مفاوضات نووية تحدد مستقبل الشرق الأوسط

ثمة تناقض لا يستخف به في دفاع إدارة أوباما عن اتفاق نووي مع إيران. فالبيت الأبيض يزعم أن المعارضة الإسرائيلية والجمهورية للاتفاق، لا تقترح بديلاً عنه غير الحرب. ولكن الرئيس أوباما أعلن أخيراً أنه مستعد «للابتعاد» عن اتفاق طالح، وأن إيران على الأرجح لن تقبل شروطه. ولا شك في أن الحرب ليست خيار أوباما البديل. وحين سئل بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، حول سبل حؤول الولايات المتحدة دون مسارعة إيران إلى تصنيع سلاح نووي إثر انتهاء مدة الاتفاق، قال: «الخيارات التي نملكها اليوم للحؤول دون حيازة إيران سلاحاً ذرياً ستكون متاحة أمام الرئيس الأميركي بعد عشر سنوات أو 15 سنة».

ولا شك كذلك في أن هذه الخيارات ستكون متوفرة في الأسابيع العشرة القادمة، إذا دعت حاجة إلى ذلك. وحالت العقوبات، وأعمال التخريب والتلويح بعملية عسكرية، ومعلومات استخباراتية دقيقة وعمليات التفيتش الدولية، دون حيازة إيران أسلحة نووية في العقد الماضي. وعلى رغم أن بنيتها النووية توسعت وتمددت، لم يرصد المفتشون الدوليون ولا الاستخبارات الغربية «أبعاداً عسكرية» للبرنامج النووي الإيراني منذ 2003.

واحتمال أن ترد طهران على انهيار المفاوضات من طريق استئناف السعي إلى سلاح نووي، ضعيف. فمثل هذا الرد عسير في وقت يقوض انهيار عائدات النفط والعقوبات الاقتصاد. والسوابق التاريخية تشير إلى أن طهران قد تستعرض قوتها من طريق صناعة عدد أكبر من أجهزة الطرد، ولكنها لن تتجاوز عتبة «الخطوط الحمر» (المحظورات) الإسرائيلية أو الأميركية. وتقول إدارة أوباما إن الاتفاق المزمع يضمن ألا تتحول إيران إلى قوة نووية في العقد المقبل. وقد لا يجانب الصواب ما تسوقه. ولكن إيران إذ تبرم الاتفاق النووي تنعتق من قيود العقوبات الاقتصادية. ورقابة المفتشين قد تصبح أوسع وأكثر نفاذاً، ولكن تقرير ما إذا كانت طهران تغش ولا تلتزم الجانب العسكري من الاتفاق قد يقتضي إجماعاً روسياً وصينياً و «أممياً» في مجلس الأمن.

وسعى أوباما إلى مغمغة مسألة وثيقة الصلة بإبرام الاتفاق. فهو لم يفصح عن نوع علاقة الولايات المتحدة بإيران في الأعوام المقبلة، إذا أُبرم اتفاق، ولا عن الاستراتيجية الأميركية في إرساء الاستقرار في منطقة ينهشها الإرهاب ويفتتها. وفي مدونة منشورة على الانترنت، ذهب مارتن أنديك من معهد بروكينغز، وهو المبعوث السابق لأوباما إلى الشرق الأوسط، إلى أن أميركا أمام مفترق طرق الاختيار بين صوغ نظام إقليمي مع إيران أو ضدها. وهذا الخيار وثيق الصلة بالاتفاق النووي. و «من غير اتفاق، يتعذر تعاون إيران في أي مسألة إقليمية… ومع الاتفاق، يصبح التعاون ممكناً»، كتب أنديك. ومثل هذا التعاون يخيف أعداء إيران الشرق أوسطيين، وأبرزهم إسرائيل. لذا، سعى الرئيس الأميركي في الأسابيع الأخيرة إلى التقليل من أهمية هذا الجانب من الديبلوماسية. وزار وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، الرياض، وقال «لا نسعى إلى صفقة (مساومة) كبرى».

ويترتب على الاتفاق تشعبات جغرافية – سياسية. وإذا لم تقارب هذه الجوانب، بقيت إيران قوة عدائية يجب احتواؤها. وإذا شمل الاتفاق المسائل الجغرافية – السياسية، يرجح أن يسعى أوباما إلى تفاهمات مع إيران حول مستقبل العراق وسورية، وعليه أن يحتسب الإقدام على أي خطوة مخافة إطاحة الاتفاق. وتعول واشنطن على أن يساهم الاتفاق النووي في بروز «سياسة إيرانية أكثر اعتدالاً إزاء أميركا وإسرائيل والشرق الأوسط، يقول رودس.

ويطعن انديك في هذا الحسبان، ويرى أن حسبان أميركا أن في وسعها إقناع إيران بالتحول من أكثر قوة مخربة في المنطقة إلى شريك في إرساء نظام جديد، واهمٌ وضعيف الصلة بالواقع. وهو يستسيغ استراتيجية أميركية تعيد الاستقرار في الشرق الأوسط بمساعدة الحلفاء التقليديين. وهذا ما سيحصل إذا انهارت المفاوضات. واقترح انديك موازنة الاتفاق النووي، إذا أبرم، بنشر مظلة نووية رادعة في الخليج وإسرائيل.

والمفاوضات الأميركية مع إيران لا تدور فحسب على احتمال حيازة طهران سلاحاً نووياً أم لا، بل على مستقبل الشرق الأوسط. وقد لا يفضي إبرامه إلى حرب في المستقبل القريب، ولكنه سيحدد الفائز في السباق الطويل على النفوذ والهيمنة في المنطقة.

(واشنطن بوست)

السابق
الربيع العربي 2: أياد البرغوثي يتحدّث عن غياب النخب الثقافية
التالي
جمعية «قل لا للعنف»: سلسلة نشاطات لاطفال لبنانيين وسوريين