الأسلاك الكهربائية تُسرق وتُحرق.. والقضاء يتفرّج!

كيفما نظر اللبناني، وأنّى توجّه في أيّة بقعة من بلاده المسجاة على مساحة 10452 كيلومتراً مربّعاً، سواء في المدن، أو في الأرياف القريبة والبعيدة، وقعت عيناه على أميال وأرتال من الأسلاك الكهربائية الممدّدة بطريقة عشوائية مقزّزة ومنفرة على الطرقات والأوتوسترادات والشوارع الضيّقة والعامة، من دون أن تراعي جمالية البيئة، والسلامة العامة، إذ إنّها قابلة للإحتكاك والانفجار، وإحداث الأضرار في أيّة لحظة، وخصوصاً في حال ترافقت مع استجرار الكهرباء خلافاً للأصول القانونية الرسمية المعتمدة لدى الشركة العامة أيّ مؤسّسة كهرباء لبنان، عبر العدّادات والساعات الموضوعة لهذا الخصوص.

وما يزيد المنظر بشاعة واشمئزازاً، هو التمديدات الإضافية لأصحاب المولّدات والتي تهبط أسلاكها إلى مستوى منخفض تشكّل فيه خطراً على سلامة الإنسان كونها لا تعلو سوى أمتار قليلة عن الأرض، ويتمّ وصلها حيناً، بأسفل شرفات الطوابق الأولى من البنايات، أو تركها حيناً آخر، معلّقة في الهواء تتطاير مع كلّ نسمة أو ريح، أو“تزيّن” الأشجار المغروسة على الطرقات إنْ وجدت على قلّتها، ومع أنّ هذا الواقع الكارثي والذي يصادفه اللبناني كيفما تلفّت، يسيء إلى سمعة البلديات المعنية، إلاّ أنّها تقف متفرّجة، وكأنّ الأمر لا يعنيها، وكأنّ هذا الاعتداء واقع على أراضي الغير.

منع السرقات

وتتعاطى الدولة اللبنانية ممثّلة بوزارة الطاقة، بكثير من الإهمال واللامبالاة مع هذا القطاع الحيوي، وبدلاً من الإستفادة ممّا يمكن أن يدرّه على خزينتها من أموال طائلة نتيجة الجباية السليمة، ومنع السرقات، و“التعليقات“، و“الخوّات“، و“التشبيحات“، وتأمين الكهرباء طوال ساعات اليوم، تراها تتراجع خطوات إلى الوراء لمصلحة “مافيا” أصحاب المولّدات الذين يكنزون الذهب والأموال على حسابها وعلى حساب المواطنين وقد صاروا عرضة للاستهزاء من العاملات الأجنبيات لدى شريحة كبيرة منهم، لأنّ الكهرباء لا تنقطع في بنغلادش، ولا تتوقّف في سيرلانكا، وتظلّ الأضواء مشعشعة في الفيليبين وأثيوبيا، وهذه الدول مصنّفة ناميةً وعالماً ثالثاً، فكيف الحال مع الدول المتطوّرة والمتحضّرة والتي لا تعرف إنقطاعاً في الكهرباء إلاّ في حالات نادرة جدّاً ولدقائق معدودة، وإذا ما صودف حدوثه خارج إرادة السلطات، يبدي الشعب استياءه من حرمانه من هذا الحقّ المقدّس في حياته اليومية؟.

قصور قضائي

وعلى الرغم من أنّ قانون العقوبات اللبناني ينصّ صراحة على معاقبة كلّ من يسرق الكهرباء وكلّ الطاقات المحرزة، في مادته 635، إلاّ أنّ محاضر المخالفات التي ترد إلى القضاء في مختلف المناطق لا توازي هذه السرقات أهميّة، ولا تصل إلى حجمها، بل تظلّ قاصرة عن تعقّبها، وذلك بفعل انعدام الرقابة وتراجعها، وعدم قدرة فرق التفتيش على الدخول إلى كلّ الأماكن والمناطق اللبنانية، وتعرّض أعضائها لمضايقات ممنهجة ومعدّة سلفاً وصولاً إلى الاعتداء عليهم ومنعهم من القيام بواجبهم، والحؤول دون تسطير محاضر ضبط بملايين الليرات ليبقى الأمر سائباً على غاربه، ومن دون محاسبة أو مساءلة، في مشهد فوضوي ينمّ عن تراجع حضور الدولة.

