أين ستردّ إيران وكيف ومتى؟

التدخّل العربي-الإسلامي في اليمن يشكّل تحوّلاً استراتيجياً على مستوى المنطقة، وصفعةً قوية لطهران، وتحَدّياً كبيراً لنفوذها وتمدّدِها وأحلامها الأمبراطورية. وبالتالي، السؤال الذي يَطرح نفسه اليوم: أين وكيف ومتى ستردّ إيران على «عاصفة الحزم»؟!

ما بعد التدخّل العربي العسكري في اليمن لن يكون كما قبله. فالمنطقة أصبحت اليوم أمام واقع جديد. وقد استدعت محاولة الحسم الإيرانية-الحوثية تشكيل القوة العربية المشتركة حتى قبل ولادتها الرسمية في القمة العربية والتي أقرّت على مستوى وزراء الخارجية.

فالقوة المعنوية التي أعطيت للشعب اليمني ستمكّنه من إنهاء الاحتلال الحوثي، وتعيد الاعتبار للمبادرة الخليجية وللحل السلمي. فالحلم بتحويل اليمن إلى عراق آخر انتهى، كما أنّ الحلم بتهديد الأمن السعودي والوصول إلى باب المندب ولّى إلى غير رجعة.

واعتباراً من اليوم لم يعد مهماً الحديث عن النووي ومآله ومصيره، لأنّ المنطقة أصبحت أمام ميزان قوى فعلي سيجعل طهران تحسب ألف حساب لأيّ خطوة عسكرية قد تلجأ إليها مستقبلاً، حيث أنّ خلاف ذلك يدخل المنطقة برمّتها في حرب إقليمية يصعب التكهن بنتائجها.

وبالتالي، هذا التدخل العسكري كان أكثر من ضروري لجملة أسباب، أهمها الآتي:

أولاً، إعادة التوازن إلى المشهد الإقليمي الذي اختلّ لمصلحة طهران التي وصل بها الحد إلى اعتبار بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء تحت نفوذها.

ثانياً، جعل اليمن خط أحمر ممنوع أن يكون تحت النفوذ الإيراني، وذلك على غرار البحرين.

ثالثاً، توجيه رسالة عسكرية لطهران بأنّ الأمور غير متروكة، وأنّ الدول العربية ليست ساحات مفتوحة لأطماعها.

رابعاً، التأكيد على ضرورة وجود قوة عربية مشتركة، فالبروفا في اليمن كانت ناجحة وسيُصار إلى تثبيتها ومأسستها.

خامساً، الذهاب إلى التسوية، أي تسوية، سيكون من موقع القوة لا الضعف، لأنّ طهران، قبل هذه العملية، كانت في موقع القادر على فرض شروطها للحل، أمّا اليوم فاختلفت المعادلة.

سادساً، فتح باب الحوار والحلول السلمية لا يتمّ إلّا في حال وجود توازن حقيقي، فيما غياب التوازن يُبقي الصراع مفتوحاً انطلاقاً من الرغبة التوسعية التي لا يمكن القضاء عليها إلّا من خلال فرض ميزان قوى فعلي.

سابعاً، الخروج بخلاصة جوهرية والتي ينطبق عليها المثل الآتي: «ما بيحِك جلدك غير ظفرك»، بمعنى أنّ العرب لا يمكنهم الاتكال سوى على أنفسهم، لا على واشنطن ولا على أي دولة في العالم. فعلى رغم أنّ أمن إسرائيل يدخل في صلب الاستراتيجية الأميركية، إلّا أنّ الإسرائيليين يتكئون على أنفسهم في حماية دولتهم ومشروعهم.

ثامناً، الحياة لا تحتمل الفراغ، فأيّ تراجع وانكفاء من هذه الجهة سيملأ من الجهة المقابلة، وهذا من البديهيات والمسلّمات. وبالتالي، العودة العربية تشكل فرصة لإعادة الأمور إلى نصابها.

تاسعاً، الدخول بقوة على الملفين العراقي والسوري، وإذا كان يصعب الحديث عن حلول في هاتين الدولتين لمصلحة السعودية والعرب، فإنه يستحيل أيضاً الحديث من الآن وصاعداً عن حلول لمصلحة إيران.

