اطفال معوقون نسيهم العيد والقانون.. والمجتمع

تبكي مروى بحرقة ضياع حقها في وطنها. مروى تعاني صعوبة في النطق بيد انها تبدو محامية عن حقوقها في بلد مهدورة فيه الحقوق. تسأل عن طفولتها، عن احلامها التي سرقت منها بسبب سياسة التمييز المتبعة تجاه من هم من ذوي الحاجات الخاصة. تبكي وتضحك على “مجتمع لبناني كذاب ينظر الينا نظرة شفقة ،بشو هني مختلفين عنا، لأنو عنا نقص جسدي بيميزونا، ولكن نحن نملك قوة فكرية عالية لينافسونا عليها”. مروى واحدة من اطفال يحلمون بعيد الطفل الذي يعبر بالقرب منهم من دون ولو تحية ، في يوم الطفل من حق من هم من ذوي الحاجات الخاصة ان يتمتعوا بحقوقهم فمتى يطبق قانون 220/2000.

داخل مجتمعهم الضيق هم ملوك الحرية، يتسابقون نحو اهداف وضعوها ويمضون في تحقيقها، بيد “اننا في الخارج على الهامش” تقول سهى ويوافقها الرأي علي “نبحث عن طفولتنا في كل شيء ، نستغلها في تسلق حبال المعارف لنثبت ذاتنا، ولكن لا احد ينظر الينا على اننا اناس طبيعيون بل نظرة شفقة لماذا؟ لاننا مختلفون في شكلنا ولكن في فكرنا نحن اقوى اين اختلافنا اذا؟.

في حضرة اطفال ذوي حاجات خاصة تتعرف على قيمة الحياة، هنا تجد اصرار طفل على ان يكون رائدا في عالمه، وآخر محاميا يدافع عن حقوق اقرانه، وفي زاوية اخرى من المكان تتعرف على ذكاء علي الذي يكسر الصخر ليحوله لوحة فسيفسائية ليهديها الى امه، بيد ان سؤالا واحدا يراودهم اين هم من حقوق سلبها اياهم قانونهم اللبناني ، فحرمهم مثلا دخول المدارس مثلهم مثل اي طفل سوي.

خلف اعاقتهم اصرار، تحدٍّ وبحث عن طفولة سرقت منهم، لم يستثمروها في لعب او انتظار مكافأة بل في اكتساب مهارات وعلوم كي يؤكدوا للآخر انهم حاضرون للتحدِّي، اقوياء بعزيمتهم، ولكن سؤال عباس عن طفولته وحلمه يدفعه ليتأمل ويفكر طويلا قبل ان يقول “طفولتي لعبة صغيرة وورقة ارسم عليها احلامي”، وآخر يأمل في ان يحظى بأيباد ليتواصل مع العالم الخارجي.

للطفولة هنا معنى آخر دمعة وابتسامة معا، هنا تضحك لطرافتهم وتبكي لرميهم في زاوية العالم حسبما يقولون. معهم تكشف افكارهم، قيمة الوقت عندهم، يستغلون كل دقيقة في التعلم لأن هدفهم واضح ” إظهار كفاءتهم”.

في غرفة الاشغال يتحلق مجموعة من الاطفال من ذوي الصعوبات الفكرية حول طاولة مستديرة كل يحاول ان ينجز هدية لأمه، وحده رامي يطمح ان يرسم طائرة ويحلق بها في مجتمع ينصف أمثالهم، يريد ان يكون طبيبًا يعالج مرضى الشلل، يفكر رامي بأحلام طفولته المسروقة من مجتمع لا يعترف بوجودهم، ينظر اليهم على انهم “ثقل” ولا يفكر انهم قد يقلبون معادلة الابداع. ويتمنى ابراهيم ان يكون رساما ليرسم ما يعجز عن النطق به.

