اعترافات الدنماركي مورتن ستورم دليل الأميركيين الى قتل أنور العولقي

يصعب القول من هو الاسوأ: «الجهادي» أم «المرتزق»؟ الدنماركي مورتن ستورم جمع بين الصفتين حتى انه عمل في الوقت ذاته لثلاثة من أجهزة الاستخبارات، الدنماركية والبريطانية والأميركية، وساعد الاخيرة في اغتيالات عدة منها خصوصاً اغتيال المسؤول السابق لـ«القاعدة» في شبه جزيرة العرب أنور العولقي.

بدأ ستورم، وفقاً للنسخة الفرنسية التي صدرت أخيراً لكتابه «عميل في قلب القاعدة»، حياته جانحاً، ما أدى لدخوله السجن حيث تجذر وتحول الى جهادي، ثم اصبح عميلاً يزود الاستخبارات معلومات عن «اخوانه» السابقين ليكتشف متأخراً انه مجرد دمية تستخدمها الاجهزة المختلفة على هواها.

و لد ستورم الذي اعد كتابه بالتعاون مع اثنين من صحافيي قناة «سي أن أن» التلفزيونية هما بول كرويكشانك وتيم ليستر في بلدة كورسور الدنماركية الساحلية عام ١٩٧٦ في أسرة بسيطة ومفككة، وهو ما يفسر ميله المبكر الى الجنوح في سن الـ١٣.

نشأ على العنف والشغب، وعمل على تهريب السجائر بين المانيا والدنمارك حتى دخل السجن، وانضم لدى خروجه الى إحدى العصابات، يقول انه بواسطتها شعر انه «ينتمي الى اسرة»، فانجرّ الى تعاطي المخدرات.

في صيف ١٩٩٧ دخل السجن مجدداً بتهمة، تبين لاحقاً انها خاطئة، لكن اقامته في السجن غيرت مجرى حياته فاعتنق الاسلام وتجذر بتشجيع من معتقل آخر، ما أتاح له التعرف إلى العديد من المعتقلين الجهاديين.

عندما غادر السجن انتقل للإقامة في بريطانيا ثم توجه الى اليمن حيث التحق بمدرسة دينية، وبدأ يكوّن لنفسه شبكة من الروابط والعلاقات مع أوروبيين مثله اعتنقوا الاسلام ومع أئمة جذريين.

شبكة العلاقات هذه توسعت تلقائياً في موازاة تنقلاته الدورية.

ففي بريطانيا تعرف على اشخاص من أمثال ريتشارد ريد المعروف بأسم «صاحب الحذاء المفخخ» وزكريا موسوي الفرنسي المعتقل في غوانتانامو، من خلال تردده على مسجدي ريجنت بارك وبريكستون.

وفي اليمن تقرب من الشيخ عبدالمجيد الزنداني ثم تعرف على العولقي وانضم الى حلقة دراسية كان يتولاها الاخير في صنعاء التي كانت في تلك الفترة بحسب ستورم» بؤرة لتجذير الأجانب».

الاحداث الدولية وفي طليعتها حرب العراق، عززت ارتباطه بالاوساط الاصولية ورغب بالتوجه للقتال في الصومال فعاد في نهاية عام ٢٠٠٦ الى الدنمارك للعمل وجمع بعض المال لتمويل رحلته.

في تلك الفترة يقول ستورم، اتصلت به الاستخبارات الدنماركية وحاولت طرح بعض الاسئلة عليه، لكنه أكد انه لم يبد أي تجاوب معها واستمر في الإعداد لسفره الى الصومال الذي فشل في اللحظة الاخيرة.

فشله هذا أصابه بالإحباط وجعله يتساءل حول خياراته وقناعاته، اذ انه بلغ الـ٣١ من العمر ولم يحقق شيئاً. بدأ الشك يتسلل الى نفسه الى ان ضرب عرض الحائط بكل القناعات التي حكمت حياته فشعر انه «اصبح عدواً لاصدقائه».

