المرأة الفلسطينية الفاقدة للذات والهويّة

المرأة الفلسطينية
تعيش المرأة الفلسطينية في دوائر مختلفة بحثاً عن دورها في مجتمع محتلّ ولقد عاشت النساء الفلسطينيات مسيرة طويلة للبحث عن الذات والهوية، مسيرة لم تنتهِ. التفاصيل في مقال ينفرد موقع "جنوبية” بالتعاون مع مركز "تطوير للدراسات" بنشره من ضمن أبرز المواضيع الواردة في التقرير التاسع للمركز.

لرسم ما يشبه اللوحة السريعة لوضع المرأة الفلسطينية، لا بد من الحديث عن دوائر ثلاث:

الدائرة الأولى: المرأة في وطنها فلسطين لكن بصفتها تحمل الآن الجنسية الإسرائيلية وباعتبارها مواطنة في دولة احتلت وطنها.

الدائرة الثانية: المرأة في الشتات ، بعد نكبة عام 1948 ، أي باعتبارها لاجئة في دولة مضيفة ، يندرج وضعها القانوني تارة تحت ولاية الأمم المتحدة وتارة خارج هذا التصنيف، ويتبع الدولة المضيفة. علماً أن الشتات يشهد اختلافاً حاداً بين دولة مضيفة وأخرى، حسب القوانين الخاصة بتلك الدول والواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي فيها.

الدائرة الثالثة: المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبارها مواطنة تتبع السلطة الوطنية من الناحية القانونية، بينما الاحتلال مازال ممسكاً بكل ماهو جوهري من قضايا السيادة الوطنية… هذا من دون إغفال طبيعة الانقسام الجغرافي بين الضفة وغزة فضلاً عن الانقسام السياسي القاتل، وكذلك من دون إغفال أن مجتمع اللجوء يقسم المواطنين الفلسطينيين في الضفة والقطاع بين سكان المدن وبين قاطني المخيمات، كما هو حال مجتمع اللجوء في الشتات. إذاً، نحن أمام حالة موضوعية يعانيها الشعب الفلسطيني برمّته، تجعل قضايا المرأة في بعدها الوطني وبعدها الاجتماعي، قضايا لا تشبه مثيلاتها في الدول العربية على الإطلاق ، كما يجعل التعميم في دراسة الحالة مستحيلاً بفعل عوامل عدّة أهمها انفصال المجتمعات الفلسطينية عن بعضها البعض وصعوبة التواصل من جهة حتى داخل الدولة الواحدة من جهة ، ومن جهة أخرى سياسات التهميش والإغلاق والحصار الممنهجة. وإذا أضفنا الانقسام السياسي العمودي المستمر داخل الشعب الفلسطيني بفعل صعود تيار الإسلام السياسي فإن ماتحقق من إعادة بناء لمركزية الشعب ،على تواضعه، بات مهدداً بالانهيار. وبالعودة إلى الدائرة الأولى، إلى المرأة الفلسطينية التي لم تغادر وطنها عام 1948 وعاشت حتى عقد الستينيات من القرن الماضي تحت شرعة الحكم العسكري الاسرائيلي كما فقدت مع 90 % من شعبها مكان عيشها الأول لتصبح في وطنها نازحة إلى أماكن أخرى، تلك المرأة تعرّضت أولاً للتهميش مع مجمل الأقلية القومية كما تعرّضت لتمييز على أساس الجنس بصفتها أنثى داخل المجتمعين الاسرائيلي والفلسطيني، حيث تسود العقلية الذكورية في إسرائيل، باعتبار المجتمع الإسرائيلي مجتمعاً عسكرياً متحلّقاً حول الجيش الذي يتطلّب “الرجولة” و “البطولة”.

وكذلك تعرضت المرأة الفلسطينية في إسرائيل للتمييز بصفتها أنثى داخل مجتمعها الفلسطيني باعتباره مجتمع ضواحي؛ إذ إن 95% من الفلسطينيين يعيشون في الأرياف ، و ترتفع بينهم الثقافة الموروثة والتقليد الديني المغلق . لذا نجد الآن ظاهرتين متناقضتين في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل.. ظاهرة المشاركة بالانتخابات البلدية والبرلمانية وظاهرة تدني المشاركة السياسية في التمثيل سواء على مستوى البلديات أو البرلمان أو المشاركة في الأحزاب ، مايجعل الاستنتاج القائل أن المرأة الفلسطينية في إسرائيل أقرب إلى خزان انتخابي وصوت ملحق وتابع للرجل استنتاجاً واقعياً ، خاصة مع تدني المشاركة الحقيقية في صنع السياسات وفي الدفاع عن دورها وهويتها وترجمة نضالها العنيد للتشبث بأرضها إلى وقائع سياسية ملموسة .

