الانتخابات الإسرائيلية… انتصار اليمين المتطرف وموت عملية التسوية

عملية التسوية فلسطين

أظهرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة انتصار واضحاً لمعسكر اليمين المتطرف، وتكريس سطوته وهيمنته على الحياة السياسية، وعجز معسكر اليمين ممثلاً بالمعسكر الصهيوني وييش عيتيد عن إخراجه من السلطة، بينما بدا انهيار اليسار واضحاً؛ وبالكاد تجاوز حزب ميرتس نسبة الحسم مع حضور بارز للقائمة العربية الموحدة وتحولها إلى القوة الثالثة في الكنيست، وباتت لاعب أساسي بارز لا يمكن تجاهله أو إخراجه من المشهد السياسي.

كما قلنا في مقال سابق فإن تحالف المعسكر الصهيوني هو تحالف يميني بحت، يطرح مواقف سياسية لا تختلف عن تلك التي يطرحها اليمين المتطرف، ولا يمكن توصيفها باليسارية بأي حال من الأحوال. أما حزب كولانو لموشيه كحلون والخارج من الليكود على خلفية اجتماعية، وليست سياسية فلا يمكن احتسابه حتى في خانة اليمين، وهو يتبنى مواقف سياسية ليكودية التي باتت الآن يمينية متطرفة وبامتياز.
ميرتس حزب اليسار الوحيد بالمعنى الإسرائيلي طبعاً وهو يضمحل دورة بعد دورة انتخابات بعد انتخابات وبالكاد تجاوز نسبة الحسم ما دفع زعيمته زهافا غلئون إلى استخلاص العبر وفق المعايير الديموقراطية وأسس الحكم الرشيد، فاستقالت من الكنيست وستترك الحزب بعد تسليمه في عملية انتقالية منظمة.
والآن ما الذي جرى بالضبط في الانتخابات الأخيرة؟ ولماذا نال الليكود 30 مقعد بعدما أعطته استطلاعات الرأي 22، وحتى 24 في أحسن الأحوال:
حازت القائمة العربية على 11 بالمائة تقريباً من الأصوات، وميرتس على أربعة بالمائة تقريباً أي أن 85 بالمائة من الجمهور الإسرائيلي صوّتوا لليمين أو اليمين المتطرف، ما يؤكد المعطيات السالفة الذكر، كما الانزياح المستمر للجمهور الإسرائيلي إلى اليمين، وهو ما يفسر أو يوضح بالأحرى سبب اختفاء القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال الانتخابي وحتى السياسي بشكل عام.
الفوز الساحق الذي حققه حزب الليكود أو نتن ياهو جاء نتيجة إعادة توزيع الأصوات أو الجماهيرية داخل معسكر اليمين المتطرف نفسه، بمعنى أن نتن ياهو وتحت ضغط الاستطلاعات خرج عن طوره أو عمل المستحيل لإثبات أنه أكثر تطرفاً من بينيت من ليبرمان، وحتى من اليشائيين والكهانيين محدثاً لفكرة المؤامرة والعالم ضدنا. وهكذا تبنى خطاب عنصري تجاه الوسط العربي تنصل من خطاب بارايلان، وحلّ الدولتين. وأعلن رفضه القاطع للانسحاب ولو من اسم واحد من الضفة الغربية – غزة خارج المشهد كله طبعاً – كما تقسيم القدس، وحتى لفكرة التسوية نفسها مع الفلسطين. هذا الأمر الذي تبدي بوضوح في تظاهرة المستوطنين قبل الانتخابات بـ48 ساعة أتى أكله فسلب نتن ياهو أربعة مقاعد تقريباً من حزب يشاي الكهاني المنشق عن شاس ومقعدين إلى ثلاثة من بينيت وحزبه، وبات نتن ياهو عملياً هو الممثل الرسمي للمستوطنين والكهانيينو كان توصيف أحد المعلّقين الإسرائيليين دقيقاً ومعبراً فعلاً عما جرى زعيم الليكود، دخل إلى صالون بينيت حمل الأثاث وخرج.