هذه العداوة تحولت الى واقع في ربيع ٢٠٠٧ حين بدأ يتعاون مع الاستخبارات الدنماركية ويزودها معلومات عن الاصوليين، مبرراً تحوله هذا بقناعة جديدة على نقيض السابقة مفادها ان من الضروري ان يتحرك لمنع أي مجزرة في بلده أو في أوروبا.

ولا يعادل سرعة اعتناقه الاسلام وسعيه للجهاد دفاعاً عن المسلمين في مواجهة «الكفار»سوى سرعة انقلابه على نفسه وتعاونه مع أجهزة الاستخبارات لتجنيبهم شرور الجهاديين والاصوليين.

في إطار مهامه الجديدة أقام في طرابلس (شمال لبنان) حيث التحق بالشيخ عمر بكري فستق الذي كان تعرف عليه في لندن وتغلغل داخل حركة «فتح الاسلام» المرتبطة بـ «القاعدة» وكان يقودها صدام الحج ديب.

المعلومات التي جمعها عن الاصوليين في شمال لبنان اثارت اهتمام الاستخبارات البريطانية التي كلفته تزويدها معلومات عن شبكة عمر بكري فستق في لندن حيث عاد للإقامة وساعد على افشال أعمال ارهابية في طور الاعداد، وما لبث أن وسع علاقاته مع الاصوليين في الصومال.

معرفته الوطيدة والشخصية بالعولقي جذبت نحوه أنظار الاستخبارات الاميركية، خصوصاً أن الأخير بدأ يتحول من داعية الى جهادي يحمل السلاح ويعد لاعمال ارهابية ويدافع علناً عما يحصل منها، على غرار دعمه عملية قاعدة نورث وود الاميركية التي ادت الى مقتل ١٣ جندياً أميركياً في تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩.

وفي تلك الفترة كان ستورم يعمل على تقريب العولقي من الاصوليين الصوماليين وفي الوقت نفسه تغذيته أجهزة الاستخبارات الثلاثة بالمعلومات عن الشبكات الاصولية.

وأكثر ما كان يؤرقه في تلك الفترة ليس الخداع الذي أتقنه جيداً وانما اضطراره للاستمرار في الظهور في مظهر المسلم الاصولي فلم يتردد مثلاً في تعريف شابة كرواتية اعتنقت الاسلام تدعى أمينة على العولقي لتصبح زوجته الثالثة، على رغم علمه بما تعده الاستخبارات الاميركية.

وتقاضى ستورم مبلغ ٢٥٠ ألف دولار لقاء مساعدته في ايصال أمينة الى اليمن وهي تحمل من دون أن تعرف حقيبة مزودة أجهزة كفيلة بارشاد الاميركيين الى مكان وجودها مع العولقي. لكن الحقيبة لم ترافق أمينة الى جنوب اليمن بل بقيت في صنعاء، ما جعل الاميركيين يبذلون المزيد من الجهد لتحديد مكان وجود العولقي خصوصاً ان مقتل زعيم «القاعدة» اسامة بن لادن أضفى على المهمة المزيد من الإلحاح بالنسبة اليهم.

عادوا مجدداً الى ستورم ووعدوه بمبلغ ٥ ملايين دولار لمساعدتهم على تحديد مكان وجود العولقي والعمل على التخلص منه، وهو ما بدأ يعد له بمواظبة ودقة، مزوداً الاستخبارات الاميركية تباعاً بما لديه ليفاجأ بنبأ اغتيال من يقول انه «صديقي وأخي ومرشدي»، بواسطة طائرة أميركية من نوع «درون» في أيلول (سبتمبر) ٢٠١١.

تنصل الأميركيون بالطبع من تسديد المبلغ الموعود، وتدهورت علاقة ستورم بهم مثلما تدهورت لاحقاً علاقته بالبريطانيين والدنماركيين، فقرر البوح بكل ما لديه لصحيفة «يلاند بوست» الدنماركية حماية لنفسه. هذه الخطوة تكاد تكون الوحيدة الصادقة التي يقدم عليها.

(الحياة)

السابق
الإعلام الإيراني يصف التدخل العسكري السعودي في اليمن بـ«الاعتداءات»
التالي
الطاهر بن جلّون: الإسلام يجب أن يُقرأ بطريقة رمزية لا حرفيّة