في الدائرة الثانية : في دائرة اللجوء ،ألأمر أكثر تعقيداً من زاوية تعدد القوانين والسلطات التي تطبّق على المرأة الفلسطينية في الدول المضيفة؛ وهذا ما نتج عنه تباين كبير في مستوى الاندماج والانفصال عن المجتمعات ومثال التحمعات الثلاثة الكبرى للاجئين (الأردن –سوريا- لبنان ( يعطي مؤشراً واضحاً من حيث ارتفاع نسبة الاندماج إلى حد المواطنة في الأردن وسوريا، وبين العزلة والانغلاق في لبنان. وعليه فإن أوضاع المرأة اللاجئة تتباين بشكل جلي يتذبذب بين قطبين ) الوضع القانوني من جهة والوضع المجتمعي والثقافي من جهة أخرى(.فالمرأة الفلسطينية في مخيمات اللجوء في لبنان دفعت ضريبة الثورة الفلسطينية المسلّحة وضريبة الحرب الأهليّة وضريبة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وحرب المخيمات فضلاً عن ضريبة قوانين العزل والتهميش قبل عام 1969 ومازالت حتى اليوم تحت وطأة هذا الوضع مع استمرارها في دفع ضريبة التمييز على أساس الجنس داخل مجتمعها في المخيمات .تتضاعف المشكلة كلما زاد انغلاق المجتمع المحيط بها واتجه نحو التطرّف بكافّة أشكاله. كذلك اليوم تدفع المرأة الفلسطينية اللاجئة في سوريا ضرائب مضاعفة بفعل سياسات الحصار الممنهج والقمع الوحشي والبراميل المتفجرة التي يستعملها النظام السوري ضد المدنيين كافة ، مانتج عنه نكبة جديدة لا تقل عن نكبة عام 1948 ؛ وما شهدناه و لا نزال نشهد حتى اليوم برهانً على ذلك . اما في الدائرة الثالثة حيث نشأت لأول مرة سلطة حكم ذاتي فلسطيني، وانتجت تشريعات وقوانين، فإن الدراسات التي تناولت تلك التشريعات والقوانين خلصت إلى “النسق القانوني والبيئة التشريعية” التي وفّرتها القوانين الفلسطينية، تشكّل أرضية جيدةنحو المشاركة والتغيير، فالمحصّلة العامة للتشريعات إيجابية ومنصفة، فيما يتعلّق بالحقوق والمواطنة والشخصية القانونية والعدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون في ميادين العمل والتعليم والوظائف من دراسة للباحث القانوني في شؤون المرأة (أمجد فضل زيدات).

وعليه فإن الأمر الآن منوط من الناحية الجوهرية بكيفية السماح لهذه القوانين بالتطبيق والنفاذ في المجتمع،حيث تصطدم تلك القوانين بثقافة المجتمع ومستوى تقبّله للجديد على ساب الموروث . وهنا لا بد من إظهار انخفاض مستوى أمية المرأة الفلسطينية إلى النصف في ظل السلطة الوطنية وارتفاع مستوى الحماية للأم والطفل وتعادل نسب التعليم للإناث والذكور، مع تقدّم نسب المشاركة السياسيّة في البلديّات والمجالس القرويّة والبرلمان.. إلا أن هذا التقدّم الملحوظ لا يلغي المشكلات الأساسية ولا يعني أن الوضع النسوي في أفضل حال .. إنما المقياس نسبي فقط ومرتبط بالوضع المجتمعي العام لجهة التربية والتعليم والصحة والوضع القانوني بينما آليات الضغط المضاد فعّالة إلى حد تعطيل القانون في بعض النواحي المتعلّقة بالمرأة مثل جرائم الشرف وحالات التحرّش وغير ذلك من استمرار نفاذ قوانين قديمة مثل قانون الأحوال الشخصيّة الأردني لسنة 1976 المعمول به في الضفة الغربية وقانون حقوق العائلة لسنة 1954 المطبّق في قطاع غزة . لا شك أن المشوار طويل أمام المرأة الفلسطينية والواقع صعب ومحبط في بعض جوانبه ، لكن إرادة الحياة وارادة التحدّي كانت لى الدوام من صفات المرأة عموماً والمرأة الفلسطينيّة بوجه خاص.

السابق
حاولت قتل أمها مرتين طمعاً بالـ «iPhone»
التالي
هكذا قُتِل رستم غزالة: بمتلازمة الجرثومة الأسدية في علم الصفعة الأمنية