الربيع العربي 2: أياد البرغوثي يتحدّث عن غياب النخب الثقافية

أياد البرغوثي
في إطار متابعة "جنوبية" للتحركات الشعبية والانتفاضات في عدد من الدول العربية ودخول هذه التحركات والانتفاضات عامها الرابع حاور موقع "جنوبية" عدداً من المهتمين والمتابعين للانتفاضات والنقاش الثاني مع المفكّر الفلسطيني أياد البرغوثي المقيم في رام الله، أمين عام الشبكة العربية للتسامح ومدير عام مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان. وتعتبر الشبكة العربية للتسامح الشبكة الوحيدة من نوعها وهي تعنى بنشر القيم الإنسانية وتعقد مؤتمرات سنوية حول مسارات التغيير وآفاق التحول في العالم العربي، تناقش خلالها الأوضاع التي تعيشها الشعوب العربية. كما يعتبر البرغوثي خبيراً في شؤون الإسلام السياسي في فلسطين وله عدة دراسات حول هذا الموضوع.

بعد أربع سنوات على انطلاقة الربيع العربي، أين صار الربيع وهل تحول إلى خريف، وما هي النتائج التي أفرزها، أسئلة عدة أجاب عنها أمين عام الشبكة العربية للتسامح الدكتور أياد البرغوثي قائلاً: “بعد أربعة أعوام على انطلاقة الانتفاضات العربية، أشعر أننا دخلنا مرحلة من الضياع. قبل الربيع كنا نعيش في دول مستبدة داخلياً وتابعة خارجياً. الآن نشهد غياب الدولة لمؤسسة نهائياً في بعض المناطق. وصار الانقسام يعتمد على أسس الهويات الفرعية التي هي قابلة للانقسام مجدداً. كنا تابعين ككتل إلى الخارج، الآن تحولنا إلى مجموعات منقسمة وتابعة لنفس الجهة، صرنا لاعبين في مسرح دمى، كلها مربوطة بخيط واحد. كذلك نشهد غياب النخب الثقافية، ولم نعد نجد إلا نخباً مستوعبة من قبل بقايا الدولة، ونخب أصولية متطرفة، لا تبدع سوى مزيد من المشكلات وهذا طبيعي بالنسبة لها”.
وحول العلاقة بين العامل الداخلي والعامل الخارجي وأثر كل منهما على الآخر، يوضح البرغوثي: “هناك طغيان للعامل الخارجي القادر على استثمار العوامل الداخلية في كل بلد وتسييرها في خدمة مصالحه، خصوصاً أن المشروع الطائفي ومن أي جهة مشروع صهيوني بامتياز من الناحية الفكرية على الأقل. وأن الانقسام الذين كان بين الدولة لمؤسسة، والمجتمع بما يتعلق بالموقف من الأمبريالية والتبعية، جرى تعويمه، بعد العودة إلى الهويات الفرعية، بحيث صار، على الأقل، جزء من المجتمع يرى مصلحته بالارتباط بالأمبريالية وأن يكون تابعاً لها”.

ومن النماذج التي يمكن التحدث عنها في هذا الإطار، سورية، اليمن وفلسطين، وعندما يسأل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن عليه الاختيار بين إسرائيل أو حماس وهو سؤال حقيقي وواقعي بالنسبة لنتنياهو. فإن هذا السؤال يعبر عن ما سبق أن قلته، وهو ما يمكن أن يتوجه مسؤول إسرائيلي لرئيس الوزراء اللبناني، أنى يكن، أن عليه أن يختار بين إسرائيل وبين الشيعة. وهذا ما يظهر قدرة العامل الخارجي على اختراق الداخل وتحويله إلى مجموعة منقسمة ومتناحرة.