عاشراً، الحديث عن إعادة تعويم النظام السوري انتهى مع هذه الضربة التي أكدت أن لا حلّ في سوريا مع النظام القائم. ؟

حادي عشر، أعادت هذه الضربة رفعَ منسوب المعنويات للقوى العربية والسنّية التي على تماس مع إيران أو عدمه، ومن المتوقّع أن تشكّل دينامية تترجم قريباً في الميدان. واللافت أنّ الاستخبارات الإيرانية لم تكشف الاتصالات العربية-العربية والعربية-الدولية وتحرّك كلّ هذه الأساطيل استعداداً للمواجهة العسكرية.

ثاني عشر، أكّدت هذه الضربة أنّ واشنطن تتعامل بواقعية وبراغماتية، فهي ليست مستعدّة للقيام بهذه المواجهة محلّ العرب، ولم تعترض بالمقابل على التحرّك السعودي-العربي، بل حصل في ضوء أخضر أميركي، حيث حاولت الموازنة معه من خلال دخول التحالف الدولي على خط شنّ غارات على مواقع «داعش» في تكريت بغية مساعدة النظام العراقي والميليشيات الشيعية للسيطرة على هذه المنطقة.

وعلى رغم مساوئ التدخّل الدولي في تكريت، لأنّه لا يتمّ على قاعدة احترام المكوّن السنّي ودوره على مستوى النظام، إلّا أنّ إيجابيته تتمثّل بتظهير العجز الإيراني عن الحَسم، وذلك بعد أن وضَع كلَّ ثقلِه ولم يتمكّن من تغيير الوقائع في منطقة صغيرة مثل تكريت، وبالتالي كيف سيكون عليه الواقع في الموصل التي لا يمكن أن تسقط إلّا بعد الإقرار بالمكوّن السنّي كشريك في المعادلة العراقية؟

ما حصل في اليمن سيقف، اليوم، عند حدود اليمن، ولكن هذه السابقة المستجدّة في الصراع السعودي-الإيراني والسنّي-الشيعي ستشكّل سيفاً مسلطاً على أيّ تجاوز إيراني للخطوط الحمر والسقوف في كلّ مِن العراق وسوريا ولبنان، خصوصاً مع تشكّل رباعي لا يمكن الاستهانة بثقله وفعاليته وقوّته: السعودية، مصر، تركيا وباكستان.

ولكن يبقى السؤال، هل ستردّ إيران على الصفعة السعودية ومتى وأين وكيف؟ لا شكّ في أنّ طهران محرَجة جداً، ولم تكن تتوقّع هذا التطوّر انطلاقاً مِن رهانها على التخاذل العربي، وعدمُ ردّها سينعكس سلباً على معنويات ميليشياتها، وفي حال قرّرَت الرد لم يعُد بإمكانها الاستمرار بالعَلنية نفسِها تجَنّبا لمواجهة مباشَرة من الجهة المقابلة، وبالتالي أمام إيران خمس ساحات: اليمن والعراق وسوريا ولبنان وإسرائيل.

فالردّ في اليمن لن يقدّم ولن يؤخّر، وقد فهِمت طهران الرسالة جيّداً بأنّه خطّ أحمر دولي ممنوع تجاوزه. والرد في العراق وسوريا هو المرجّح على طريقة إدخال مزيد من القوات الإيرانية من أجل تحقيق انتصارات ميدانية تعوّض الهزيمة في صنعاء، ولكنّ الوقائع الميدانية في هاتين الدولتين أثبَتت صعوبة كسر ميزان القوى القائم.

والرد في لبنان مستبعَد للأسباب نفسِها المتّصلة بحاجة «حزب الله» إلى تهدئة الساحة اللبنانية لمواصلة قتالِه في سوريا والعراق. وأمّا الرد باتّجاه إشعال مواجهة مع إسرائيل فهو أيضاً مستبعَد، لأنّ طهران وميليشياتها لا تتحمّل فتحَ جبهات على محاور عدة.

وعليه، طهران أصبحَت أمام أمر واقع جديد لا يمكنها إلّا التسليم به والتعامل معه، وبالتالي ستُسلّم بالهزيمة اليمنية، ولن تردّ حفاظاً على أوراقها في العراق وسوريا ولبنان، وتجَنّباً لحرب إقليمية ومواجهة في ظلّ الاندفاعة العربية-السنّية.

(الجمهورية)

السابق
حاصبيا: بلد الزيتون… و«النفط»
التالي
بعد يومين.. رحّال ينفي كلامه عن السنيورة: سرقوا صفحتي بالفيسبوك