هكذا خلعت سمر سلاسل الدين وصنعت المستحيل

بعد انتهاء العام الدراسي، وليس وهي على مقاعد الدراسة، لم يكن في يد الفتاة الشابة سمر حيلة على حد قولها. فالحرب الاهلية كانت قد بدأت وتحطمت معها كل الآمال والاحلام وانعدمت الخيارات. فما ان بلغت السابعة عشرة، حتى تزوجت بشيخ صاحب مهنة حرة.

في 4 كانون الاول 1989 سنوات مرّة أمضتها سمر في صحبة شريك حياة لم تذق خلالها طعم السعادة أو الفرح، بل كان النكد قوتها اليومي. في قرارة نفسها، كان هناك صرخة تمرّد على الواقع ورغبة في تغييره. خطوة الألف ميل بدأتها بالحصول على طلب ترشيح لامتحان الشهادة المتوسطة البريفيه بعد محاولة سنوات عديدة لمتابعة هذا الصف. وكانت حينها قد بدأت الحكومة في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي تشدد إجراءات السماح بالمتابعة بعد انقطاع.

الرقص فرحاً هو اقل ما يمكن لوصف حالتها عندما سمعت بخبر نجاحها عام 2000. لقد فعلتها بعد ان حاول الكثيرون ثنيها عن القيام بهذه الخطوة . بعضهم كان “ذبذب” في أذن زوجها:لا تدعها تتابع تعليمها، ستتركك بعد ان يشتد عودها. طعم هذا النجاح الأولي حفّزها على متابعة تعليمها الثانوي، فحصلت عام 2003 على شهادة الثانوية العامة في الاجتماع والاقتصاد. الصدمة حلّت على الدائرة المحيطة بها. بعضهم هنّأها ببرودة أمّا البعض الاخر فحاول ثنيها مرة أخرى عن شق طريق حلمها: “لم أجد أحداً حولي من يشجعني، وأحياناً كنت اشعر بأني محطمة، لكنني لم استسلم”… ثم توالت مسيرة النجاح، فحازت في 2006 على إجازة جامعية في التعليم.

السؤال الذي طالما وُجه اليها : الى اين تريدين الوصول؟ ما حققته أكثر مما يكفي؟

كانت تبتسم وينتابها شعور أنّه في إمكانها تحقيق المزيد، فبقي حلم متابعة دراستها العليا يراودها، لتحصل على شهادة الماجستير عام 2013.

تقول سمر: لقد مرّت علي ايام صعبة جداً، كنت اعمل في عجن الخبز وبيعه وجمع(التوت) الشامي لتأمين تكاليف القسط الباهظة في جامعة خاصة، تخيلي اني كنت انتقل من شجرة التوت في اليوم نفسه الى بيروت لاتابع صفوف الماجستير وتواصل حديثها بابتسامة ملؤها المرارة:

وتتابع: كنت اضحك على نفسي من هذا الوضع، لكنّ الطموح كان يدفعني الى الامام أمّا الطلاق فكانت على موعد حتمي معه في عام 2012. فقررت التنازل عن حقوقها الشرعية وتكفّل رعاية ابنائها الثلاثة مقابل حريتها. ابنها البكر في الثالثة والعشرين وهو على وشك ان ينهي دراسته الجامعية، أمّا الابن الثاني الذي بلغ السابعة عشرة فلا يريد متابعة تعليمه وحصل على شهادة مهنية وينتظر اليوم ان يلتحق بالجيش اللبناني، والحص الاخير من العنقود يبلغ 8 اعوام وهو في الصف الثالث الابتدائي.

سمر لا ترى المشكلة في الزواج بحد ذاته بل في الخيارات الخاطئة التي تجرّ بعضها البعض وتخنق روح اي فرصة قد تلوح في الافق. حتى انّها لم تنقم على كونها من اسرة مشايخ. فالدين لا يزال في نظرها نوراً ومحبة وليس ترهيباً كما يحاول بعض رجال الدين تصويره. وتختم بنبرة تنضح حياة وأملاً :” لقد اشتقت للنكد، لا ادري ان كان الطموح نقمة او نعمة، لكنّ الحياة أنصفتني رغم كل شيء، وأشكر ربي على كل ما وصلت إليه”.

مارست سمر مهنة التعليم بالصدفة فقط لتمكينها من الدخول الى سوق العمل لمساعدة عائلتها، لكنّها اليوم تتابع عملها كالفراشة بمتعة وشغف وتسعى إلى ان تكون مصدر إلهام لكل طلابها وتحاول مسك يدهم لمنع تعثرهم . فهي تدرك جيداً صعوبة السير في دروب الحياة وحيدة، وهي تستعد للذهاب الى الخارج بعد ان حصلت على وظيفة في جامعة عربية تليق بطموحها، وكلها عزم على متابعة شهادة الدكتوراه، التي ستحصل عليها حتماً. فروايتها خير دليل على إمراة إن ارادت شيئاً حققته، غير أبهة بكل الصعوبات والتحديات.

كان في إمكان سمر ان تكون على أضعف الإيمان كغيرها من الكثيرات في محيطها اللواتي يرضخنّ لواقع لم يشاركن في خط معالمه، لكنّها أبت ان تعيش كمن يعّد الايام حتى يغيب عن هذه الدنيا، من دون ان يتجرأ على فك السلاسل التي تقيّده. ما يذكّرني بالقول الماثور لأيقونة النضال ضد العنصرية والكرامة الإنسانية نيلسون مانديلا: يمكنكم تقييدي بسلاسل وتعذيبي وحتى تدمير جسدي، لكن لن يمكنكم ابداً ان تأسروا ذهني.

السابق
سقوط مروحية سورية وإعدام احد افرادها
التالي
السجن 15 عاما لاحد عشر متهما بمهاجمة الشرطة في البحرين