وحول ما أنتجته الأعوام الأربع الأخيرة وخصوصاً بروز داعش، يقول البرغوثي: “تكاد القوى الديمقراطية ان تكون قد انتهت، فمن الطبيعي أن تظهر داعش على المواجهة. ومن المسؤول عن ذلك؟ بالتأكيد الخارج هو المسؤول الكبير، وأنظمة الاستبداد التي أفتت القوى الديمقراطية الحية، وقضت على حرية التعبير وعلى الإبداع. وبروز داعش وأمثاله هو رد فعل مزدوج على هيمنة تاريخية للغرب، ليس ضد وجهه الاستعماري وليس ضد استغلاله الداخلي، بل هو رد على قيمه وتقدمه العلمي”.

إن من أوجه الشبه ما بين البغدادي والأسد، يرى البرغوثي أن لا وجه شبه بين الاثنين سوى الاستبداد لكن “لكل منهما دوره المختلف عن الآخر، فالأسد يمثل دولة وطنية لها علاقة بالتاريخ مفتوحة الأفق على التطور والحداثة في حين أن البغدادي يمثل مشروعاً إسلاموياً يقوم الأيديولوجيا على الوطنية، ولا أفق مستقبلي له لبناء دولة تقوم على أساس احترام الفرد وخياراته المتعددة.

وحول نجاح التجربة في تونس، يعتقد البرغوثي، أن خيار الحوار بين المكونات الاجتماعية كان أساساً لحل المشكلات. ويقول: “لقد التزمته القوى التونسية كافة، وخلال السنوات الماضية أثبتت الحركة الإسلامية أنها تعلمت مما حصل مع غيرها في بلدان أخرى، فقد علمت النهضة في حكومة عابرة وقبلت أن لا تكون وحيدة في الحكم، استمعت إلى قرارات المجلس التأسيسي والتزمت بها. وأعتقد أن السؤال يجب ان يطرح بطريقة أخرى، كيف هذه الدولة العلمانية إلى درجة مقبولة وغير الديمقراطية قد أنتجت حركة سلفية متطرفة مولت النزاع في سورية بقوى بشرية هائلة، أي أن الاستبداد العلماني أوجد مشكلة في حين أن الإسلام السياسي نادى ومارس الديمقراطية. وها هي النهضة تترك الخيار للمواطنين في الانتخابات الرئاسية القادمة يوم 29 ت2 2014، وهذا الموقف بحد ذاته دعم للسيسي مرشح نداء تونس”.

وعن تحول الربيع المصري إلى حروب أهلية في عدد من البلدان، يجيب: “إننا نعيش في منطقة مكشوفة، اللاعبون كثر، السياسات الأمن والإعلام، كان مكشوف. إننا في منطقة هشة غير محصنة لا وجود لمجتمع مدني ديمقراطي، لا وجود لاقتصاد قوي ولا قيم محترمة. مجتمع تغيب منه النخب الثقافية والقيادات الملتزمة مصالح شعوبها، المشكلة ليست بالاستبداد وحده، هتلر وستالين كانا مستبدين لكنهم بنوا اقتصاداً قوياً في بلدانهما، هنا في هذه المنطقة، الحكام المستبدون لم يفعلو شيئاً، سوى تشريع الفساد وتدمير الاقتصاد”.

ولكن لماذا لا ربيع في فلسطين؟ يرجيب البرغوثي: “أتى الربيع إلى فلسطين قبل تونس، ألم يكن نجاح حماس في الانتخابات التشريعية تعبيراً عن رغبة الفلسطينيين في التغيير؟ وبغض النظر عن رأيهم بحركة حماس. وجاء الرد سريعاً من إسرائيل، لتعمق الانقسام، وتمنع إعادة توحيد الصف الفلسطيني. أما في الضفة الغربية، الناس لا تريد التغيير حالياً لأنهم يعرفون أن التغيير يحتاج إلى موافقة إسرائيلية، وأن أي تغيير قد يحصل في وسط السلطة الفلسطينية سيكون نحو الأسوء لأن عندئذ سيكون بإرادة إسرائيلية”.

السابق
العثور على جثة الطفل علي حلوم
التالي
مفاوضات نووية تحدد مستقبل الشرق الأوسط