– نيل التحالف الصهيوني لـ24 مقعد يمكن اعتباره انتصار من ناحية، وفشل من ناحية أخرى. فحصول التحالف على هذا العدد انتصار، ولا شك وإجبار نتن ياهو على الكشف عن وجهه الحقيقى، ربما أو دفعه إلى اليمين المتطرف هو إنجاز أيضاً لهيرتزوغ وليفني غير أن المعايير الديموقراطية تؤكد ولا شك الفشل في تحقيق الهدف المحدد، وهو استبدال نتن ياهو وإخراجه من سدة الحكم، وربما يمكن الإشارة هنا إلى افتقاد بوغي هرتزوغ للكاريزما، الحضور والنهج أو الحس القيادي ما التساؤل إذا كان شخص عادي فعل هذا بنتن ياهو فما الذي كان بإمكان قيادي حقيقي أن يفعله.
– كما في كل انتخابات إسرائيلية الحيوية حاضرة وظاهرة للعيان، وهناك نجم صاعد أو وجه جديد وكان هذه السنة موشيه كحلون الليكودي السابق اليهودي المشرقي، الذي سئم نزعة نتن ياهو الاستبدادية. كما تخلى الليكود عن أجندته الاجتماعية، وهو لم يطرح برنامج سياسي محدد وإن بدا منسجماً أكثر من اليمين المتطرف مكتفياً بطرح أجندة اجتماعية تهتم أكثر بالشريحة أو الشرائح الضعيفة في الأطراف – ليبيد يهتم أكثر بالطبقة المتوسطة وسكان المدن – وحصوله على عشر مقاعد انتصار شخصي وسياسي له، ولا شك والأهم ربما أنه تحول إلى رمانة الميزان وبدونه لا يمكن لنتن ياهو تشكيل ائتلاف مستقر وراسخ.
حزب ليبيد اليميني فقد أربعين بالمائة من قوته، ورغم أنه ما زال القوة الرابعة في البرلمان، وكما في كل حالات الشهب المماثلة في الحياة السياسية الإسرائيلية يحدث الانكسار أو السقوط بسرعة، وكما حدث مع حزب ليبد الأب أيضاً إلا أن حيوية جاذبية شباب الابن وخواء الساحة السياسية قد يطيل عمر حزبه، وعموماً فإن البقاء في صقيع المعارضة سيكون الامتحان الأصعب للحزب وقدرته على البقاء أم التفكك والانهيار مع بقاء ليبيد نفسه كحالة تماماً كما هو الأمر مع تسيبي ليفني.
مفارقة الانتخابات كان بالتأكيد ليبرمان وحزبه الذي كان على شفا الانهيار بقانون انتخابي كان هو المحرك الأساسي وراءه ليبرمان انهار بسبب قضايا الفساد التي لا تمر بدون عقاب في دولة ديموقراطية، كما بسبب اندماج الجيل الجديد من المهاجرين في المجتمع الإسرائيلي ومع ذلك وفي ظل حالة التشظي والتشتت. سيظل ليبرمان لاعباً أساسياً في الحياة السياسية، وربما لن يستطيع الحصول على حقيبة الأمن إلا أن من الصعوبة بمكان تصور تشكيل الحكومة أو الائتلاف بدونه لموازنه كحلون ومطالبة التي قد تكون أكثر صعوبة على نتن ياهو وحلفائه.
الأحزاب الدينية – شاس ويهوديت هتوراة – حافظت على قوتها ولن يكرر نتن ياهو ما اعتبره خطأ كبيراً في الحكومة السابقة بالتخلي عن حلفائه الطبيعيين تحت ضغط ليبد بينيت وحتى ليبرمان وهو مصر الآن على ضمهم للحكومة، خاصة أنهم لا يطالبون بأي من الحقائب الأساسية الثلاث – الخارجية الدفاع والمالية – والثمن معروف مزيد من الميزانيات لمؤسساتهم وجمهورهم، وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى فرملة قانون التجنيد كما إلى زيادة العبء على العلمانيين والطبقة الوسطى، وسيؤدي حتماً إلى مزيد من التوترات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.
كما قلنا سابقاً حققت القائمة العربية فوزاً واضحاً وكبيراً، وباتت القوة الثالثة في البرلمان، والتي لا يمكن تجاهلها أو إقصائها عن اللجان البرلمانية أو الحياة السياسية، بشكل عام والقائمة التي اضطرت للتوحد تحت ضغط القانون الانتخابي وزيادة نسبة الحسم مطالبة بالحفاظ على وحدتها وتجانسها والمضي قدماً في معركتها من أجل المساواة التامة أو الدولة الديموقراطية لكل مواطنيها، كما فضح السياسات والممارسات العنصرية للسلطة التي ستضطر لمواجهة تبعات سياستها العنصرية والإقصائية بحق سكان أو أهل البلد الأصليين ودفع الثمن وأيضاً على المستويات كافة ليس داخلياً، وإنما دولياً أيضاً.
