ألم يَعُد العداء لإسرائيل قوة للفلسطينيين؟

لنلعبها براءة، ونصدق ما نشاهده ونقرأه، فماذا نلاحظ؟ الرئيس الأميركي أوباما يغازل الإيرانيين في عيد “النوروز” ثانية، وقبلها بستة أعوام، يشيد بعراقتهم وحضارتهم وثقافتهم، مسرّباً رجاء بأن يقبلوا بما يقدمه لهم ويتخلوا علن القنبلة. ولكنه من ناحية أخرى، لا يتوانى عن تذكير حليفه الإستراتيجي، نتانياهو، بأنه أخلّ بوعده في إقامة الدولتين، وبتجميد بناء المستوطنات والتوقف عن التوسع الإحتلالي في الضفة الغربية. مستشاره الخاص وكبير موظفي البيت الأبيض، دينيس مكدونا، يليه بعد ذلك، وفي خطاب أمام جماعة أميركية يهودية ليبرالية، فيتقدم عنه بالإعلان بأن بلاده “تتوقع أن تنهي الحكومة الإسرائيلية قرابة خمسين عاماً من الإحتلال وأن تفسح الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية (…) ذات سيادة”، ويعاهد على “مواصلة معارضة الأنشطة الإستيطانية لأنها تقوض فرص السلام”. علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، يردّ على الغزل الأميركي بالتشديد على حقه القومي والسيادي بامتلاك القدرة النووية. لا ضمانات كما يريدها لأميركيون، لا تدقيق، لا تفتيش، لا ابطاء؛ وشعار “الموت لأميركا”، ينغّم خطابه.

بقية الطبقة الحاكمة تكرر هذا الحق، وتضيف إليه تصريحات انتصارية عن بلدان عربية خرقتها بتنظيماتها الميليشياوية؛ فتوزع أقوالاً هنا وهناك، خلاصتها انها ممسكة بالقرار في تلك البلدان. فيما “زحفها” المظفر في بلدان جديدة، مثل اليمن، يحصل على المرئى من العالم، وقد بلغت اصداؤه مجلس الأمن نفسه. في الوقت نفسه، ينتفخ “حزب الله”، وهو تنظيم اعتمدته ايران مبكرا في استراتيجيتها التوسعية، ينتفخ هذا الحزب بعضلات الصواريخ، البعيدة والقصير والمتوسط، والطائرات، وعدد المنتظمين في صفوفه والاحتياط، وتجربته القتالية في سوريا، وعقيدته القتالية الجديدة، القائمة على الهجوم… يتهافت إعلامه على ترجمة التقارير الإسرائيلية المشيدة بقدراته القتالية وبحنكة قائده وذكائه واطلاعه وفهمه العميق لتاريخ المنطقة الخ. بهذه الكلمات والشعارات والنوايا المعلنة، تُخاض الآن “الحرب ضد الارهاب”، التي يفترض انها جمعت الشيطان الأكبر بإبليس الشرق. بعبارات لا يبدو الإرهاب داخلها الا كمعنى ضمني، متذبذب، ملتبس. والأهم انه، لو قورنت معركة اليوم بتلك التي خيضت من أجل تثبيت دعائم “حزب الله”، في لبنان، مثلا، فسوف نلاحظ الأمر البديهي التالي: إن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين وتحرير كامل التراب وإزالة اسرائيل… إلى ما هنالك من من مواد تعبئة وتجنيد لمن يحب ان يصدق…. كل هذا اختفى تماماً من المشهد، وأصبحت أميركا، صاحبة العلاقة العضوية باسرائيل، تتصدر لسان الفلسطينيين وآمالهم؛ تحولت إيران إلى مخترق لدول عربية بعينها، على الطريقة الأخبث من الاسرائيلية، ولا يعنيها من الصراع الذي تخوضه سوى قنبلتها النووية؛ فيما تنظيمها الأعرق، “حزب الله”، يأنس بالخوف الذي يثيره وسط الإسرائيليين. ليكن السؤال المباشر: هل هذا يعني بأن العداء لاسرائيل لم يعد يعني اوتوماتيكيا، كما في السابق، دفاعا عن فلسطين والفلسطينيين؟ هل العداء لإسرائيل تحول عن هدفه الرئيسي، الأولي؟ أم انه بالأساس كان استثمارا، قناعاً، صدقه الكثيرون من بيننا، وانجرفوا بالعواطف التقليدية الجياشة التي يثيرها كل عدو لإسرائيل؟ أم ان أوباما الحاذق، يدرك معنى هذا الإنقلاب الايراني عن القضية الفلسطينية، ويريد هو الآخر ان يلعب في الفراغ الذي تركه هذا الإنقلاب؟ أم ان الحرب على الإرهاب باتت في مرتبة ثانية من اهتمام القوتين العظميين، الدولية والإقليمية؟ أم إن إيران قرّرت، في خضمّ هذه الحرب، أن تدخل النضال من أجل تحرير فلسطين إلى عالم السرية المطلقة، لغرض نجهله؟ كل هذا على ذمة المشهد الذي أمامنا، لا نعرف كواليسه.

لكن المؤكد، بناء على المشهد فقط، ان إيران، القوة التوسعية التسلحية، تحصنت، قبل تمكينها، ومنذ ثلاثة عقود، بقوة الحق الفلسطيني. فكانت “محور المقاومة” الذي لمْلم دوائر لا تحصى من المؤمنين بالقضية. بلغة اليوم، يقولون عنها “القوة الناعمة”. قوة الحق ناعمة، تدغدغ أعمق الوجدان. ثم، ما أن شعرت بقوتها، وقبل أن تتحقق من “إنتصاراتها”، كانت القضية الفلسطينية في خانة المنسي، يخفت ذكرها شيئا فشيئا لتغيب كليا عن الشاشة، حتى لو كان عرض القوة العسكرية “المقاوِمة” في عزّه؛ ليحلّ حق القوة، مكان قوة الحق: موازين القوة، الأراضي التي يسيطرون عليها، الحلول التي يملكون “مفاتيحها”، الميليشيات التي تقرر مصير أبنائها، الصيغ التي يفرضونها بقوة السلاح، الطائرات التي تقصف مقرات رئاسية، الأعداد الجرّارة، نوعية السلاح، تهديد الأمن العربي الإستراتيجي، التقارب مع “الشيطان الأكبر” السابق… فنكون بذلك أكلنا الطعم حتى الثمالة.

(المدن)

السابق
الصفقة الإيرانية – الأميركية على «نار يمنية» حامية
التالي
السنيورة: لا علاقة للحريري بالقرار 1559 والنظام السوري سعى لضرب شعبيته