«النووي» الإيراني وتقسيم المنطقة

لا يُمكن الفصل بين «عاصفة الحزم» المعلنة، وبين السياق السياسي والعسكري الذي تعيشه المنطقة. في ربع الساعة الأخير قبل تظهير الإتفاق النووي بين ايران والغرب، تحرّك محور المتضررين، وبدأت جملة من الخطوات التي ستساهم برَسم المشهد الإقليمي للمرحلة المقبلة.

في سويسرا يستكمل وزيرا الخارجية الايراني والاميركي المحادثات النووية، وفي الميدان تُسارع الرياض وأنقرة الى حجز موقع في النظام الإقليمي الذي سيولد بعد الإتفاق، حسبما يرى المحلّلون السياسيون المؤيّدون لطهران، ويضيفون انّ «واشنطن ليست بريئة، وهي تفاوض الإيراني بالنار وتستفيد من التقييم السياسي السعودي-التركي من الدور المتعاظم لإيران، وتقول لمَن يفاوضها ولإسرائيل وحلفائها في المنطقة إنها لن تتركهم وحدهم يواجهون التقدّم الإيراني في المنطقة».

هذا الموقف الأميركي لا يزال في الإطار النظري. عندما كان الأتراك والسعوديون يصرخون ويضغطون على واشنطن لضرب سوريا والإجهاز على «النظام» فيها، كانت واشنطن تجيبهم إنها غير قادرة وغير راغبة بالتورّط في دمشق.

وعندما جرى تشكيل التحالف الغربي لمحاربة «داعش» طالبَت انقرة والرياض بأن تشمل الضربات الجوية قوات الجيش السوري والدفاع الوطني. وفي هذا الطلب نظرية سياسية صاغها وكتبها وأعلنها كتّاب وسياسيون أتراك، ومفادها انّ «إسقاط داعش» يصبّ في مصلحة ايران والنظام في سوريا.

هذا الحنق من مواقف واشنطن المخيّبة للآمال في سوريا والعراق وفي الدفع نحو التفاهم مع طهران، تزامنَ مع تقدّم «أنصار الله» الحوثيين وقوات الجيش اليمني نحو صنعاء ثم عدن، وبَدا هذا التقدم إكتمالاً للطوق حول السعودية، وبَدت كل المنطقة ذاهبة نحو سياق لا مكان فيه للعودة، أو للتصريحات الأردوغانية النارية من دون مفاعيل على الأرض.

إنها الأرض إذاً، التي تحوّلت بفعل السياسات الدولية والاقليمية الى ميدان حرب. رأت كل من الرياض ومعها أنقرة من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، انّ الأميركي جدّي في التفاهم مع طهران، ورأت ايضاً انّ نتائج التفاهم الإيراني ـ الأميركي ستكون على حسابها وستضعها في مؤخرة القوى الإقليمية المؤثرة.

من هنا كان لا بد للسعودية من القيام بعمل ما في اليمن، وللأتراك في سوريا، وذلك من أجل حجز مكان في أي صيغة إقليمية تسووية في المنطقة، ولم تكن «عاصفة الحزم» وحدها ركيزة هذا التفكير، بل كان الأتراك يدفعون بقواتهم من المسلحين الموجودين في الشمال نحو إدلب، وكذلك الأمر نحو الجنوب السوري حيث شكلت معركة «بصرى الشام» أحد أهمّ ملامح العودة السعودية الى الميدان السوري إنطلاقاً من قاعدة «موك» في الأردن، حسب قراءة القريبين من محور ايران.

في العراق، السباق بين الدولة العراقية وكل من أنقرة والرياض واضح في الميدان. واصبح واضحاً ايضاً انّ واشنطن لا تريد للدولة العراقية أن تقوم بتحرير تكريت والموصل من «داعش»، إنما تريد لقوى حليفة أن تصبح لديها أوراق ميدانية في كل من سوريا والعراق واليمن.

لا أحد في وسعه الجزم بنجاح العمل العسكري، فهذا النوع من الحروب ينتصر فيه القادر على الصمود لوقت طويل. وكما يراهن السعودي على تحسين شروطه الإقليمية من خلال الإندفاعة في اليمن، يرى «محور المقاومة» انّ هذه الحرب يمكن تحويلها فرصة تجعل السعودية تتورّط طويلاً في الميدان اليمني بلا مكاسب سياسية.

كان متوقعاً ان يتحرك الميدان بالتزامن مع المفاوضات الإيرانية ـ الأميركية، ولكنّ الرياض ذهبت بعيداً في مواجهة إيران وحلفائها، ولم يعد أمامها سوى ان «تنتصر» في اليمن، أو أن تنكفىء.

المخيف في كل ذلك انّ «التقسيم» في سوريا والعراق واليمن يمكن ان يصبح واقعاً إذا استمرت الحروب المدعومة أميركياً. وعليه، تدخل المنطقة مجدداً في مرحلة نزاعات حادة وعميقة ومؤثرة، وبعدها يتعب الجميع، فتأتي واشنطن ومعها الغرب كله لتقسيم المنطقة بناء على خرائط مذهبية مرسومة ميدانياً بالنار، وهنا مكمن الإنفجار.

(الجمهورية)

السابق
حرب اليمن… و«الفوضى الخلّاقة»؟
التالي
الأساس تحرير سوريا