سياسياً أو فيما يتعلق بشكل أو الخطوط العريضة للائتلاف القادم فسنكون بالتأكيد أمام ائتلاف يميني متطرف وسيكون من الصعوبة بمكان على نتن ياهو التنصل من وعوده الانتخابية، خاصة بوجود حلفائه الطبيعيين، كما لقناعاته الشخصية ومنها أن اليمين وحده قادر تاريخياً على إسقاط حكوماته، وبالتالي لن يكون استئناف لعملية التسوية، وربما تكون محاولات مساعي أو سجالات شكلية ولكن يمكن بالتأكيد اعتبار نتائج الانتخابات في أحد أوجهها بمثابة إعلان سياسي رسمي عن موت عملية التسوية، والمفاوضات كما عرفناها في السنوات بل العقود الأخيرة، وسيكون مزيد من التهويد في القدس والاستيطان في الضفة، وسيظل نتن ياهو وشركاته أوفياء لقناعاتهم عن استحالة حل الصراع، وإنما إدارته فقط بأقل ثمن ممكن للدولة العبرية – الشوكة في المؤخرة – كما قال نفتالي بينيت ذات مرة-.
هذا لا يعني بالضرورة تزايد احتمالات اندلاع حرب أو حروب جديدة. ونتن ياهو واليمين سيظل وفى أيضاً لسياساته في الحفاظ على الوضع الراهن، والحرص على عدم القيام بأي خطوة أو خطوات قد تؤدي إلى تغييره أو زعزعته. ومن هنا يمكن توقّع تسريع خطوات إعادة إعمار غزة كما المزيد من التسهيلات في الضفة، وطبعاً إعادة الأموال الفلسطينية المحتجزة، ولو بشكل تدريجي وعلى مراحل خاصة مع التوصية أو التوصيات الأمنية القاطعة بضرورة فعل ذلك لتحاشي أي تداعيات أو هزّات غير مرغوبة إسرائيلياً.
دولياً ستعاني إسرائيل مزيد من العزلة والتردي وفي علاقاتها مع حلفائها الطبيعيين وسيكون برود أكثر في العلاقة مع البيت الأبيض أقله إلى حين انتهاء ولاية باراك أوباما، وستتسارع بالتأكيد وتيرة المقاطعة لها، وعلى مستويات مختلفة شعبية ونقابية أساساً، وحتى شبه رسمية إلا أن الأمر لن يطال ولو في مراحله الأولى التحالف الأمني، وحتى الاستراتيجي الراسخ مع الولايات المتحدة وأوروبا بدرجة أقل، خاصة مع التطورات العاصفة التي تعيشها المنطقة.
للأسف لن يكون بالإمكان لا فلسطينياً ولا عربياً استثمار الوضع الناشىء بسبب الانقسام والتضارب في السياسات الفلسطينية، كما انشغال أكثر من حاضرة أو عاصمة عربية بأزماتها ومشاكلها، والأخطر ربما الاعتقاد بإمكان التحالف مع إسرائيل نتن ياهو لتحقيق مكاسب داخلية أو للتأثير على الكونغرس من أجل بناء سياج حماية حول الأنظمة الاستبدادية، التي تريد معاندة التاريخ، وحتى الجغرافيا أيضاً والاستلاب لفكرة الاستعاضة عن الوحدة الوطنية بعلاقات مع إسرائيل أو حماية ما من أمريكا والغرب.
فلسطينياً، نحن أمام فسحة زمنية من ثلاث سنوات على الأقل، وربما أطول في ضوء الواقع الإقليمي، وعلينا استغلال هذه الفسحة لترتيب البيت الداخلي، وإنهاء الانقسام، وتطبيق تفاهمات المصالحة وانتخاب قيادة شابة نزيهة شفافة وديموقراطية قادرة على إدارة الصراع بتصميم، عناد، وحكمة، بوتيرة منخفضة وباستلهام من نموذج الانتفاضة الأولى والميدان الثورة، الذي كان بدوره استلهام لما فعله أطفال الحجارة في الانتفاضة الأولى، كما قال ذات مرة عن حق الثائر، والرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي.

.

السابق
النساء بين عيدين للاستهلاك والتطرّف
التالي
سليمان: لست مع المقايضة بدون محاكم