عن الأمّهات اللواتي ربين الإرهابيين

عيد الأم
إنّه يوم عظيم يحتفل به العالم، إنه عيد الأم العامرة بالعواطف الجيّاشة نحو أبنائها. وهنا نظرة على وضعها النفسي في المجتمع العربي، ومن ناحية أخرى هل تتحمّل الأم العربية مسؤولية توجّه الأبناء نحو الإرهاب، وماذا يقول علم الاجتماع وعلم النفس حول سماح الأم لابنها بل إرساله بيدها نحو الاستشهاد.

في 21 آذار من كل عام يحتفل العالم بعيدها، إنها الحنونة الممتلئة بالعواطف والأحاسيس المرهفة، تعطي الكثير الكثير ولا تأخذ أو تنتظر شيء من أحد، إنها أعظم كلمة في الكون، إنها الأم. وفي نظرة عن حالها وأحوالها، وعن شؤونها وشجونها ودورها الاجتماعي وتربية الأجيال يتحدث الدكتور في علم النفس الاجتماعي زهير حطب فيقول: “بشكل عام الوضع النفسي للأم هو واحد في كل مكان وزمان، وفي جميع المجتمعات. فمشاعرها كأم هي رغبة في الحماية والفرح من حولها، وما يبعث لها الارتياح وجود أبناءها حولها، وهذه سمة كل المجتمعات والأزمنة والظروف، ووضع الأم النفسي في المجتمع الفقير أو الثري واحد لا يتغير”.

وعن تعلّقها بأبنائها وصولاً إلى حالة مرضية في بعض الأحيان يقول حطب: “المشكلة تتأثر بمعطيات وبأوضاع التي تسمح لهذه المشاعر في التعبير عن نفسها أو أن تأخذ سلوك محدد تظهر بشكل إيجابي في الظروف الراهنة في المجتمعات المعرّضة للمصاعب والمخاطر، وهي اليوم كثيرة في مجتمعات العربية والإسلامية قلما نجد الأم التي تستطيع أن تعبّر عن هذه المشاعر النبيلة بشكل إيجابي بل هي دائماً مشاعر مخنوقة ومسلوبة ويعتريها كثير من الخوف والإحباط والشعور بالعجز، لأنها لا تستطيع أن تضعها موضع التنفيذ حالياً”. ويتابع حطب: “فالأم تتأثر بالظروف الصعبة إن على الصعيد المادي أو الأمني التي نعيشه حالياً، حيث تشعر بأن أمومتها منقوصة عاجزة عن أن تكون طبيعية. من هنا الأمهات في هذه السنة وجوه حزينة، وقلما تجد البسمة أو الفرحة ظاهرة على وجوههن، ونرى أن مجتمعاتنا كئيبة وتعيش على الأمل في المستقبل وكل طموحها هدوء البال. فالتوقّع للخير اليوم منخفض كليّاً”.

ويحسب حطب: “في طبيعة الحال بالنسبة للأم، الأولاد هم شبه ملكية مادية وعاطفية ونفسية، وحين تشعر أن استقلالية الأولاد اقتربت أو باتوا يسعون إلى الابتعاد عنها، يصيبها الإحباط بحيث تعتبر أنهم ملزمون بتقديم شيء من الوفاء لها، وهي لا تجده في مكان آخر غير أولادها”. ويضيف حطب: :عندها لا تجد أمامها إلا أن تتمسك بالأولاد، تظهر الناحية المرضية في بعض الأحيان. وتلجأ أحياناً إلى لومهم والقول لهم أنها تحبهم، وهي التي ضحّت من أجلهم. فبينما تجد الأولاد يتجهون نحو الاستقلالية، وهذا من الطبيعي في مجتمعات، واستقلال الفرد في المجتمع قيمة أساسية، وهذا ما يصبو إليه كل إنسان أن يكون كيان محوري مستقل، تسعى الأم إلى التمسّك به، وعدم السماح لهم بالابتعاد عنها، لأنها تعتبر نفسها بحاجة إليهم، ولكي يردّوا شيئاً من الوفاء، فيتخيّل أنها مريضة بهم”.

وفي سؤالنا حول الملامة التي تقع على الأم فيما يختص الأجيال التي تتجه نحو الإرهاب وأعمال العنف والمخدّرات وغيرها، يقول حطب: “طبعاً لا. نعم، بعض الآراء تحمّل الأسرة المسؤولة عن هذا الجانب الإرهابي، ولكن ليس صحيحاً. فالأم هي عبارة عن شخص فاقد الإمكانية والقدرة عن ذلك”. ويزيد حطب: “العنف يتواجد في الأوساط التي تعاني من كبت وحرمان ونقص، والمجتمع وسياسة التعامل مع الأبناء هي المسؤولة عن هذه الآفة وتناميها وانتشارها. في المجتعات المعاصرة التي تستوعب الوضع الشبابي، يوجد سياسات وتدابير وخطط موجهة للأسر والأبناء والأمهات التي تزوّدهم في إمكانية التصرّف”. ويتابع حطب: “السلطات الاجتماعية والإدارة الحاكمة ليس لديها سياسات واستراتيجية تعامل، بالمقابل في كل مكان حولنا هناك استراتيجيات تربوية في التعامل مع الشباب، ولا تقتصر على العناوين الكبرى وإنما ترتجم إلى الواقع”.

وعن أن الأم تتجرأ بالسماح لأولادها للجنوح نحو الاستشهاد في المقاومات بجميع أسمائها وقضاياها، يجيب حطب: “هنا ثلاث تفسيرات، أولاً يجب على الأم  أن تملك إمكانية تعبئة أولادها في خدمة هذا الهدف التي ترمي إليه الجهة التي تقف وراء هذا النشاط حتى يقنع ويكون بخدمتها. وثانياً، هناك، الأم الأنانية التي تعتبر أن استشهاد ابنها أو قيامه بهذا النشاط بالنسبة إليها يجعلها أم الشهيد. وفي رأيي من غير الطبيعيي أن تكون الأم تسعى إلى هذا الافتخار، ومن ثم تريد التقدير الاجتماعي فقط، وهذا المسعى يجعلها تخفز ابنها على القيام بالسلوك هذا. ثالثاً: الأم الأنانية التي لم تلتفت في فترة تربيتها وتنشئتها عندما كان أولادها ما زالوا مراهقين، فكانت غائبة أو خارج السمع، وخارج المشاركة في حياة أبنائها، فمن الطبيعي أن يلجأوا إلى أماكن تعطيهم أهمية أكثر من الأم”.

السابق
ماذا يقتل النساء أكثر من الإيدز وسرطان الثدي؟
التالي
حاولت قتل أمها مرتين طمعاً بالـ «iPhone»