الإضرار بالبيئة

وكثيراً ما تتضمّن التقارير الأمنية الرسمية أخباراً ومعلومات عن قيام أشخاص مجهولين بسرقة مئات الأمتار من الأسلاك الكهربائية في مختلف المناطق، من دون أن تغفل أيديهم عن التعدّي على الكابلات برمّتها، والمحوّلات كلّها بهدف بيعها وكسب المال الحرام من نحاسها، وهذا اعتداء إضافي على البيئة كونهم يقومون بحرق الأسلاك في الحقول والبساتين وتحويل أرضها وأشجارها وأزهارها إلى منكوبة، ونفث سمومها الناتج عن دخانها و“شحتارها” في الأفق والأجواء.

وفي موازاة ذلك، نادراً ما يتمّ توقيف عصابات سرقة الأسلاك الكهربائية، وإذا ما حصل، فإنّ قوانين حماية البيئة لا تُراعى بالشكل المناسب، ولا تستخدم ضدّها كما يؤمل، فلا يجري الادعاء على أفرادها بحرق التربة والإضرار بها وبمزروعاتها، وتلويث الهواء والينابيع العذبة القريبة منها، نتيجة إحراق الأسلاك الكهربائية لاستخراج النحاس منها، وهذا ما يزيدهم إصراراً على مواصلة الاعتداء على البيئة لانتفاء الرادع القانوني. ولا أحد يسأل عن هذا النقص في الادعاء، فلا النيابات العامة الاستئنافية تلتفت إلى هذا الموضوع المهمّ والحسّاس، ولا وزارة البيئة تثيره مع وزارة العدل لكي يتحرّك المحامون العامون البيئيون المتفرّغون من القضاة، ويتخذوا الإجراءات القانونية المناسبة بغية وقف هذه التعدّيات المنتشرة بكثافة لا نظير لها في غير منطقة لبنانية.

عيّنات من السرقات

ومن الأخبار الموثّقة أمنياً على سبيل المثال لا الحصر، أنّ مجهولين سرقوا 120 متراً من الأسلاك الكهربائية عن الشبكة العامة على طريق المطلّة-حصروت في قضاء الشوف، كما سرق آخرون 900 متر من الأسلاك الكهربائية عن الشبكة العامة في بلدة حناوية في قضاء صور، وأقدم مجهولون على سرقة أسلاك كهربائية عن الشبكة العامة بطول مسافة سبعة كيلومترات على ثلاث خطوط بين بلدتي شويا وشبعا.

إرتداد سلبي

وإذا كان الفاعل دائماً، مجهولاً وغير معلوم بالاسم، إلاّ أنّه ينبغي إبقاء فعلته قيد الرصد والمتابعة الحثيثة لمنع التكرار والتمادي فيها، إنطلاقاً من مبدأ المسؤولية الوطنية، وما التغاضي عن هذه السرقة، والاستهتار بحدوثها في وضح النهار، سوى تشجيع على نهب المال العام وممتلكات الغير، وتحفيز على التعاطي مع البيئة بسلبية كبيرة ترتدّ بموبقاتها عليها. ولا يكفي الاكتفاء بتسجيل حادثة السرقة والإضرار بالبيئة، بل يتوجّب ملاحقة الفاعلين واعتبار جرمهم موازياً للجرائم المهمّة ولو بنسبة أقلّ، وذلك في سبيل خفض الإقبال الكثيف عليها صوناً للمصلحة العامة. ويعيش أصحاب المولّدات الكهربائية من مآدب مؤسّسة كهرباء لبنان إذا صحّ التعبير، ذلك أنّهم يستفيدون من الانقطاع المتواصل للكهرباء، ومن إستجرار الخطوط الباردة للعلب والصناديق التي ينشرونها تحت أعمدة الكهرباء في كلّ مكان بغية إيصال الكهرباء إلى المنازل، والمتاجر، والمكاتب، والمؤسّسات والشركات الصغيرة، وهذا عامل إضافي لزيادة البشاعة، وإلحاق الأذى بالبيئة وجماليتها، من دون أن يتحرّك لديهم الحسّ الإنساني بوجوب الحفاظ على البيئة من أيّ شيء يمكن أن يربكها، أو يؤذيها، أو ينسف مكوّناتها، فالمهمّ لديهم هو زيادة الأرباح المالية على حساب المصلحة العامة.

(greenarea)

 

السابق
«داعش» يستبيح عرسال ذبحاً وخطفاً وتهجيراً
التالي
برّي: الحوار أثبت جدواه.. وسلام: القمّة مُميّزة وإستثنائية