لدى هؤلاء الاطفال احلام معلقة ، يحتفلون بعيد الطفل ضمن مجتمعهم الصغير فيما المجتمع الاكبر يتجاهلهم. لم يحظ مروان بلعبة من عائلته ولا حتى حنان ، وفدوى تدرك جيدا ان ما تحلم به لن يتحقق ” كنت اطمح أن اكون محامية ولكن المجتمع لا يقبلنا” تعشق المطالعة سيما الكتب التي تتحدث عن حالتهم، تحفظ قانون وجد ليحميها ورفاقها بيد انه حبر على ورق. تؤكد زينب ان “ما تخشاه لامبالاة المواطن بأمثالها ، ينظرون الينا على اننا ضعفاء ، يحطمون احلامنا ونحن نرممها بإصرارنا على اكتساب المهارات”.

ترمي بكلماتها على دمية تنجزها، تعترف ان “الحلم صعب المنال طالما يوجد من يقتله” قلة تؤمن بطاقات ذوي الحاجات ، لا يدركون انهم اكثر طاقة وعزيمة على اثبات وجودهم، هم بالعادة اطفال خارقو الذكاء ولكن الاهل والاقارب وشلة المجتمع يحطمونهم هذا ما تلمسه من احاديثهم التي تصلح لفيلم عن أطفال يتحدّون اعاقتهم ويرسمون ابعاد طفولتهم على طريقة عمل تفاعلي.

تتلون حكاية هؤلاء الاطفال بكثير من الثقة والعمل والعتب على دولتهم التي لم تتحرك، حتى في عيد طفولتهم ولم تقدم لهم هدية اقرار قانون يحميهم ويحفظ حريتهم “نريد حريتنا المسجونة في سياسات الدولة” هذا ما تتلمسه من احاديثهم البسيطة ولكن ذات المغزى الكبير، تصف مروى المجتمع “بالكذاب” وتقول “ان لا حقوق حاضرة ولا مساواة، فقط تمييز واضح للعيان مش نحنا تحت وهني فوق، ما في ناس دعمتا غير المدارس الخاصة بنا، هذا جرح كبير ، انا مني ضعيفة ابدا، ولكن المجتمع بضعّفك بنظرة الشفقة”.

تحلم مروى كما احمد وزينب ومروان وغيرهم من اطفال ذوي حاجات خاصة بالمساواة في كل شيء، بحقهم بالذهاب الى مدارس مجهزة وجامعات ترضي طموحهم ولكن احلامهم تتلقفها تلك القطع الحجرية الصغيرة التي ينشرها احمد ليصنع منها قطعة فسيفساء لامه، وتشاركه زينب التي ترسم وتلون احلامها على لوحات . هي مبدعة في ما تقوم به ولكن في لبنان لا مجال لأمثالنا بالابداع لانهم لا يروننا ويتلهون بأمور بعيدا عن احلامنا البسيطة فيما نحن نملك طاقات كبيرة قد لا تجدها في سوانا ، نحن نتعلم ونكتسب خبرات لاننا نريد ان نحقق ذاتنا اما الانسان السوي فلا يملك الاندفاعة التي نملكها فأين المساواة اليست من حقنا ؟ اذا ارادوا ان ينصفونا ليعطونا جزءا من حقوقنا في القانون.

من يجلس في حضرة من فقدوا النطق، والسمع والتركيز والمشي ويعانون من خلل دماغي بسيط يلمس قيمة الحياة بمعانيها الصادقة، يلمس معنى الطفولة المهمشة المشلوحة على رف وطن لم يتحرك ساسته ولا نوابه حتى اليوم لدمجه في المجتمع، بل يرقصون على مطالبه، هل فكّر احد النواب مثلا ان يشاركهم فرحة الطفولة في عيدهم “.

لو فكر النواب ان يبحثو عن حل لمعضلة ما لعل زيارتهم لهؤلاء تساعدهم هم الذين تعلموا كيف يبحثون عن افكار تغني مواقفهم. دون ان ينتظروا حلولا تأتيهم من الخارج.

بين الرسم والتعبير الكتابي والاشغال يمضون يومياتهم، تقتصر احلامهم على امنية الحرية، وتتعدد افكارهم الذكية. في عيد الطفوله يقولون ” امنحونا طفولتنا المسجونة في قانون لم يبصر النور بعد ” فهل من يتلقف أمنيتهم؟

السابق
خمسة موقوفين غير لبنانيين في ملف «البارد» امام المجلس العدلي: لم نشارك!
التالي
في أسباب قوة إيران