حاصبيا: بلد الزيتون… و«النفط»

لم تعد بلدة حاصبيا ترتبط بإنتاج الزيتون وزيته فقط، بل هي تاريخياً تُنتج النفط، وإن غاب ذلك عن بال الجهات الرسمية، التي من عادتها عدم الإهتمام بالثروات المدفونة في الأرض اللبنانية.

نفط حاصبيا ليس كالنفط السائل المتعارف عليه، بل هو نفط جامد، يخرج على شكل حجارة سوداء، تعرف في المنطقة بإسم “الحمّر”، وهي عُرفت في السابق كحجارة ذات شكل ولون جميلين ليس إلاّ، وبقيت كذلك الى حين لفت بريق هذه الحجارة السلطات الفرنسية التي استعمرت لبنان، فإستقدمت معدات وحفرت في نقاط عديدة لإستخراج هذا الحجر، وقامت بمعالجته واستخدامه بعد ذلك كوقود للقطارات، وباعته إلى دول أوروبية عديدة.

الحجر الأسود الجميل إستخرجه سكان حاصبيا بظروف صعبة، أدت في إحدى المرات الى وفاة 3 عمال في العام 1954، هم جميل وزير، إيليا التن وكنج اسرائيل، بعد ان كانوا ينقبون عن الحمّر في منجم حفر على عمق 100 متر في باطن الأرض، وفق ما يذكره أبو عادل أبو دهن (رجل ثمانيني)، آخر العمال الأحياء الذين عملوا في استخراج الحمّر في المنطقة.

يضيف أبو دهن ان احد الملاكين في حاصبيا، ويدعى نسيب غبريل حصل عام 1933 على رخصة استثمار للحمّر لمدة 25 سنة من السلطات الفرنسية، وعمل على تحديث الاستخراج من الطرق البدائية (الحفر بالمعاول) الى التعاقد مع شركات عالمية (فرنسية وهولندية وسويسرية) استخدمت الحفارات لحفر الانفاق وتركيب سلالم حديد ومصاعد تعمل على الكهرباء، وتصل الى العمق المطلوب. وتم تركيب سكك حديدية تحمل عربات تستطيع حمل كمية اكبر من الحجارة، وتسهّل عملية النقل الى السطح، مما رفع كمية الانتاج من 500 طن الى اكثر من 2000 طن سنوياً. وكان الطن حينها يباع بـ 1000 ليرة، بينما يبلغ سعره العالمي اليوم حوالي 1000 دولار.

لم يتوقف غنى المنطقة على الحمّر فقط، اذ ان جودة المادة اثرت ايجاباً على التربة، حيث تبين لاحقاً، كما يؤكد أبو دهن، ان التربة في منطقة استخراج الحمّر غنية بالمواد الكيماوية (زيوت وآزوت) وهي تعتبر ممتازة للزراعة، اذا تمت معالجتها واستخدامها كأسمدة زراعية. والغريب في الأمر، ان كميات الحمّر الموجودة تفوق 8 مليون طن، وفق ما بيّنته بعثة المهندسين الفرنسيين عام 1972، وهي موجودة على عمق 100 متر فقط، اي ان الكمية ليست عميقة، الأمر الذي ينعكس ايجاباً على كلفة الإنتاج. وبرغم ذلك فإن الدولة اللبنانية غائبة عن الموضوع تماماً.

وتجدر الإشارة الى ان للحمّر فوائد صناعية جمّة، فهو يستخدم في صناعة الدهانات وأجود انواع الصباغ، ويستخدم خصوصاً في انواع الدهانات المخصصة لطلي البواخر، ويستعمل كذلك كمادة عازلة للماء، ويدخل في صناعة الادوية ومبيدات الحشرات الزراعية.
(المدن)

السابق
الكتيبة الكورية كرمت اعلاميين في صور
التالي
أين ستردّ إيران وكيف ومتى؟