الرياض من شأنها أن تزيد الوضع سوءاً في اليمن، إلا أن إيلينا سوبونينا، مستشارة معهد الدراسات الاستراتيجية (مركز الدراسات التحليلية لدى الرئاسة الروسية)، ترى أن السعودية لم تعد تطيق صبراً على ما يجري في اليمن، “فالحوثيون اقتربوا في الأيام الأخيرة من مضيق باب المندب الذي يمر عبره جزء هام من الصادرات النفطية لبلدان الخليج نحو أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ناهيكم عن أن اشتداد قوة الحوثيين يعني مزيداً من القوة لإيران”. ووفقاً لسوبونينا، إن “هذا الأمر لم يكن للسعودية، وغيرها من بلدان الخليج احتماله”.

أما نائب رئيس إدارة معهد التنبؤ بالنزاعات السياسية وتسويتها، ألكسندر كوزنتسوف، فليفت إلى أن العملية العسكرية ضد الحوثيين سوف تقود إلى مزيد من تردي الأوضاع في اليمن، لأن “التدخل لن يؤدي إلى استعادة سيطرة الرئيس (عبد ربه منصور) هادي على كل اليمن، كما يرغب السعوديون الآن، ولكنه سيصعد النزاع، ويوقع مزيداً من الضحايا بين السكان المسالمين”، كما جاء في حديثه لوكالة “ريا نوفوستي”.

وحول تأثير حرب اليمن على أسعار النفط، يتوقف مدير قسم تحليل المعلومات لدى شركة “غاز بروم” الروسية، عند انعكاسات تعذّر الملاحة وبالتالي احتمال توقف نقل النفط عبر مضيق باب المندب الذي يعبره يومياً أكثر من 3.5 ملايين برميل. ففي حال توقفت حركة السفن نتيجة التطورات المحتملة لحرب اليمن، يرجّح كوزنتسوف أن ترتفع أسعار النفط بحدة، الأمر الذي تنتظره روسيا. ويوافقه عضو المجلس الاستشاري في اتحاد صناعيي النفط بروسيا، إيلدار كاساييف، الرأي، على ما جاء في صحيفة “كوميرسانت”، مؤكداً أن ذلك “سيكون جيداً للميزانية الروسية من جهة، ولكنه سيعني اضطرابات شديدة في سوق النفط من جهة ثانية”.

إلى ذلك، يسود رأي في روسيا يعتبر أنه فيما تبحث الدول عن مصالح شعوبها، “تقع الشعوب العربية ضحية صراعات جيوسياسية أميركية روسية، من جهة، وفارسية عثمانية، من جهة أخرى”.

ووفقاً لأصحاب هذا الرأي، فإن “العرب اليوم يُستخدمون أدوات في مواجهة جيوسياسية روسية – أميركية، ووقوداً لصراع على زعامة المنطقة بين مشروعين فارسي وعثماني، يستخدم فيه الخلاف المذهبي لتجنيد الجاهلين المستعدين للموت. وفيما تعرف الدول القوية كيف تستخلص مصالحها من هذا الصراع، يزداد العرب تفتتاً وضعفاً وتخلفاً”.

السابق
عدد الأساتذة في مدارس النبطية الابتدائية يوازي عدد تلامذتها!
التالي
جاهدة وهبة و«الآلام»